كتاب " لقد خلق جميع البشر متساوون " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب لقد خلق جميع البشر متساوون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
البداية
مدفوعاً بمشاعر الحزن والغضب
القلق الناشئ من تردى هيكل الطب الإسعافي:
لقد ولدت ونشأت في جزيرة صغيرة اسمها "توكونوشيما" تابعة لمحافظة "كانموشيما" جنوب اليابان. وهذه الجزيرة سكانها من البسطاء الطيبين. ولقد مات أخي الأصغر وهو في سن الثالثة من عمره. وبينما كان أخي الأصغر يصارع الموت ركضت في ظلام الليل خلال طرقات الجزيرة الجبلية الوعرة كي أصل إلى الوحدة الصحية واستجدى النجدة من هناك. لكن الطبيب لم يلب طلبي ورفض الحضور معي. وحين أتذكر أخي الصغير الذي مات دون أن يستطيع يتلقى كشفاً طبياً من طبيب الجزيرة فإنني على الدوام أعانى من الشعور بالحسرة من إخفاقي في نجدته. لقد قررت منذ تلك الليلة أن أصير طبيباً في المستقبل... بل إنني أصررت داخل نفسي على ألا أقبل سوى أن أكون طبيباً. إنني أؤمن بأن العلاج الطبي يجب أن يكون لم يحتاجه من المرضى وأؤمن بأن توفير العلاج لذلك المريض الذي يعيش على حافة الحياة والموت هو واجب على الطبيب لا يمكن الإفلات منه أو التخلي عن مسئوليته.
وفي اليابان اليوم تنتشر دائرة عدم الثقة والقلق من منظومة الرعاية الطبية وذلك على مستوى القطر كله.
إن الكلمات التي تنتشر حالياً مثل تردى أوضاع الرعاية الطبية" و"انعدام الرعاية الطبية" كثيرا ما تسمعها أذناي. وحتى بالنسبة لتلك الأمراض التي تم التغلب عليها بالتقنية الطبية الحديثة فإذا تصادف وأصيب صاحبها بأزمة مفاجئة في منتصف الليل أو في أيام الإجازات أو أعياد رأس السنة وغيرها فإن مصيره غالباً ينتهي بالموت. وهذا أيضاً واحد من أسباب انتشار ظاهرة عدم الثقة هذه.
في اليوم الحادي عشر من شهر سبتمبر (أيلول) عام 1978 وفي تمام الساعة الثانية صباحاً أي بعد افتتاح المستشفى العلاجي لمجموعة "توكوشوكاي" في مدينة "ياأو" بمحافظة أوساكا بأيام قليلة.. وفد إلى المستشفى في سيارة الإسعاف شاب فاقد الوعي محمولاً على نقالة.
كان الشاب الذي تم نقله علىً الفور إلى حجرة استقبال الطوارئ قد أصيب بتهتك في رئته اليمنى وبكسور في الفقرات الثالثة والرابعة من عموده الفقري، كما أن قلبه قد انتزع عن موضعه الطبيعي قليلاً.. أي أن إصابته كانت بالغة بحيث كان بين الحياة والموت.
وبسؤال والديه فقد أخبرونا أنه أصيب بتلك الإصابات في حادث مروى في الليلة الفائتة حوالي العاشرة مساء، فقد كان ذلك الشاب ذو الثمانية عشر ربيعاً الذي يعيش في مدينة "ياأو" يقود سيارته في الطريق فواجه حادث تصادم نقل على أثره الشاب إلى إحدى مستشفيات المدينة قرب مكان الحادث. وحين هرع الوالدان إلى المستشفى كان الشاب قد فقد وعيه بالفعل وكان يعانى من آلام شديدة بسبب إصاباته البالغة، لكن كل ما قامت به المستشفى من إسعافات لم يتعد وضع ضمادات الثلج على جبهته وتزويده بالأكسجين. ولان آلامه كانت غير عادية، فقد صار والداه يتوسلان إلى الممرضات كي يتخذن أي إجراء آخر، لكن الرد الوحيد الذي كان يأتهما هو: "على أي حال لن يكون هناك أي تصرف قبل موعد الكشف الرسمي غداً التاسعة صباحاً" !! وفي نهاية الأمر اختفى طاقم التمريض داخل الغرفة الخاصة بهن وأغلقن الباب بالمفتاح من الداخل. أما الوالدان المكلومان على ابنهما فلم تكن هناك أية استجابة لطرقاتهما المحمومة على ذلك الباب سوى الصمت المطبق! أما ابنهما الشاب الذي كان يقاوم الآلام دون جدوى فقد سكن جسده تماماً عن الحركة في نهاية الأمر.. وكان ذلك حوالي الخامسة فجراً. ولما صار الوالدان يصرخان بأعلى صوتهما شاكيان من عدم حركة ابنهما.. خرجت إ ليهما ممرضة من الممرضات وقالت لهما في برود: "هذا يعنى أنه صار يشعر بالراحة عن ذي قبل" ! ثم تركتهما ودخلت إلى الغرفة مرة أخرى.
كانت هناك سبع ساعات كاملة قد مرت منذ وقوع الحادث. لم يكن هناك إجراء إسعافي بمعنى الكلمة قد أجرى خلال تلك الساعات الطويلة، وكانت هناك أربع ساعات كاملة باقية على موعد حضور الطبيب لتوقيع الكشف على المصاب. وهنا اضطر الوالدان المشتعلان قلقاً على حالة ابنهما إلى عمل مكالمة هاتفية في الفجر إلى واحد من أعضاء المجلس المحلى للمدينة وشكا إليه الوضع وطلبا منه الغوث والنجدة. ولما كان ذلك العضو النيابي يعلم بافتتاح مستشفى مجموعة "توكوشوكاي" فقد نصحهما بنقل ابنهما المصاب على الفور إلى هناك ودبر لهم سيارة إسعاف توجهت على الفور لحمل الشاب. لكن ما حدث بعد وصول سيارة الإسعاف لأخذ الشاب المصاب كان مأساة أخرى.
لقد رفضت الممرضات تسليم الحالة إلى رجال الإسعاف قائلة "مستحيل أن أسلمكم هذه الحالة إلا بعد التاسعة صباحاً وبعد موافقة مدير المستشفى شخصياً" ! أما الوالدان من جانبهما فهما لم يتحملا بالطبع الوقوف مكتوفي الأيدي وهما يشاهدان بأعينهما فلذة كبدهما وهو ينازع الموت والامتثال لطلبات الممرضة بسبب ظروف المستشفى الإجرائية، فانفجرا في الممرضة قائلين:
"لن نترككم تتحكمون في حياة ابننا أكثر من هذا" ثم قاما عنوه" بحمل ابنهما مع رجال الإسعاف إلى خارج المستشفى" وفي مستشفى "توكوشوكاي" بمدينة "ياأو" بدأت على الفور إجراءات الإسعاف الطارئة في غرفة العناية المركزة، وبالرغم من تلك الجهود الدءوبة لم يفق الشاب من غيبوبته إلا بعد مرور عشرة أيام كاملة من يوم الحادث.