كتاب " رسائل فلسفية " ، تأليف فولتير ترجمه إلى العربية عادل زعيتر ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب رسائل فلسفية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
رسائل فلسفية
مقدّمة المترجم
نُشِرت أُهْجُوّةٌ عن الوصيِّ على العرش الفرنسيّ وعُزِيت إلى أرُوِيه افتراءً، فاعْتُقِل في الباستيل وهو في الثالثة والعشرين من سِنيَّه، وقضى فيه أحد عشر شهرًا، وفي الباستيل عزم أرُوِيه على تغيير اسمه، فلما خرج منه عُرف بفولتير بعد أن كان يُعْرف باسم أُسْرته ذلك.
وليست هذه هي المرة الوحيدة التي يُزجُّ فيها بفولتير في الباستيل، فبعد ثمانية أعوامٍ من ذلك التاريخ أهانه الشريف الفارس دو رُهان. ويدْعو فولتيرُ هذا الفارس إلى المبارزة، ويَرْضى هذا الفارس بذلك، ولكن فولتير يقابَل بالاعتقال في الباستيل في صباح اليوم المعيّن للمبارزة بدلًا منها، ويقضي في هذا المعتقل نصف عام، ويُعدُّ هذا الاعتقال قطْعًا مفاجئًا لِما كان قد اتفق لفولتير من إقبالٍ في فرنسا وما لاح له فيها من توفيق.
ويخْرُج فولتيرُ من الباستيل، ويهاجر إلى إنجلترا من فوْره، ويقيم بإنجلترا حيث يدْرُسُ الإنجليزية ويتصل بِعْلية الإنجليز وفلاسفتهم وعلمائهم وكُتّابهم وشعرائهم، وحيث يُعْجبُ بالدستور الإنجليزيّ وبتسامح الإنجليز الدينيْ وحريتهم السياسية أيّما إعجاب، وكان لأخلاق هؤلاء القوم وعاداتِهم بالغُ الأثر فيه، ففي هذا الجوِّ وضع فولتيرُ كتاب "الرسائل الفلسفية" أو "الرسائل الإنجليزية" حيث أثْنَى على نظام إنجلترا وقال: "إن أميره البالغ القدرة على صنع الخيْرِ مُقيّدُ اليدين في صنع الشّرّ".
ويعُودُ فُولْتيرُ إلى باريس حاملًا في ذهنه كثيرًا من المشاريع في الحرية السياسية والإصلاحات الدينية، ويتناول كتابه "الرسائل الفلسفية" بالتعديل والتهذيب وينْشُرُه لأولِ مرةٍ في فرنسا سنة 1734.
وتقْضِي المحكمة العليا (البرلمان)، في 10 من يونيه 1734، بجمْع نُسخ هذا الكتاب وتمْزِيقه وإحراقه، وذلك "لمخالفته للدين وحُسْن الأخلاق"، ويعُدُّ هذا الحُكْمُ كتاب "الرسائل الفلسفية" أخطر ما يكون إلحادًا في الدين ونظامِ المجتمع المدنيِّ، ولا يحُول هذا دون طبع كتاب "الرسائل الفلسفية" مرارًا وتوزيعه بين الناس سِرًّا.
ويُؤْمرُ باعتقال فولتير عِقابًا له على تأليف ذلك الكتاب، ولم ينْجُ فولتير من السجن في الباستيل للمرة الثالثة إلا بالفرار، ويقْضِي عامًا في دُوقية اللُّورين المستقلة، ثم يُلْغى أمر اعتقاله وتُطْلق له حرية العوْدة إلى باريس (1735).
ويتفق لكتاب "الرسائل الإنجليزية" نجاح عظيم، ولم ينفكّ هذا النجاح يتجدّد حتى يومِنا هذا، وهو من أكثر ما يطالِع الناسُ من الكتبِ، وهو من أكثر الأسفار تأثيرًا في نفوس الناس على اختلاف أُممهم ومِللهم ونِحلهم، ولعلّ ما انطوى عليه هذا الكتاب من دلالةٍ على حيوية فولتير ونضْجِه وفؤادِه الفيّاض، من أهمّ العوامل في خلوده وما لاقى من إقبالٍ عظيم حتى الآن.
وليس ما ينِمُّ عليه كتابُ "الرسائل الفلسفية" من جرأةِ مؤلفه وإِقدامِه وصراحته هو أكثر ما يقِفُ النظر فيه، بل اتزانه وكوْنُه وليد ذِهْنٍ رصين وإنصافٍ وتمييزٍ بين المحاسن والأضداد، ومن ذلك أنه يُظْهِرُ الكويكر فضلاءُ عقلاءُ ولكن مع شيء من إثارة السخرية حولهم، ومن ذلك أنه يُظهِر البرلمان الإنجليزيّ ناشرًا للحرية السياسية والسياسة السلمية، ولكن مع كونه متصلَّبًا بعيدًا عن السماحة أحيانًا. ومن ذلك إظهارُه المأساة الإنجليزية بعيدةً من حُسْن الذوق، ولكن مع اشتمالها على الحركة والإبداع. ومن ذلك إظهارُه نيُوتُن عبقريًّا عظيمًا، ولكن مع كوْنِه ذا وساوس وسخافات... إلخ.
وتحْمِلُ "الرسائل الفلسفية" حملةً صادقة على نُظُم فرنسا وطبائعها وآدابها السياسية في عصرِ فولتير، فكان هذا الكتاب من أقوى العوامل في إيقاد الثورة الفرنسية وتوجيهها من عِدّةِ نواحٍ. وتهذيبُ الذوق، قبل كل شيء، هو أكثرُ ما هدف إليه فولتير في هذا الكتاب. فلعلِّي أكون قد سهّلْتُ به، وبكتاب "كنديد" الذي نقلته إلى العربية، وقوف القارئ العربيِّ على ناحيةٍ مهمة من نواحي براعة فولتير وعبقريته.
عادل زعيتر
"نابلس "