كتاب " رسائل فلسفية " ، تأليف فولتير ترجمه إلى العربية عادل زعيتر ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب رسائل فلسفية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
رسائل فلسفية
مع ذلك، إن كان الإنجليز يدينون في بعض إنجازاتهم – وفي الحقيقة بعض تعاستهم – لخواص جنس سكان الجزيرة، سيبدو أن القليل جدا هو الذي يعتبر غير متاح للفرنسيين، على الأقل من حيث الجوهر. لا يعطي فولتير للفرنسيين رفاهية التفكير في أن الإنجليز في الأساس أناس مختلفين. هو يتجنب اللجوء إلى أنواع "الشرح" التي تترك الفرنسيين بعيدين عن الوصول إليهم. في الحقيقة، أوصاف فولتير للحياة الثقافية والسياسية الإنجليزية تفتح طريقا في النهاية للنقاشات عن الطبيعة الإنسانية التي سيظل وفيا لها للسنوات القادمة. في حياته وعمله الطويل" يحتل "رسائل فلسفية" موضعا مبكرا نسبيا، ولكن فولتير "فولتيري" بالفعل في عمله.
من جهة الأسلوب، العديد من الخدع والنكات التي سيعمل فولتير عليها في السنوات العديدة القادمة في قصصه مثل "كنديد" (1759) هي واضحة بالفعل هنا. كان ماهرا بشكل كبير في ربط الصفات بأسماء من غير المُعتاد أن ترتبط بها؛ مثل "الطموحات التقية" للكاهن (الرسالة 5، صـ 53)، "الحمق المذهل" للحروب الدينية (الرسالة 8، صـ 66) "أوهام ملْبرانْشُ السامية" (الرسالة 13، صـ 95)، "غيلان شكسبير اللامعة" (الرسالة 18، صـ 140). وبشكل أكثر شهرة يصف بليز باسكال على أنه "المبغض الأعلى للإنسان" (رسالة 25، صـ 173) لا يتفوق أي من الكتاب على فولتير في المناورة بهذه "التجميعات" وتحويلها إلى مواضيع عملية متهكمة. في بعض الأحيان تؤكد أيضا القليل من الظروف القوة التهكمية لجملة. ففي الرسالة الخامسة عشر، على سبيل المثال، يوضح فولتير أن حماسة حكومة توري "كان لا يَمْتَدُّ، أحيانًا، إلى أبعدَ من تحطيم زجاج النوافذ في بِيَع الَملاحدة" (الرسالة 5، صـ 54). بعد عدة أسطر، كان الإكليروس الأدنى "... يَتَمتَعُ على الأقل، بحرية الاجتماع وإقامة البرهان وإحراق بعضِ كُتُب الإلحاد حينًا بعد حين، أي الكتبِ المخالفة له" (الرسالة 5، صـ 54). في كل حالة، الظروف اللا مبالية وغالبا غير المرئية – "عادة"، "من آن لآخر" – تُحْدِث النكهة الساخرة للجمل التي تجعل فولتير يظهر وكأنه يقبل السلوك الذي يبدو معتدلا بوضوح: في النهاية، تُحرَق الكتب ويتم تكسير النوافذ من آن لآخر.
في الرسالة الرابعة عشر، يشير فولتير إلى أن ديكارت الموهوب ذو المخيلة الخصبة، لديه مواهب شعريّة معقولة. ثم يضيف في الحقيقة أن فولتير يكتب حتى بعض الأشعار من أجل ملكة السويد "لم تُطبع إكراما لذكراه". السلبي يأتي بشكل مفاجىء، بعد حماسة فولتير الظاهرة. وبدون أن يقول ذلك بوضوح، ينجح في أن يخبرنا أن ديكارت قلَّل من قدْرِ نفسه بكتابته الشعر.
في الرسالة السادسة عشر، كان فولتير دومًا مستعدًا لمقاومة الصرامة بكل أشكالها، متعجبًا من قسوة المشيخيين وتقديسهم لأيام الآحاد. كما في المثال السابق، هناك لذعة ساخرة في النهاية. أسلوب فولتير يتخذ لهجة ملحّة مؤكدة:
"ويُعَدُّ تقديسُ يوم الأحد مَدينًا لهؤلاء في الممالك الثلاث حيث مُنع العملُ واللهوُ في ذلك اليوم، وهذا يَعني ضِعْفَ شِدَّةِ الكنائس الكاثوليكية، فلا أوبرا ولا كُمِيدْيةَ ولا جَوْقات موسيقية يومَ الأحد بلندن، وقد كان من حَظْر الوَرَق في ذلك اليوم ما عاد لا يَلْعَبُه فيه غيرُ ذوي المواهب والفضل كما يُدْعَوْن، وأما بقيةُ الأمة فتذهب إلى الوعظ وإلى الحانة وإلى بنات البهجة". (الرسالة 6، صـ 58)
في الوقت الذي نستعد فيه للإشفاق على بلد مجبَر على التقشّف والملل، وممنوع من لعب الورق، يخبرنا فولتير بخبث أن البلد يلجأ للَذّات أخرى.
على أي حال، نحن نخاطر بتجاهل ملاحظة فولتير في الرسالة الثانية والعشرين، أن كل المعلِّقين ذوي "الكلمات الطيبة" حمقى. رسائل فولتير الفلسفية هي شيء أكبر من كونها مجاملة عصرية لإنجلترا وتدريبا أسلوبيا للقصص القادمة؛ إنها أيضا تصريحا حقيقيا يوضح المُثُل والمعتقدات التي يلتزم بها.
صحيح أنه في اللحظة التي غادر فيها، لم يعد فولتير أبدا إلى إنجلترا. مغادرته المفاجئة ونفوره اللاحق من العودة يوحي باحتمال حقيقة الشائعات عن أنه ترك الأراضي البريطانية بسبب مشكلة أنه زوَّر أوراقًا نقدية. وفوق ذلك، الحرب بين إنجلترا وفرنسا كانت تتأجج من حيث المشكلات والكثافة (وصلت للذروة في حرب السبعة أعوام من 1756 إلى 1763 والنزاع على الهند والصين بالإضافة إلى أوروبا)، لم يعد من الصعب فقط الترحال، ولكن فولتير كان يمكن أيضا أن يعجب بالزخم الفلسفي الذي تحقق في فرنسا، حيث كان يعمل ديدرو ودالمبير على موسوعة ضخمة******. في الوقت الذي كتب فولتير فيه ونشر "القاموس الفلسفي" في الستينيات من القرن الثامن عشر، لم يعد يرتّب الأفكار وفقا للشخص الذي ينسبها إليه في "الرسائل الفلسفية" ولكن تحت عناوين الأفكار. فولتير، في بناء أفكاره، على الأقل، وصل إلى مستوى أعظم من التجريد. هو لم يعد يتكلم عن الفلاسفة والفلسفة فقط، إنما أن يكون - أو يحاول أن يكون - هو نفسه فيلسوفا.
ومع ذلك، لن يضجر فولتير أبدا من لندن ولا من الحياة. هذه الإقامة المؤقتة في إنجلترا تركت ميراثا مستمرا، فإن لن يذهب إلى إنجلترا بعد ذلك، فسوف تأتي هي بشكل متزايد إليه*******. وبالشكل نفسه، على الرغم من أن فولتير كان يراجع دوما النصوص التي كتبها في وقت أبكر، فهو نادرا ما كان يتبرَّأ منها. في الحقيقة، وعلى الرغم من أن فولتير ألقى بمسوَّدة قصيدته الملحمة "الهنرياد" في النار، كان حريصا على أن يفعل ذلك أمام صديقه، جان شار هينو، الذي أنقذها بشهامته. في حياته المتأخرة، لم يرفض فولتير ولم يندم على الآراء التي ذكرت في "رسائل فلسفية". القِيَم والمُثُل التي حرَّكت الصفحات. رؤية الإنسان وليس فقط الإنسان الإنجليزي ستظل أساسية لفولتير، فقط ستخضع لتعديلات قليلة.
من المثالي لفولتير أن رؤيته للإنسان، والنقاش الفلسفي الخلّاق والممتد الذي تُعتَبَر هذه الرؤية جزءا منه، أُثير وتأجّج عن طريق معارضة شخص آمن به فولتير بثقة وأخطأ في رأيه فيه تماما – باسكال. كما هو معتاد فالدفعات التهكّمية والحجج الفلسفية تتقاطع في أعمال فولتير. جعل باسكال من نفسه "عدوا للطبيعة الإنسانية" (الرسالة 25، صـ 173)، كما قال فولتير، بوصفه للناس على أنهم رموز هشة وقذرة، عرضة للخطأ والتوهُّم، ضائعون بدون إرشاد الله. شعر فولتير بالإهانة من رزانة باسكال السوداوية، وإدانته الصارمة للنشاطات التي تُكوِّن حياة الإنسان العادية********. في مواجهة باسكال، يوضح فولتير التزامه بالنظرة المتناقضة للإنسان. يرى باسكال النشاطات المستمرة للإنسان، والحروب التي يقوم بها، واللذّات التي يبحث عنها، كـ "إزعاج" أساسي، تعبير عن الحاجة إلى إبعاد أنفسنا عن أفكار بؤسنا وفناءنا. يندم باسكال على عدم قدرة الإنسان على أن يظل في راحة، متأمِّلا في الحالة الحقيقية للأشياء.