أنت هنا

قراءة كتاب رجال الشرفات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رجال الشرفات

رجال الشرفات

كتاب " رجال الشرفات " ، تأليف منى خويص ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
يشهد العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي يقظة للشعبوية.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

المقدمة

يشهد العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي يقظة للشعبوية.

كالمارد خرج هذا المصطلح من القمقم، وكأنه يؤشر لظهور مرحلة جديدة في الحياة السياسية، أو لنقل لحدوث تغيير في المشهد السياسي داخل المجتمعات إن لم نقل قاطبة ففي معظمها، بحيث باتت الحركات الشعبوية واسعة الانتشار وتغطي مساحة كبيرة من الخريطة السياسية العالمية.

وتتفق مجمل النخب الثقافية على اختلاف مشاربها وإلى أيّ بقعة من بقاع الأرض انتمت، على اعتبار هذه الظاهرة آفة تصيب المجتمعات وخطراً يتهدد استقرارها مهما كان شكل الحكم فيها.

والظاهرة الشعبوية ليست وليدة ثمانينيات القرن العشرين، بل إنَّ العالم قد عرفها من قبل؛ ففي فرنسا مثلاً، وإبان الجمهورية الثالثة، كان الجنرال جورج بولانجيه نموذجاً فاقعاً للقائد الشعبوي، وفيما بعد عرفتها إيطاليا من خلال موسوليني ونظامه الفاشي، كما عرفتها ألمانيا مع هتلر ونظامه النازي، كذلك عرفها الاتحاد السوفياتي مع حكم ستالين، وتجلت بأبهى صورها في حقبة ماوتسي تونغ وحركته الثقافية في الصين، كما أنها تمددت فوق مجمل أراضي أميركا اللاتينية من كوبا في ظل حكم كاسترو، إلى الأرجنتين إبان حكم خوان بيرون، وصولاً إلى فنزويلا في عهدة هوغو تشافيز اليوم. كذلك كان للعالم العربي حصته فيها. فلطالما وصفت الناصرية بالشعبوية كما تتجلى تلك الظاهرة بأصفى حالاتها في جماهيرية معمر القذافي الليبية، وهي تتخذ من مجتمعات القارة السوداء مرتعاً لها بحيث يتميز القسم الأكبر من أشكال الحكم فيها، وكذلك معظم قيادييها، بالشعبوية.

ويرى بعض المفكرين أنَّ أوروبا عرفت الشعبوية في تلك الحقبة التي تعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أنَّها، وبعد أن حطَّت الحرب أوزارها لم تضعف الشعبوية فحسب، بل انكفأت لتصبح جزءاً من ماضي تلك البقعة من العالم، في حين أنه بعد الحرب العالمية الثانية، شهدت صعوداً لنجمها في مجمل دول العالم الثالث.

بمعنى أنه، ومنذ الحرب العالمية الثانية، انكفأت الشعبوية في أوروبا، وانتعشت في دول العالم الثالث.

هذا في الماضي، أما اليوم فإن عدداً كبيراً من المفكرين يعتبرون أنّ الشعبوية عادت إلى واجهة العمل السياسي في الغرب، وهم يحذرون من خطرها على الديمقراطية هناك، في حين توجد شريحة أخرى من المفكرين الغربيين الذين لا يوافقون على ما يسمى بعودة الشعبوية إلى الساحة السياسية في المجتمعات الحديثة، ويتطلعون إلى الحركات التي يصفونها بالشعبوية كحركات نشأت عن أزمة في الديمقراطية التمثيلية، وهي تهدف إلى انتزاع المزيد من المطالب التي يشعر المواطنون أنهم بحاجة إلى تحقيقها. كما وأنّ هناك تياراً آخر يرى أنّ الغرب يعاني اليوم بالفعل من عودة للشعبوية إلا أنَّها عودة غير مقلقة، ولا تنذر بأي مؤشرات خطرة، ولا تستدعي كل هذه المخاوف، لا على الديمقراطية ولا على الحياة السياسية.

إذن هناك جدل في الغرب حول عودة الشعبوية كظاهرة في الحياة السياسية.

لماذا هذا الجدل في الغرب؟ وهل أنّ الحركات التي تصنف هناك على أنها حركات شعبوية هي فعلاً كذلك، بحيث أنّ هناك خلافاً حتى بالنسبة إلى هذا التصنيف. وماذا عن هذه الظاهرة في مجتمعات العالم الثالث، فهل هي فعلاً منتعشة، وتحتل المشهد السياسي داخل تلك المجتمعات؟

هذا إضافة إلى أنّ الشعبوية لم تنل، حتى اللحظة، تعريفها المحدد في البحث التاريخي. فقد بقي تعريفها عاماً، ولم ينفد إلى كنهها الخاص. إنَّ هذا النقص يحفّز على بذل جهد إبداعي للمؤرخين لإدراك سبل غير نمطية تساعد على لحظ تعريف محدد للشعبوية، تعريف إيجابي، وليس سلبياً يشوبه الخلط بينها وبين تعريفات ظواهر أخرى.

يقود هذا التفكير لطرح منهجية التأمل التاريخي، لتوّسل إيجاد التعريف الإيجابي والواضح لهذا المصطلح أو المفهوم. فالمنهجية البحثية التاريخية التقليدية هي مسار من الربط والمقاربة وإيجاد صلات العِبَر التاريخية بين الأحداث، مع أنّ ما نسميه اصطلاحاً، بالمنهجية التأملية التاريخية، يعني الانقياد المتأني وراء الحدس التاريخي. ووفقاً لهذه المنهجية الأخيرة، يصبح للظاهرة التاريخية جانبان اثنان، جانب علمي في النظر إليه، وجانب تأملي في قياس خاصياته.

لكن مجرد أنّ البحث التاريخي اكتفى بوضع تعريف سلبي من ناحية، وملتبس من ناحية ثانية للشعبوية، فهذا يعني أنّ المنهج التاريخي العلمي المجرد، قاصر، وحده، عن النفاذ إلى ماهية أو خاصية الشعبوية، ولذا بقي تعريفها عاماً وضبابياً.

الصفحات