كتاب " رسائل فلسفية " ، تأليف فولتير ترجمه إلى العربية عادل زعيتر ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب رسائل فلسفية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
رسائل فلسفية
"أعْترِفْ بأنه كان يشُقُّ عليك أن تمْنع نفسك من الضّحِك عندما أجبتُ عن جميع مجاملاتك لابسًا قُبّعتي على رأسي مخاطِبًا إياك بصيغة المفرد، ومع ذلك أراك من الثّقافة ما لا تجْهل معه عدم وجود أمةٍ منذ زمن يسُوع كانت من الحماقة ما تستبدل معه الجمْع بالمفرد، فكان يقال للقيصر أُغُسْطس "أحبك، أرجوك، أشكرك"، حتى إنه كان لا يأْلم إذا ما نُودِي بالسيد********، ولم يعُنّ للناس إلاّ بعد زمنٍ طويل من عهده أن يتنادوْا بـ"أنتم" بدلًا من "أنت"، كما لو كانوا ضِعْف أنفسهم، وأن يغْتصبوا ألقاب العظمةِ والسماحة والقداسة عن وقاحة، وأن تفْسح الخراطينُ******** في المجال لخراطين أخرى مؤكّدةً لها، مع الإكرام البالغ والرَّثاء الفاضح، كوْنها خدما لها وُضعاء خُضّعًا، ونحن، كما نكونُ أكثر احترازًا حِيال هذه المعاشرة الشائنة القائمة على الكذِب والخِداع، نخاطب الملوك والسّكّافين بصيغة المفرد على السواء، ولا نُحيّي أحدًا غير حاملين للناس سوى المحبة وغير مُبْدِين احترامًا لسوى القوانين.
"ونلْبسُ كذلِك ثيابًا تختلف عما يلْبس الآخرون بعض الاختلاف وذلك لكي يكون لنا هذا تنبيهًا إلى عدم مشابهتهم ويحْمِلُ الآخرون سِماتٍ دالّةٍ على مقامهم، ونحن نحْمِلُ سِمات التواضع النصرانيّ، ونحن نتجنّبُ مجالس اللهو والمشاهد واللّعِب، وذلك لأن مما يؤلِمُنا أن نُمِل بالتُّرّهات قلوبًا يجب أن تكون عامرة بالله، ونحن لا نحْلِف مطلقًا، حتى أمام القضاء، وذلك لأننا نرى ألاّ يُخْفَض اسمُ الرّبِّ الأعلى في منازعات الناس الساقطة، وإذا ما وجب أن نمْثُل بين أيدي القضاة من أجْل قضايا الآخرين (لأنه لا دعاوى لنا مطلقًا) أكّدْنا الحقيقة بـ"نعمْ" أو بــ"لا"، وصدّق القضاةُ قولنا، وذلك على حين يحْلِف كثيرٌ من النصارى على الإنجيل زُورًا، ونحن لا نذهب إلى الحرب أبدًا، وليس هذا عن خوْفٍ من الرّدى، فعل العكس تُبْصِرُنا نبارِك للساعة التي نلْحقُ فيها بواجب الوجود، وإنما ينشأ ذلك عن كوْننا لسنا ذِئابًا ولا نِموراً ولا كِلابًا، إنما يأتينا ذلك عن كوننا بشرًا، عن كوننا نصارى، ولا يُرِيدُ الرّبُّ، الذي أمرنا بأن نُحِبّ أعداءنا وبأن نصْبِر على الأذى من غير تذمُّر، أن نعْبُر البحر لِذبْح إخوانِنا لا ريْب، وذلك عن جمْعِ أُناسٍ من القتلة، لابسين ثيابًا حُمْرًا وقلانس طولُها قدمان، مواطنين للجندية بصوتٍ يصْدُر عن ضرْب عَصَوين صغيرتين على جلد حمارٍ مشدودِ جيدًا، فإذا ما تمّ النصر في المعارك أضاءت لندن بالأنوار واشتعلت السماء بالأسهم النارية ودوّى الهواء بصلوات الشكر وأصوات الأجراس والأراغِن والمدافع، وهنالك يعْترينا حزنٌ عميقٌ على ما وقع من تقتيلٍ أوجب ابتهاج الجمهُور".
الرسالة الثانية
حوْل الكُوِيكر
ذلك هو الحديث الذي دار بيني وبين ذاك الرجل الشاذِّ، ولكنِ اعتراني دهشٌ أكثر مما تقدّم عندما أتى بي إلى كنيسة الكُوِيكر يوم الأحد التالي، ولِلْكُوِيكر بِيعٌ******** كثيرة في لندن، والبِيعةُ التي جيء بي إليها قريبةٌ من العمُود المشهور الذي يُسمّى النُّصب التذكاريّ، وكان الناسُ مجتمعين حين دخولي مع رائدي، وكان عددُهم نحْو أربعمائة رجل وثلاثمائة امرأة، وكان النساء يحْجُبْن وجوههن بمراوِحهن، وكان الرجال لابسين قُبّعاتِهم الواسعة، وكان الجميع جُلُوسًا صامتين صمتًا عميقًا، وأمُرُّ بينهم من غير أن يرْفع أيُّ واحدٍ منهم بصره إليّ، ويدُوم هذا الصمتُ نحْو رُبْع ساعة، ثم ينْهضُ أحدُهم وينْزع قُبّعته ويزْوي ما بين عيْنيه ويتنهّدُ ويخِنُّ بكلامٍ مبهم مُقْتبسٍ من الإنجيل كما يرى من غير أن يعِي هو أو غيره شيئًا من ذلك، فلما فرغ هذا المُقطِّبُ من مناجاته لنفسه وتفرّق الجمْعُ متأثِّرًا مُتبلِّدًا سألتُ صاحبي الكُوِيكريّ عن السبب في احتمال هؤلاء لِمْثل تلك الحماقات، فقال لي:
"نحن مُلْزمون بالإغضاء عنها، وذلك لأننا لا نستطيع أن نعْرِف هل يكون الرجُلُ الذي ينْهضُ مُلْهمًا عن عقلٍ أو خبل، فنحن، عند الشّكِّ، نسْتمِعُ إلى الجميع صابرين، فنُبِيحُ حتى للنساء أن يتكلّمْن، وفي الغالب يكون اثنتان أو ثلاثٌ من تقِيّاتِنا مُلْهماتٍ معًا، فهنالك، يرتفع ضجيج في بيت الرّبِّ".
- إذنْ، ليس عندكم قُسُوسٌ؟