كتاب " جوانب من الخدمات في المدن العراق القديم " ، تأليف ياسر هاشم حسين علي الحمداني ، والذي صدر عن دار زهران عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب جوانب من الخدمات في مدن العراق القديم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
جوانب من الخدمات في مدن العراق القديم
المقدمة
الحمد لله الذي أنزل القرآن الكريم ليخرج الناس من الظلمات الى النور والصلاة والسلام على الرسول الكريم (محمد ) وعلى اله وصحبه اجمعين.
اما بعد:
إن من الصعب حقاً عقد مقارنة متوازنة بين الخدمات التي كانت متوافرة في المدن العراقية القديمة, وبين ما هو متوافر فيها حالياً, لا من حيث تنوع وشمول تلك الخدمات ولا من حيث كفاءتها ومدى تقدمها وتطورها, ومع ذلك تشير المعلومات المتيسرة من خلال النصوص المسمارية الى وجود بعض الخدمات في المدن, وفرتها حكومات المدن او إداراتها في العصور التاريخية القديمة, تعد على درجة كبيرة من التقدم حتى بالنسبة الى مقاييسنا الحديثة في مجال الخدمات المقدمة, ويمكن تلمس ذلك من خلال دراسة وتحليل بعض النصوص القانونية التي ترقى بتاريخها الى أربعة الاف سنة مضت تقريباً.
ومن هذا المنطلق جاء اختياري لموضوع الدراسة, اذ يعد من الموضوعات المهمة في الدراسات الاثارية والتاريخية القديمة, ولاسيما ان معظم ما تناوله الباحثون اقتصر على دراسة جوانب معينة منها, دون التعمق في تفصيلاتها الواسعة من حيث تنوع مجالاتها وكفاءتها ومدى تقدمها وتطورها في نواحي الحياة العامة.
وبسبب سعة الموضوع وشموليته, فقد ركزت هذه الدراسة على العصور التاريخية ابتداءً من عصر فجر السلالات السومرية (حدود 2800 ق.م) وحتى نهاية العصر البابلي الحديث (حدود 539 ق.م) معتمداً في ذلك على ما ورد في النصوص المسمارية من معلومات مفصلة ودقيقة فيما يخص الخدمات واهميتها الحيوية في مختلف جوانب الحياة.
ومما لا شك فيه ان الدخول في تفصيلات هكذا مواضيع تتسم بالشمولية وسعة المعلومات يتطلب من الباحثين جهداً كبيراً ووقتاً اطول مما هو مخصص ومحدد لكتابة اطروحة اكاديمية, فليس من السهل الالمام والاحاطة بجميع مفردات الموضوع ضمن هكذا دراسة.
وقبل الدخول في تفصيل خطة البحث, لابد من التنويه الى ان مفهوم مصطلح الخدمة (ilku) يشير الى ان الخدمة هي جهود مقدمة من عامة الناس الى السلطة الحاكمة, كالخدمة العسكرية مثلا, وهذا ما تحدثنا عنه في تمهيد الدراسة, ولكن طبيعة دراستنا لموضوع الخدمات انطلقت من عكس هذا المفهوم, فالخدمات, هي جهود مقدمة من السلطة الحاكمة والمتمثلة بالحكام والملوك الى عامة الناس, وهذا ما تناولته فصول الدراسة.
واستناداً الى طبيعة هذا الموضوع وابعاده, توزعت خطة الدراسة على أربعة فصول ضم كلا منها العديد من المباحث باستثناء الفصل الرابع وهذه الفصول يسبقها تمهيد عام, تناول تعريف عام للخدمة, فضلا عن طبيعة هذا المصطلح من الناحية العسكرية والمدنية.
جاء الفصل الأول بعنوان خدمات تنظيم مشاريع الري, اذ قسم الى أربعة مباحث رئيسة, تناول المبحث الأول عرضاً شاملاً عن خدمات حفر القنوات, اذ شغلت هذه الخدمات جانباً مهماً من نشاطات الحكام والملوك في العراق القديم, فكان لها اهمية بالغة في تطور النشاطات الزراعية والتي تعد الركن الاساس في البنية الاقتصادية للعراق القديم, كما تشكل هذه القنوات الشريان الحيوي للأراضي الزراعية, فضلاً عن توفير المياه عبر قنوات مائية واسعة استفاد منها السكان في حياتهم اليومية, أما المبحث الثاني فقد كرس للبحث عن أعمال الكري والتنظيف التي تجرى على الانهر والقنوات والجداول مما يترسب في قاعها من طمى وطين وذلك لأستمرار وصول المياه بالكميات الكافية والمطلوبة الى الأراضي الزراعية عبر هذه الانهر والقنوات المائية.
والمبحث الثالث تطرق الى انشاء السدود وما لهذه السدود من اهمية كبيرة في خدمات مشاريع الارواء, اذ تستخدم السدود عندما تشح مياه نهري دجلة والفرات ولاسيما في فصل الصيف اذ تنخفض مناسيب المياه الرئيسة مما يؤدي الى شحة المياه الضرورية لأعمال السقي والارواء.
اما المبحث الرابع فقد تضمن موضوع النقل المائي وما له من أهمية كبيرة في خدمات النقل والمواصلات المائية, وذلك لأن اغلب المدن العراقية القديمة نشأت وتطورت على ضفاف الانهار الرئيسة او الفرعية, كما ان نهري دجلة والفرات مع روافدهما يقطعان ارض العراق من الشمال الى الجنوب ويشكلان حلقة وصل بين مختلف مناطق العراق القديم وصولاً الى الخليج العربي, فضلا عن ان وسائط النقل المائي تعد من اكبر وسائط النقل استيعاباً واقلها كلفة.
اما الفصل الثاني فكان بعنوان خدمات حفظ الامن والنظام في المدن وحدودها, اذ قسم هذا الفصل الى مباحث عدة, تناول المبحث الاول خدمات حفظ الامن والنظام داخل المدن, وتمثل في دور القوات الامنية التي كانت مهمتها الحفاظ على استقرار الامن والنظام داخل المدن, اما المبحث الثاني فقد تطرق الى خدمات حفظ الامن على حدود المدن, ويشمل: اولاً الخنادق, ثانيا الاسوار, ثالثا البوابات, رابعا الأبراج, فضلاً عن المعسكرات.
اما المبحث الثالث من هذا الفصل, فقد تناول موضوع خدمات الطرق العامة وحمايتها, من خلال انشاء الشوارع والطرق العامة, فضلاً عن المحطات التجارية التي تتوسط هذه الطرق مع حمايتها من اللصوص وقطاع الطرق.
ويقف الفصل الثالث على دراسة الخدمات الخاصة بالجانب القانوني, اذ قسم هذا الفصل الى ثلاثة مباحث رئيسة, تناول المبحث الاول اصدار القوانين من قبل الحكام والملوك وذلك لأظهار العدالة ومنع الظلم بين الناس.
اما المبحث الثاني فقد تناول القضاة ودورهم في تقديم الخدمات الخاصة بالقضاء, وتمثل هذا الدور بعدد من الموظفين الإداريين منهم, اولاً السوكالو, ثانياً السارتنو, ثالثاً الخزانو, رابعاً شَ بان دِنانِ, فضلاً عن الطبشارُ.
اما المبحث الثالث فقد تحدث عن موضوع المحاكم وما لها من دور كبير في تقديم الخدمات الخاصة بالجانب القانوني للمواطنين, وتمثلت هذه المحاكم بالمعابد والقصور فضلاً عن البوابات.
وتضمن الفصل الرابع والاخير, دراسة للخدمات الطبية, اذ قسم الفصل الى ثمانية محاور, شمل المحور الاول منه انواع الطب والمتمثل بالطب السحري والطب العلمي, اما المحور الثاني فتناول تعليم الخدمات الطبية, والمحور الثالث تناول مظهر الطبيب الخارجي, في حين تضمن المحور الرابع الخدمات العلاجية للكاهن المعزم (اشيبو), والمحور الخامس تناول الخدمات العلاجية للطبيب (اسو), وتحدث المحور السادس عن أماكن عمل الاطباء, اما المحور السابع فتناول موضوع المستشفيات من خلال ورود بعض الاشارات النصية والتي تؤكد وجود اماكن خاصة لتقديم الخدمات الطبية يمكن ان يطلق عليها المستشفيات, اما المحور الثامن وهو الاخير فقد خصص لموضوع أجور خدمات الاطباء, والتي حددها القانون وشدد على ضرورة التقيد بها.
ومن المصادر والبحوث الاجنبية والعربية التي افادتنا في اعداد هذه الدراسة الى درجة وردت فيها معلومات قيمة عن موضوع البحث ومنها بشكل خاص المعاجم اللغوية السومرية والاكدية, اذ كان ورودها بشكل خاص في مقدمة تلك المصادر, ومنها على وجه الخصوص, المعجم الاكدي: