أنت هنا

قراءة كتاب تأملت فتعلمت فحمدت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تأملت فتعلمت فحمدت

تأملت فتعلمت فحمدت

في هذا الكتاب دروس وعبر، يرى فيها القارئ خطوات مدروسة تتبعها الكاتب، استطاع بها أن يتخطّى مخاوفه من مرض عضال ألمّ به، وأن يُبعدَ عنه أتون الأدوية الفتاكة، التي أدرك المهندس كمال أنها تُعالج مكامن، وتُمرض مكامن أخرى.

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 2

الباب الأول

أنا لبناني الجنسية، ولدت لأب لبناني وأم تركية، توفى والدي وأنا في العاشرة من عمري، ولديّ سبع أخوات وثلاثة إخوة، والأخوات أكبر عمراً من الإخوة، وكان تسلسلي بينهم قبل الأخير. تربيت بين أخواتي اللواتي تزوجت بعضهن حتى قبل أن أرى النور، فعشت بين أبناء أخواتي. عايشت عالماً واسعاً من الأساليب التربوية المختلفة، فلكل بيت خصوصياتة في التربية والوعي. عشت أدوُّن في ذاكرتي أحداثاً كثيرة وذكريات حلوة ومُرة، وانصقلت شخصيتي وتبرعمت خبرات حياتي على هذا النبع من الأحداث. عشت في حي القنطاري في بيروت الذي كان يحتضن خليطاً من الطوائف الرئيسية الثلاث في لبنان (اليهودية، والمسيحية، والإسلامية التي أنا منها)، مما أتاح لي التعرض لمزيج من أساليب التربية الاجتماعية، ومما زرع فيّ الانفتاح على الآخر واحترام رأيه، أناقش الأمور بموضوعية وإحترام دون استهانة أو تقليل، مهما كان لون الآخر أو دينه أو توجهاته، فهو إنسان، وأنا تعلمت أن أحترم الإنسان، الذي هو جوهر الخلق، فنحن لم نخلق عبثاً، وللإنسان رسالة أعظم من الملذات وجمع الذهب والسيطرة على الآخر، إنه إمتحان صعب وسهل، صعب فهمه وسهل إجرائه. من هذا المنطلق، ومنذ نعومة أظافري صرت أبحث عن أشياء وأشياء... وإجابات لكثير من الأسئلة الحائرة... عن الإنسان والطاقات الدفينة التي يختزنها... وكيفية التعامل مع الذات ومع الآخر.
ترعرعت وعشت معظم حياتي في مجتمعاتنا العربية التي تبحث عن الثروات والمناصب والاستقواء فقط للذات وليس للإنسان أو المواطن، وأتاح لي عملي في مجال الهندسة الميكانيكية العمل في الكثير من الدول العربية والإفريقية والأوروبية. سافرت كثيراً بحكم عملي، وتعرفت على مجتمعات وثقافات وعادات كثيرة، واكتسبت الكثير من الخبرات، منها الصالح ومنها الطالح، وواجهت مصاعب كثيرة، وتعرفت على أصدقاء من كل الأطياف والأعمار والتوجهات، فالإنسان كما أراه هو الامتحان الأكبر... وليس مجرد رقم في كشف، قد يسقط عن الهامش فلا يعود له وجود.
قرأت الكثير عن جميع الأديان بالتفصيل، فتيقنت بأن الخالق هو واحد أحد، وليس لكل طائفة إله، ووجدت بأن كل الأديان تركز على الإنسان وتنقيته وتطويره للأحسن، ومعرفة الذات، والتوجه للخير الذي بداخله، ومعرفة الطاقات التي وضعها الله سبحانه وتعالى في عباده الذين أحسن خلقهم.
في خضم ذلك تحولت شخصيتي، مما تسبب لي بصعوبات كثيرة سواء على صعيد الأهل أو المجتمع. كنت أدرك عندما أتبادل الأحاديث مع الناس أنهم بعيدون كل البعد عن المنطق والحق وسر الإنسان، وهم لاهون في قشور الدنيا وملذاتها فقط.
من هنا كان بعضهم يناديني (MR. FRANKLY)، يسخرون مني ويستخفّون بآرائي، مما أوقعني في صعوبات في تعاملاتي مع الناس المقربين والبعيدين، وأحمد الله بأنه زرع فيّ الإيمان والصبر، وحب الاسترخاء الذي لازمني منذ طفولتي، حيث كنت في صغري أحب الجلوس على البحر أو في الجبل إلى أن اهتديت على مركز في بيروت لتعليم التأمل التجاوزي ((Transcendental Meditation TM، حيث بدأت بالممارسة وتقدمت في اكتشاف طبيعة الإنسان الداخلية، وكيف أن استرخاء العقل والأعصاب يتيح للإنسان الاندماج والنشاط الفكري السليم، مما يمكنه من رؤية كل شيء سهل وجميل من حوله.
كبِرت، وكبُرت معي ممارساتي التي أتاحت لي التعامل بشكل إيجابـي مع أي عارض يطرأ في حياتي. وأود أن أشرك القارئ الكريم في أحد هذه العوارض:
في إحدى مراحل شبابـي، عندما كنت في الثلاثين من عمري، بدأت أعاني من أوجاع كثيرة في جسدي، مثل الرقبة والظهر وغيره، وتوقف بعض أعضائي عن العمل مثل الكبد، وأمسيت أنفق كل مدخراتي ودخلي الذي كنت أكتسبه من عملي ليلاً ونهاراً وأسفاري الكثيرة للعمل في الخارج، على زيارة الأطباء والعلاجات الدوائية، إلى أن اقترح علي زوج أختي أن أزور طبيباً قديماً ماهراً. فكان ردي عليه أنني أزور أهم الأطباء في مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت وهذا هو حالي، فأصر علي بأن أزور ذلك الطبيب، ونـزلت عند رأيه وذهبت إلى عيادة الطبيب، فوجدتها فارغة، وليس لديه حتى سكرتيرة. عرضت عليه كل الفحوصات والأشعة والوصفات الطبية التي كنت قد جمعتها من زياراتي السابقة للأطباء الآخرين، وقلت له: هذا أنا في هذا الملف وأرجو النصيحة. إطّلع على الملف بعناية، وتفحص جميع تفاصيله خلال فترة وصلت إلى الساعة ونصف الساعة، خلت أنها أطول من ذلك بكثير، وأنا أحدث نفسي وأتساءل: ماذا عساه فاعلاً؟ وفي النهاية حدّق في وجهي حتى خلته يخترقني وينظر إلى شيء خلفي من خلالي، وقال: هل لك أهل أو أقارب أو أصحاب يسكنون في مكان بعيد عن المدينة، يفتقر لعناصر المدنية، وليس فيه كهرباء أو مطاعم وجبات سريعة؟ فضحكت في سري وتساءلت ماذا عساه يريد! لكنه أردف: عليك أن تذهب وتعيش معهم في تلك البلدة لمدة شهر واحد، تعمل كل ما يعملون، تصحو معهم، تفطر مثلهم، وتتغذى معهم، وتتعشى معهم، تفلح الأرض، وتنام باكراً مثلهم. وستأتيني بعد شهر وقد تخلصت من هذه الأمراض كلها. شكرته قبل أن أغادره مطأطأ الرأس، محدثاً نفسي، ماذا يقول هذا الطبيب! أكيد أنه غير طبيعي، ولعل هذا يفضح سر خلو عيادته من المراجعين.
بعد عدة أيام، صحوت من نومٍ عميق وكأنّ أحداً يناديني، فقمت وجلست أنظر من حولي. ماذا حدث؟ وإذا بكلام كأنه يخرج من داخلي يقول لي: "تأمل فيما قاله ذلك الطبيب، ارجع إلى الطبيعة، فهي خير مأوى وخير علاج". في اليوم التالي ذهبت إلى مكتبة "خياط" في منطقة الجامعة الأمريكية، وسألت عن زاوية الطب الطبيعي، وابتعت 14 كتاباً من أدبيات التداوي بالطرق الطبيعية كالعسل والأعشاب واليوغا وغيرها، وبدأت أسجل لكل مرض عندي ما هو المفيد له وما هو عكسه.
بدأت في ممارسة اليوغا والتأمل التجاوزي، وتناول الأعشاب والغذاء المفيد لأمراضي، فبدأت أشعر بتحسن، وخفّت زياراتي للأطباء وشرائي للأدوية، وبدأت أختبر الأمراض مع الأعشاب والعلاجات الأخرى، صرت أتوقف عن تناول الدواء وأكتفي بالعلاجات الطبيعية، ثم أذهب لإجراء الاختبارات والفحوص لأتأكد من اختفاء المرض وكأن الأمر كالسحر، ولكني كنت أعيش في الحقيقة حياة طبيعية. دعوت لذلك الطبيب الذي سخرت منه في البداية، الذي ليس لديه سكرتيرة أو مرضى، وقارنته بأطباء عياداتهم فاخرة، ومن الصعوبة الحصول على مواعيد لديهم، وتعج عياداتهم بالمراجعين الذين يبحثون عن أدوية فورية دون أن يدركوا أضرارها الجانبية في المستقبل، وها أنذا قد أدركت معنى "العلاج فيكم أفلا تبصرون".

الصفحات