كتاب " شفرة الموهبة " ، تأليف دانيال كويل ترجمه إلى العربية تامر فتحي ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب شفرة الموهبة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
شفرة الموهبة
(1) كل حركة إنسانية، فكرة، أو شعور هي عبارة عن إشارة عصبية محددة التوقيت تسافر عبر سلسلة من الخلايا العصبية دائرة من الألياف العصبية.
(2) المايلين هو العازل الذي يلتف على هذه الألياف العصبية، ويزيد من قوة الإشارة العصبية وسرعتها ودقتها.
(3) فكلما أشعلنا دائرة محددة من الألياف العصبية، كلما حسّن المايلين تلك الدائرة، وصارت حركاتنا وأفكارنا أكثر سلاسة.
"إن كل شيء تفعله الخلايا العصبية تفعله بسرعة فائقة. يحدث الأمر مع تكة الزر"، قال فيلدز، مشيرًا إلى المشابك العصبية. "لكن تكّة الزر ليست هي المعنية بكيفية تعلم أشياء كثيرة. إن تحسُّن أدائك في البيانو أو الشطرنج أو البيسبول يلزمه كثير من الوقت، وهذا ما يفلح فيه المايلين".
"ما الذي يصنعه الرياضيون البارعون عندما يتمرنون؟"، قال بارتزوكس. "إنهم يرسلون موجات محددة على طول الأسلاك العصبية تعطي الإشارة لعزل ذلك السلك بالمايلين. ينتهون بعد كل هذا التمرين وقد صار لديهم سلك مذهل، نطاق ترددي واسع وكبير، وصلة ثلاثية عالية السرعة. وهذا ما يجعلهم مختلفين عن بقيتنا".
سألت فيلدز: لو أن المايلين له علاقة بظاهرة مكامن الموهبة. لم يتردد. قال "يمكنني التنبؤ بأن لاعبات الجولف من كوريا الجنوبية لديهنّ في المتوسط الكثير من المايلين أكثر من لاعبات من دول أخرى. لديهنّ الكثير في الأجزاء الصحيحة من المخ ولمجموعة العضلات الصحيحة، وذلك ما يسمح لهن بتحسين نظام دوائرهنّ العصبية. نفس الشيء ينطبق على أي جماعة مثلهن".
"وماذا عن تايجر وودز(13)؟"، سألته.
قال فيلدز، "بالتأكيد. هذا الرجل لديه الكثير من المايلين".
باحثون مثل فيلدز جذبهم المايلين، لأنه يَعِد بسبر أغوار الجذور البيولوجية للتعلم والاضطرابات الإدراكية. لكن، بالنسبة لغرضنا، فإن أعمال المايلين تربط مكامن الموهبة المختلفة بعضها ببعض وبنا. تحمل نظرية المايلين للمهارة البشرية نفس العلاقة كالتي تحملها نظرية الصفائح التكتونية(14) لعلم الجيولوجيا، أو عملية الانتقاء الطبيعي(15) لعملية التطور. إنها تشرح تعقيد العالم بآلية بسيطة وأنيقة. المهارة هي طبقة عازلة من المايلين تلتف على الدوائر العصبية وتنمو وفق إشارات معينة. إن قصة المهارة والموهبة هي قصة المايلين.
كلاريسة لم تتمكن من الشعور بالأمر، لكنها حين كانت تتدرب باستغراق على معزوفة "الزفاف الذهبي"، كانت تشعل وتحسِّن من دائرة عصبية، وتنمي المايلين.
وحين تدرب طيارو سلاح الطيران باستغراق داخل طائرة لينك التدريبية، فإنهم كانوا يشعلون ويحسنون دوائر عصبية وينمون المايلين.
وعندما لعب رونالدينهو ورونالدو الكرة الخماسية، فإنهما كانا يشعلان ويحسّنان من دوائرهما العصبية أكثر في أغلب الأوقات، وتحديدًا أكثر من لعبهما مباراة في الهواء الطلق. لقد كانا ينتجان المزيد من المايلين.
ومثل أي اكتشاف منير لائق، فإن الاعتراف بأهمية المايلين يهز المفاهيم القديمة. بعد زيارتي لفيلدز وعلماء المايلين الآخرين، شعرت كما لو انني أرتديت نظارة مزودة بأشعة أكس كشفت لي طريقة جديدة لرؤية العالم. رأيت قواعد المايلين تعمل ليس فقط في مكامن الموهبة ولكن أيضًا في تدريب أطفالي على البيانو، وفي هوس زوجتي الجديد بلعبة الهوكي، وإقبالي المريب على الكاريوكي(16). كان إحساسًا جيدًا دون شك، شعورًا مثيرًا بهيجًا لاستبدال التخمين والشعوذة بآلية مفهومة وجلية. وصارت الأسئلة المبهمة واضحة.
س: لماذا التدريب المحدد ذو التركيز على الخطأ فاعل للغاية؟
ج: لأن أفضل طريقة لبناء دائرة عصبية جيدة هو أن تشعلها، مع مراعاة الأخطاء، ثم إشعالها ثانية، ثم مرارًا وتكرارًا. الاجتهاد ليس خيارًا: إنه حاجة بيولوجية.
س: لماذا الشغف والمثابرة من المكونات الرئيسية للموهبة؟
ج: لأن التفاف المايلين على دائرة عصبية كبيرة يحتاج لطاقة كبيرة ووقت. فإن لم تكن تحبها، فلن تجتهد على نحو كافٍ لكي تكون عظيمًا.
س: ما أفضل الطرق للوصول لقاعة كارنيجي(17)؟
ج: امضِِ قدمًا في شارع المايلين.
بدأت رحلتي في شارع المايلين بزيارة لحضّانة في مختبر علم الأحياء العصبي التنموي بمعاهد الصحة الوطنية الأمريكية. الحضّانة، بحجم ثلاجة صغيرة، تحوي أرففًا سلكية لامعة رُصت عليها عدة صفوف لأوعية مخبرية (بتري) فيها سائل يشبه مشروب الطاقة (جاتوريد) الوردي. داخل السائل الوردي شرائط من البلاتين ترسل انفجارات تيار ضئيلة لكي تتصيد خلايا عصبية مغطاة بمادة بيضاء لامعة.
"ها هي المادة"، قال دكتور فيلدز.
فيلدز، أربعة وأربعون عامًا، رجل مشدود القوام، مفعم بالحيوية ذو ابتسامة عريضة ومشية نشيطة. هو خبير بيولوجي سابق في علم دراسة المحيطات، يشرف على معمل فيه ستة أشخاص وسبع غرف مجهزة بأوعية تطلق صفيرًا وصناديق كهربائية طنانة، وحزم مرتبة من أسلاك وخراطيم، الأمر يشبه سفينة فاعلة ومُنظمة. بالإضافة أن فيلدز لديه عادة الكابتن البحري في جعل اللحظات المثيرة جدًا تبدو كأمر علمي. كلما يكون الشيء مثيرًا، كلما يجعله يبدو مملًا. على سبيل المثال، كان يخبرني عن الستة أيام التي تسلق فيها جبل الكابيتان ذا الـ3500 قدم ارتفاعًا بوادي يوسيميتي منذ صيفين ماضيين، وسألته عن شعور النوم وهو معلق بحبل على ارتفاع آلاف الأقدام عن سطح الأرض. "في الحقيقة ليس الأمر مختلفًا لهذا الحد"، قال فيلدز وتعبير وجهه لم يتغير وكأنه كان يناقش رحلة إلى محل البقالة. وأضاف، "فأنت تتكيّف في النهاية".
الآن يصل فيلدز إلى الحضّانة، يستخرج واحدة من أوعية بتري ثم يدسها تحت المجهر. صوته هادئ. يقول "اِلْقِ نظرة سريعة".
أنحني وأنا أتوقع أن أرى شيئًا يبدو سحريًا أو من قبيل الخيال العلمي. لكنني بدلًا من ذلك أرى كومة متشابكة من الخيوط تشبه الإسباجيتي، التي يخبرني فيلدز أنها ألياف عصبية. يصعب رؤية المايلين، إنه شراريب خيطية ضعيفة متموِّجة تحيط بأطراف الخلايا العصبية. أغمض عيني وأفتحهما، أعيد التركيز ثانية، وأجاهد لتصور كيف أن هذه المادة قد تكون القاسم المشترك بين موتزارت ومايكل جوردن، أو على أقل تقدير مفتاح تحسن أدائي في لعبة الجولف.
لحسن الحظ أن دكتور فيلدز مدرِّس جيد، فعلى مدار محادثاتنا في الأيام الماضية شرح لي المبدأين الأساسيين اللذين يرتكز عليهما فهم طبيعة المايلين والموهبة. إن التحدث إليه، ككثير من أطباء الأعصاب، أشبه بتسلق الجبل نفسه: إنه ينطوي على بعض العرق، لكنك تفوز بمنظر عالٍ وجديد.