أنت هنا

قراءة كتاب لقد خلق جميع البشر متساوون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لقد خلق جميع البشر متساوون

لقد خلق جميع البشر متساوون

كتاب " لقد خلق جميع البشر متساوون " ، تأليف د.

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 6

جزيرة "توكونوشيما" الجزيرة التي تُعامل بتفرقة عنصرية

إن نقطة بدايتي هي وفاة أخي الأصغر ومسقط رأسي جزيرة "توكونوشيما".إن ذكرياتي تجاه جزيرة "توكونوشيما"، أنها كانت جزيرة حزينة وبائسة، جزيرة مظلومة فقيرة فقد حملت على كتفي تاريخها المضني، فتلك الجزيرة هي التي جعلت دمي يفور لبناء تلك المستشفيات.
في الماضي، عانت جزيرتي "توكونوشيما" وجزيرة "أماميداي شيما" من قَمْعِ حكامها المتعاقبين، وكذلك من وضعهما تحت حكم الجيش الأمريكي بعد الحرب وأيضاً من الأسرة الملكية "ريوكيو" وإقطاعية "ساتسوما".في عهد سابق، قامت الإقطاعية بأخذ كل عيدان القصب الذي عانى الفلاحون في زراعته ولم تترك واحداً. حتى بمجرد أن يقوم أطفال صغار الفلاحين بمص عود من عيدان القصب، يعاقبون ضرباً بالعصا، والمهرّبين يعاقبون بالإعدام.
وبعد أن حل عصر "ميجي"، انتهى ذلك القَمْع، لكن الشعور بالتفرقة لم يزل قائماً.
فكان كلاً من جزيرة "توكونوشيما" وجزيرة "أماميداي شيما" تحت حكم الجيش الأمريكي، فقد قيل أنهم كانوا هناك في "أوكيناوا" كمصدر دعم للعاملين من أجل بناء قاعدة عسكرية هناك.
فلا يمكنني أن أنسي أبداً تاريخ الذل الذي عاشه أهل جزيرة "توكونوشيما". قد كان يشعر أهل تلك الجزيرة أنهم في دوّامة الغضب والتفرقة والإحساس بالنقص.
ففي عصر إقطاعية "ساتسوما"، وقعت عدة مرات انتفاضات الفلاحين عرفها تاريخ جزيرة "توكونوشيما".فقام الفلاحون بعمل الانتفاضات ورفع العلم الياباني، والاستعداد النفسي لمواجهة الموت. فانتهازاً لفرصة موت أخي الصغير، وغضب وحزن أهل الجزيرة، أشعر بأن هناك شيئًا يدفعني إلى ما أعزم عليه والذي أصبح ميؤسًا منه وهو العلاج الحقيقي من أجل الفقراء.
لقد كنا ثمانية أخوة فقراء، وكنت أول من ولد من الصبية، فقد كنت أساعدهم في الأعمال المنزلية منذ أن كنت صغيراً. وعندما كنت في الصف الثالث الابتدائي كان عملي هو أن أذهب إلى الزريبة سريعاً في الحقل البعيد، وأحضر البقرة. وكان عملي اليومي هو جز الحشائش من أجل إطعام البقرة مرتان صباحاً ومساءً. ولم أستطع عدم القيام بتلك المهام إلا إذا كان هناك رياح التيفون، لكن كان هناك الكثير من آثار الجروح في معصم وأصابع اليد اليسرى. وهذه الجروح سببها المنجل وقتها.
بمجرد أنني أجد نفسي منقاداً نحو ظروفٍ مرهقة متعلقة بالمذاكرة للامتحانات أو بإنشاء المستشفى، كنت دائماً ألمس برفق شديد آثار الجروح تلك، فكنت أستجمع شجاعتي مردداً في سرّي "تشجعي ياجزيرة "توكونوشيما"، لا تنس حزنكِ وغضبك".
إن روح المنافسة لدي كانت قوية منذ الطفولة. وأتذكر أنه في يوم ممطر، عندما كنت في الخامسة من العمر، كان هناك آلة لعصر عيدان القصب تسمى بـ "كونما". وهي آلة لها ذراع تدفعها البقرة وتدور بها، وكنت أدور خلفها لكي أضربها على المؤخرة، وإن لم أفعل ذلك توقفت. يتم حصاد القصب في الشتاء. وكانت آلة العصر تلك تعمل في شهر فبراير/شباط تقريباً. وعلى مدار العام يكون متوسط درجات الحرارة 21 درجة مئوية في جزيرة صيفها دائم، ولكن في الشتاء الجو يكون بارداً.
كان والدي يقول لي "هيا ادخل الكوخ حتى لا تصاب بالزكام". ولكنني لم أكن لأفعل ذلك. كما أنى كنت أريد ألا أهرب من البقرة، فهي لا تتوقف عن دفع ذراع آله العصر، فلماذا أتوقف أنا عن السير فقط خلفها ! إذا توقفت عن العمل سوف يفسد شيئاً مهمًا، فإذا توقفت في المنتصف، كأن شيئا ما مهمًا قد ضاع. لم يزل والدي يناديني من داخل الكوخ قائلاً " ادخل بسرعة"؟
حتى مع أنني كنت أسمعه يناديني، ولكن كنت أكمل العمل في صمت أنا والبقرة.
وبقيت أتابع المسير أنا والبقرة حتى أن حل الليل وبلّنا المطر بشدة.
في فترة المرحلة الابتدائية والإعدادية، كنت أعود من الحقل مع حلول المساء، وكثيراً ما كنت أعود مع عمال الحقل الذين يعملون طوال النهار.
فكانت النساء اللواتي من نفس عمر أمي يحملّن على ظهرهّن البطاطا بجانب ما كن يحملهن في أيديهن من أشياء ثقيلة دون تذمر. فعندما كنت أراهن يحملن أشياءً ثقيلة، كنت أذهب إليهن، وأساعدهن على حمل تلك الأشياء. لذلك كنت أرى سعادة النساء المسنات في قولهن "لقد ساعدنا "توراو" في حمل الأشياء عنا ونحن عائدات من الحقل".
لقد كان شعوري في هذه اللحظات، ليس مجرد أنني شهم مثلاً أو طيب القلب، بل أن هناك من يعاني من حمل تلك الأشياء الثقيلة، فلن أستطيع أن أتقبل أن أراهم يعانون ولا أفعل شيئًا.
وإن لم أحمل تلك الأشياء، فسأخشى من ذلك الإحساس بأنني قد أضعت شيئاً مهماً. فهو يشبه نفس شعوري بالنسبة لبقرة المعصرة بألا تهزمني. والحكاية التالية أيضًا عن عدم تقبلي الهزيمة.
عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي، كنت من بين العشرة الأوائل، وفي الصف الخامس لم أكن بينهم. فكان سبب ذلك أن المدرس المسئول عنا كان متحيّزاً. وقد كنت أكره التحيز ولا أتسامح فيه، وكنت أعارض بشدة من يقوم بذلك. لقد كان هذا المدرس يضايقني كما لو كنت عدوًا له. حتى أنه ذات مرة ظل يضربني لمدة دامت أربع ساعات تقريباً. كان من الطبيعي أن أبكي، ولكنني لم أكن لأفعل. بل على العكس فكنت أنظر إليه شذراً. لقد بدأ الدم يتدفق داخل فمي، فابتلعته على أن أبصقه. وكلما استمريت في النظر إليه شذراً، ازداد عنفه لي. فلم يكن يضربني ضرباً عادياً، لقد كان يضربني على ساقي بحذاء الجنود، ويدفعني بقدمه بركلة من ركلات رياضة الجودو.
وبالرغم من كل ذلك لم أشكو، واستمريت في النظر إليه شذراً في صمت ولم أصرخ وإذا رآني أحد أكبر مني، يعتقد أنني أضع دم كذب بصلصة الطماطم ولا يبدو علي الضعف لكنني بالفعل أكره التحيّز بشدة. لذلك فإن الطبيب الذي يحصل على الهدايا من المرضى ويبتسم لهم ويفكر فقط في فائدته فإنه طبيب يغضبني وأعتقد أنه أحمق.
ليس فقط رحيل أخي بل عندما كنت في المرحلة الابتدائية، مات فتى أصغر مني بسنة في الدراسة. كان لديه جرح خارجي عند عينه، فلم يفحصه الطبيب، بسبب أنه أصلاً لا يوجد طبيب للعيون في الجزيرة. كذلك لم يكن لدى أسرته المال كي يسافر لتلقي العلاج، فهو من أسرة فقيرة.
لقد كان الجرح يغطي كل وجهه بدءًا من العين، فقد كان وجهه متورّماً كما لو كان مسخاً.
الخوف أن يقال "ياله من طفل مسكين، تلك الأسرة ليس لديهم المال كي يعالجوا طفلهم من المرض"، فيشعرون بالمهانة والخزى، فقام أهل الطفل بعدم إخراجه خارج المنزل، كي لا يكون على مرأى من الناس. فأصبح لون وجهه كلون اليقطين، ولم يمد له أحد يد العون. وبعدها مات.
إن المرض شيء مخيف. إن ما يؤمن به أهل الجزيرة من أعماق قلوبهم دائماً، أن يصير الإنسان مريضاً أمر في حد ذاته لا يمكن وصفه بالكلمات.

الصفحات