كتاب " شفرة الموهبة " ، تأليف دانيال كويل ترجمه إلى العربية تامر فتحي ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب شفرة الموهبة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
شفرة الموهبة
عندما نرى الناس تتمرن بفعالية، عادة ما نصف الأمر بكلمة من قبيل قوة الإرادة أو التركيز. إلا أن هذه الكلمات غير مناسبة تمامًا لأنها لا تقبض على تفصيلة ارتقاء المنحدر الثلجي الخاصة بالحدث. فالناس في مكامن الموهبة تنخرط في حركة تبدو من الخارج غريبة ومفاجئة. فهم ينشدون التلال الزلقة. ومثلما فعلت كلاريسة، فهم يشتغلون عمدًا بآخر حدود قدرتهم، لذا سيفشلون تمامًا. وبطريقة ما فإن الفشل يحسِّن من أدائهم. فكيف ذلك؟
إن محاولة وصف الموهبة الجماعية للاعبي كرة القدم البرازيليين لهي أشبه بوصف قانون الجاذبية الأرضية. يمكنك قياسها، كأس العالم خمس مرات، تسعمائة أو أكثر من المواهب الصغيرة التي توقع كل عام للنوادي الأوربية المحترفة. أو يمكنك تسمية كوكبة من النجوم الأفذاذ مثل بيليه وزيكو وسقراط وروماريو ورونالدو وجونينيو وروبينيو ورونالدينهو وكاكا، وآخرين نالوا لقب "أفضل لاعب في العالم". إلا أنك في النهاية لا يمكنك التقاط قوة الموهبة البرازيلية ووضعها في هيئة أرقام أو أسماء. لا بد وأن تحسّ. كل يوم يشاهد جمهور الكرة المشهد الأساسي: مجموعة من لاعبي الفريق الخصم تحيط باللاعب البرازيلي دون أن تترك له خيارات أو مساحة أو أمل. ثم حركة تمويه راقصة حيلة وحركة خاطفة وانطلاقة سريعة وفجأة يكون اللاعب البرازيلي في أمان، مبتعدًا عن خصومه المرتبكين الآن بثقة عفوية لشخص يخطو خارج باص مزدحم. في كل يوم تحقق البرازيل شيئًا غاية في الصعوبة وغير متوقع: في لعبة يتنافس فيها العالم كله على نحو محموم، وما زالت تنتج نسبة عالية بشكل عجيب من اللاعبين الأكثر مهارة.
إن الطريقة التقليدية لشرح هذا النوع من الموهبة المركزة هي أن ترجعها إلى تركيبة من الجينات والبيئة أو ما يُعرف باسم الطبيعة والتغذية. إذن بطريقة التفكير هذه، تكون البرازيل عظيمة لأنها تملك تجميعة فريدة من العوامل: مناخ لطيف، وشغف كبير بكرة القدم، وتعداد سكاني متنوع جينيًا يقدر بنحو 190 مليون نسمة، 40 في المائة منهم فقراء جدًا، ويرغبون في الفرار من ذلك من خلال "اللعبة الساحرة". ضع العوامل كلها معًا ثم ها هو ذا- صار لديك المصنع المثالي للتفوق الكروي.
لكن توجد مشكلة صغيرة بخصوص هذا التفسير: فالبرازيل لم تكن دائما المنتج العظيم للاعبي كرة القدم. ففي أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، ومع المناخ اللطيف والشغف والفقر الموجود حينها بقوة، لم ينتج المصنع المثالي نتائج باهرة، فلم يفز أبدًا بكأس العالم، ولم يتمكن من التغلب على المجر، القوة العظمى في ذلك الحين خلال أربع محاولات، ولم تظهر إلا بضع مهارات ارتجالية باهرة سيُعرف بها فيما بعد. لم تكن حتى عام 1958 البرازيل، التي يعرفها العالم الآن قد وصلت بالفعل، لتشكيل فريق متألق برز فيه بيليه ابن السبعة عشر ربيعًا، إلا في بطولة كأس العالم بالسويد(5). ولو أن البرازيل يومًا ما خلال العقد القادم سوف تفقد على نحو فظيع مكانتها البارزة في الرياضة (كما فعلت المجر بشكل أفظع)، عندئذ سيغادرنا الجدل حول كون البرازيل الفريق الفريد من نوعه، من دون ردة فعل ممكنة أكثر من هز الكتفين في استهجان والاحتفاء بالفريق البطل الجديد، الذي سيمتلك بلا شك مجموعة من الميزات كلها تخصه وحده.
إذن، كيف تنتج البرازيل الكثير من اللاعبين العظام؟
الإجابة المفاجئة هي أن البرازيل تنتج لاعبين عظامًا لأنها منذ الخمسينيات واللاعبين البرازيليين يتدربون بطريقة خاصة، وبأداة خاصة طورت من مهارة التعامل مع الكرة أسرع من أي مكان آخر في العالم. وكأنهم أمة كل أفرادها كلاريسة، لقد وجدوا طريقة لزيادة معدل سرعة التعلم، ومثلها تماما فإنهم بالكاد واعون بالأمر. إنني أطلق على هذا النوع من التدريب، التدريب العميق، وكما سنرى، فإنه يسري على ما هو أكثر من كرة القدم.
إن أفضل طريقة لاستيعاب مفهوم التدريب العميق هو ممارسته. خذ بضع ثوانٍ للاطلاع على القائمتين التاليتين: وامضِ نفس الوقت على كل قائمة.
أ ب
بحر/ نسيم خبز/ ز_دة
ورقة/ شجرة موسيقى/ ك_مات
حلو/ مر حذ_ء/ جورب
فيلم/ ممثلة تليفون/ كت_ب
بنزين/ محرك تشي_ز/ صلصا
مدرسة ثانوي/ كلية قلم ر_اص/ ورقة
ديك رومي/ حشو نهر/ ق_رب
فاكهة/ خضروات ب_رة/ نبيذ
كمبيوتر/ رقاقة إلكترونية تليفزيون/ راد_و
كرسي/ أريكة غ_اء/ عشاء
الآن اقلب الصفحة. ودون أن تنظر، حاول أن تتذكر أكبر عدد من أزواج الكلمات بقدر المستطاع. من أي العمودين تذكرت أغلب الكلمات؟
لو أنك مثل معظم الناس، وإن لم يكن أكثر: فإنك ستتذكر أكثر كلمات العمود ب التي تحتوي على أحرف ناقصة. تظهر الدراسات بأنك ستتذكر ثلاث مرات على الأكثر. إن الأمر كما لو أن مهارات الحفظ لديك في تلك الثواني القليلة شُحذت فجأة. لو كان هذا اختبارًا، لكان معدل درجاتك في العمود ب أعلى بنسبة 300 في المائة.