في هذا الكتاب دروس وعبر، يرى فيها القارئ خطوات مدروسة تتبعها الكاتب، استطاع بها أن يتخطّى مخاوفه من مرض عضال ألمّ به، وأن يُبعدَ عنه أتون الأدوية الفتاكة، التي أدرك المهندس كمال أنها تُعالج مكامن، وتُمرض مكامن أخرى.
أنت هنا
قراءة كتاب تأملت فتعلمت فحمدت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الباب الثاني
عهد جديد
في هذه الأثناء، بدأ عصر الكمبيوتر. كنت أجلس كل ليلة باحثاً عن سعادة الإنسان الصحية والنفسية والاجتماعية، لعلي أتوصل إلى سر الإنسان وطاقاته للوصول إلى مكنون السعادة الداخلية، التي أرى أنها أهم كثيراً من السعادة الخارجية، وفي مرتبة أعلى منها، لأنها سعادة لامتناهية، بينما السعادة الخارجية هي فقط قشرة من قشور الدنيا الفانية التي تحلق بنا وتبعدنا عن همومنا للحظات وربما لساعات؛ وما نلبث أن نعود لواقعنا وتسقط القشرة عندما نجلس مع أنفسنا، ويبقى الداخل الفارغ القلق التعيس.
من هنا بدأت الصراع مع القشرة لكي أزيلها من على نفسي لأحيا ضمن قناعاتي الذاتية التي أنسجم معها بحب وسعادة. كانت القشرة تدهمني بين الفينة والأخرى، لكني كنت أكافحها بكل صدق وصبر. هذه القشرة للأسف تمثل الناس والمدنية الزائفة البراقة، التي كنت أحاول الهروب منها وهي تلاحقني، فقد أدركت أن تطوير النفس والارتقاء للأحسن ليس بالعمل البسيط، بل هو يحتاج لمجهود جبار ومستمر مدى العمر. هنا تكمن رسالة الإنسان الذي كنت طوال عمري ومنذ طفولتي أبحث عنه، وقد وصلت له بعون الله من خلال خبراتي وتجاربـي الطويلة، والأحداث التي مرت في شريط حياتي، وقراءتي للكتب الدينية وفلسفات الشعوب القديمة، التي أضاءت فيّ نور الهداية والطمأنينة والمعرفة، لكن هيهات هيهات، فأنا أعترف بأنني ما زلت على بداية الطريق.
عشت شبابـي في عاصمة الثقافة بيروت كما يدّعون، وواجهت فيها شتى أنواع العذاب والخوف والمهانة بسبب حفنة من القشور بلباس إنساني حضاري، يلبسون تارة ثياب الدين، وتارة ثياب الحرية والديمقراطية، وتارة ثياب الشمال أو الجنوب، إلى ما هنالك من التسميات والانتماءات، وهم أنفسهم لا يتغيرون، يغيرون أسماءهم ولون قشورهم كل فترة من الزمن ليمضوا في نهجهم اللاإنساني. والمضحك المبكي أنهم في النهار يتبادلون الشتائم وفي الليل يتبادلون الكؤوس والابتسامات. وكم امتصوا من عروق إخوانهم في الإنسانية وشعوبهم التي أنعتها بالخراف التي لا حول لها ولا قوة. ومن لا يرضى بأن يكون خروفاً، فليغادر خارج البلاد سعياً خلف إحساس بالإنسانية والكرامة وموفور العيش.
لقد خلّفت هذه الأمور والأحداث إنساناً مريضاً يعاني من شتى أنواع العلل والقهر والتوتر، وأصبح هذا الإنسان يعيش يومه ولو على حساب الآخر، ولا يأبه بغده. حتى أن الأخ لا يسأل عن أخيه وهما في منـزل واحد، فضاع الإنسان، وحقيقته، وسبب وجوده، وتاه بين التسميات والشعارات، حتى أضحت كل شعوب العالم تقريباً مسيّرة بالقشور، وتاهت بين ألوانها البراقة، وأحلامها المخملية، وكوابيسها المرعبة، فإلى أين المصير!!
عندما تجوع فإنك تأكل، وتقول الحمد لله، فهل في الأمر ما يعيبك؟ نعم ولا في نفس الوقت، لأن منطق القشور المستقوية على رقاب الناس أن يأكلوا من قوت الشعوب ويشربوا من عرقها، وعلى هذه الشعوب أن تأكل الفتات لو بقي منه شيء وألا تعترض.


