في هذا الكتاب دروس وعبر، يرى فيها القارئ خطوات مدروسة تتبعها الكاتب، استطاع بها أن يتخطّى مخاوفه من مرض عضال ألمّ به، وأن يُبعدَ عنه أتون الأدوية الفتاكة، التي أدرك المهندس كمال أنها تُعالج مكامن، وتُمرض مكامن أخرى.
أنت هنا
قراءة كتاب تأملت فتعلمت فحمدت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فصورة الكون البديع في تكوينه ونظامه الخلاّق نجدها مسخرة في داخل عقلنا، فكيف يكون عندنا كل هذا النظام العظيم ونحن لا نشعر به، حيث تتكالب علينا السلبيات والأمراض وعدم الرضى، بل إننا لا نشعر حتى بالسلام الداخلي.
أليس هذا عيباً فينا، في ظل تكاثر وتراكم أخطائنا وانتقالها عبر الأجيال، مع الشعور بأننا امتلكنا كل شيء، وأصبح لدينا كل شيء، وباتت لدينا المعرفة التامة بكل ما يحيط بنا، ولكن للأسف، فكل هذا بمثابة أوهام، فقد أبهرت القشور البراقة أنظارنا وأحاسيسنا، ونسينا الجوهر الخلاق. لهذا السبب نـزلت علينا من السماء كل الكتب السماوية والإشارات الكونية لكي نتثبت من حقيقة أنفسنا ونراجع حساباتنا قبل فوات الأوان، ولكننا، وللأسف الشديد، لم نعطها سوى القليل من الرعاية والاهتمام.
عزيزي، لماذا لا نبدأ؟ لا تقل بأننا تأخرنا. إبدأ الآن، فكل يوم هو بداية لحياة جديدة، فأنت لا تدري كم تعيش. وكما ذكرت سابقاً، ليست حياتنا وأيامنا التي نحياها هي كل الدنيا، بل نحن نقطة في بحر من العلوم والذكاء الخلاّق، وثانية ضمن ملايين الساعات بل والسنين.. تذكر بأن نقطة سوداء في ماء صافٍ تعكر صفو هذا الماء الخلاق، فهل ترضى بأن تكون أنت هذه النقطة؟ طبعاً لا، بل علينا جميعاً أن نصحّح المسار الإنساني، ليس بالفوضى والسلبية، بل بالإيجابية والعمل الشخصي؛ فكل إنسان يدرك ما بداخله من مكنون عظيم. لتوقد فينا الشعلة التي تنير الطريق الطويل لصالح أنفسنا ومن سيأتي من بعدنا، وبذلك نكون قد عملنا عملاً صالحاً وشعرنا بالرضى والسلام الداخلي، وأرضينا ربنا وأرضينا من حولنا.
أضرب مثلاً، لنصحُ صباحاً ونشكر الرب على قيامنا بصحة جيدة، وندعُ بأن يكون يومنا مباركاً، ونـزرع في داخلنا فكرة بأن يومنا هذا سيكون جيداً مليئاً بالإيجابية والإنتاجية والرضى والسلام الداخلي والابتسامة والمحبة، ولن نتأثر بأي سلبية من أي جهة أتت، حتى ولو كانت من أقرب الناس لنا، لأننا لا نعرف ظروفهم، فندعو لهم بالهداية، والشعور بالطمأنينة، لأننا كلنا نُكمّل بعضنا، وإذا صادفتنا مصاعب في يومنا هذا، فلنهدأ ونفكر بإيجابية، حتى وإن كانت صعبة علينا أو صدمة غير متوقعة، ولا نترك لأحاسيسنا ومشاعرنا المنفلتة أن تسيطر على أفعالنا، لأنها ستأخذنا إلى المجهول، وإلى نتائج غير المرضية لنا أو لمحيطنا أو حتى لأقرب الناس لنا، فدائماً علينا أن نتخيل سيناريو نتائج تصرفاتنا قبل البدء بالاسترسال فيها دون الرجوع إلى الحكمة والموعظة الحسنة.
أضرب مثلاً آخر، كيف أتصرف عندما أسمع فجأة خبراً غير سار يتعلق بعملي أو صحتي أو أهلي؟ سيقول البعض عني بأنه لا يستطيع السيطرة على أفعاله أو كلامه أو أحاسيسه أو ردود فعله عند سماع أي خبر سلبـي. هنا أقول إننا بشر لنا مشاعرنا وأحاسيسنا، لكننا أيضاً نحن أعظم وأذكى وأرقى مخلوقات الله في هذا الكون، فعلينا أن نتعلم كيف نسيطر على ردود أفعالنا بالتي هي أحسن، لأننا مهما أجرينا من أفعال سلبية تجاه الحدث، فلن نغيّر منه شيئاً، ولن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ولن تعوضنا انفعالاتنا عن الخسارة؛ وبذلك نكون قد خسرنا ما خسرناه في المصيبة وخسرنا أنفسنا معه من خلال ردة فعلنا. لكن أقول لا وألف لا، إذا ما تحكّمنا بردة فعلنا، فهنا نكون قد حمينا أنفسنا من السلوك الخطأ، وواجهنا بقوة وثبات الحدث الذي قد يكون مقدّراً، وليست لنا نحن البشر أي علاقة به. فعظمة وقوة البشر لها خالقها، وهو وحدهُ سبحانه المسؤول عن إدارتها ونشأتها وفنائها.
ليس بمقدور البشر أن يدركوا مكنونات إدارة الكون، وليس من واجبهم ذلك، بل لها رب يرعاها بحكمة وميزان خلاق وقدرة تبهر العقول والإبصار. أما البشر، فلهم دور عظيم، ومسؤوليات تدور حول التعامل مع الذات، وقد سخّرها الخالق لنا في هذا الكون لنتعامل معها بحكمة وهدوء وإيجابية.
ولعل من أهم الإشارات التي بُعثت إلينا هي التوازن. لقد خلق الله سبحانه وتعالى كل شيء بتوازن دقيق وعميق الإبداع، ولو أدركنا فعالية التوازن في الكون وفي أنفسنا لعرفنا بعضاً من ركائز هذه الدنيا وأسبابها ونتائجها التي جعلت الإنسان في أحسن صورة، وزرعت فيه أرقى المعاني، ودلته على أسلم الطرق لحياة مليئة بالسعادة والعافية والشعور بالرضى والحمد.
لو حاول الإنسان أن يتعرف على نعم الله عليه لما استطاع أن يحصي سوى النـزر اليسير منها ولن يحصيها كلها. فلماذا لا نستشعرها ونعيش فيها وننعم بالعطاء السخي من خالقنا العظيم دون أي مقابل؛ بل إننا ننسى كل هذه النعم ونلهث خلف القشور البراقة. نسعد بالأسباب ونتجاهل النتائج، فنقع في جريرة أعمالنا، ونتهاوى إلى درك أسفل؛ فهل هذا هو الكبرياء الزائف والعناد، أم ماذا؟
السعادة يا أُخوتي الأعزاء ليست بأن يراني الناس سعيداً، بل بأن أحس وأشعر أنا بالسعادة، فالمرآة لا تكذب، وهي انعكاس لصورتي الحقيقية، والحقيقة هي فقط التي تجعل مني إنساناً سعيداً، فلماذا الهروب من المرآة.
علينا أن نتقبل الحقيقة والواقع كما هي، ونعيش معها بتوازن دقيق، فما كان الهروب يوماً هو الحل، وإنما الحل يكمن في مواجهة الواقع بهدوء وتناغم متوازن بين العقل والنفس، وبين النور والظلام، وبين الخير والشر، إنه مشوار التوازن في الحياة، وفي أنفسنا، لكي نحميها من الانـزلاق.
ثمة حل لكل حادثة نعيشها، والحلول متاحة ومسخّرة لنا دائماً إن نحن أدركنا كيف نصل إليها ونتعامل معها، بل هي موجودة أصلاً قبل أي حادثة، وما علينا إلا أن نرتّب وننظم ملفات حياتنا، كما ذكرتُ سابقاً، بالهدوء والوعي والتبصُّر.