أنت هنا

قراءة كتاب رجال الشرفات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رجال الشرفات

رجال الشرفات

كتاب " رجال الشرفات " ، تأليف منى خويص ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
يشهد العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي يقظة للشعبوية.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

مواصفات للشعبوية تشترك فيهامع ظواهر شمولية أخرى

أ - الشعبوية تسود حيث المجتمع يتحول إلى نظرية "رجل الزحام" حيث الملايين تتشابه، داخل مفهوم واحد للثقافة والسياسة والاجتماع، ولا يعود الإبداع علامة فارقة، بل هو تكرار ممل لما يتفوه به الزعيم القائد، وأي خروج عن هذا المضمون، هو خروج عن الإجماع الذي له سمة القدسية التي يحميها الغوغاء، وهؤلاء هم النواة الصلبة في القاعدة الاجتماعية الشعبوية.

ب- الشعبوية طريق باتجاهين: قائد أوحد ملهم، ومجتمع منغلق يتبعه.

ج - الشعبوية هي مظهر عن الانقياد الأعمى الثقافي والسياسي والاجتماعي، للفكرة الدعائية التي تصبح هي القائد.. ويصبح القائد هي.

ضمن هذه المواصفات الآنفة، تبدو الشعبوية لصيقة التشابه بحالات الفاشية والديكتاتوريات الحزبية. فكيف نخلص إذن لتحديد كنهها الخاص الذي يميزها عن ظواهر شمولية أخرى؟

ثمة ظلال من الفوارق، ولكنها حاسمة في تحديدها: القائد في الظاهرة الشعبوية، ليس دكتاتورياً فقط، بمعنى أنه يرمز إلى خوف الشعب منه، بل هو يرتقي إلى مرحلة قيادة الوجدان التاريخي لشعبه. إنّ ترهيبه يطال وجدان الشعب وليس خوفه المادي فقط. وعادة ما يكون هذا الوجدان المستثمرمن القيادة الشعبوية، هو ديني أو قومي، أو كلاهما في آن معاً. ودائماً - وهنا خصوصيتها المميزة- ما تطرح الشعبوية قضية على صلة بالماضي، انطلاقاً من أنَّ أبرز سماتها، تكمن في أنها تبحث عن قيادة ذات ثلاثة أقانيم: مقدسة، وجدانية وشاملة. والمقدس يوجد غالباً في الماضي. ستالين لم يكن قائداً شعبوياً، بل ديكتاتورياً عقائدياً بفكرة جديدة (الماركسية). تشاوشيسكو كذلك الأمر. والصفة نفسها تنطبق على صدام حسين الديكتاتور بفكرة حديثة (القومية العربية). أما هتلر، فكان فاشياً وديكتاتورياً في آن معاً. فهو جمع بين ذاكرة عنصرية قديمة (العرق الأزرق)، وهو مفهوم ماضوي، وبين القوة الطموحة، وهي مفهوم متجدد على أساس رؤية جديدة للطموحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وما يميز الشعبوية، عن الفاشية والديكتاتورية، هو أنها لا تطرح شعاراً جديداً، بل تكتفي بالشعار القديم. وأي جديد تطرحه هو تجديد للقديم. ظاهرة الأمس، هي الأكثر حضوراً في الشعبوية واكتفاءً بذاته، بعكس الفاشية (التي تخلط بين شعار الأمس واليوم) والديكتاتورية (التي تلغي كل شيء حتى الأمس لمصلحة الفكرة الجديدة الاحادية).

.. غالباً ما يكون القائد الديكتاتوري هو القائد الجديد..

وغالباً ما يكون القائد الفاشي هو قائد الأمة الافضل..

وغالباً ما يكون القائد الشعبوي، هو القائد الآتي من الماضي.. من المقدس في الوجدان وحتى في الميثولوجيا..

صحيح أنّ الشعبوية، تتجمع ضمن ممارساتها ملامح من الفاشية، ومن الديكتاتورية، ولكنها تذهب أبعد منهما في تحقيق وحدانية انقياد المجتمع لقائده، عبر جرّه إلى الانقياد الاعمى عن طريق جعل الوجدان الماضوي، هو الحاضر وكل المستقبل. بكلام قليل: الشعبوية، هي قيادة تكررالتاريخ، وقاعدتها الاجتماعية هي مجتمع يستنسخ جيناته التاريخية والاجتماعية القديمة. الشعبوية هي الأمس الذي تتمّ استعادة عيشه بكل معانيه، وتنتظر أيضاً الماضي. ما تقدم يشكل نقاط تمايزها الأساسية وعلاماتها الفارقة، مقارنة بغيرها من الظواهر الشمولية المشابهة لها، وهو يشكل خطوة على طريق الخروج من الاكتفاء بالمفهوم السلبي للشعبوية، باتجاه أن نتلمّس تعريفاً إيجابياً محدداً لها، ولجوهرها. وبكلام أخير: الشعبوية هي أعلى مراحل الشمولية، على وزن ما يقوله لينين عن أنَّ الإمبريالية هي أعلى مراحل الراسمالية.

كذلك يحضر في هذا المجال سؤال آخر منهجي إشكالي حول مفهوم الشعبوية، ويتعلق بأسباب هذا الخلط وهذا اللبس في تعريف هذه الظاهرة، وهذا التداخل غير الواضح بينها وبين ظواهر أخرى شمولية مشابهة لها؟؟

والإجابة عن هذا السؤال قد تجد تعبيراً لها من خلال إدراج الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى: أغلب الظن أنّ الأسباب التي أعاقت تحديد مفهوم واضح للشعبوية، وقادت إلى هذا الخلط بينها وبين حالات أخرى تشبهها، تعود إلى كون الشعبوية، تمارس حقبتها السياسية والثقافية والاجتماعية، بصخب إلغائي. وهذه سمة (الإلغائية)، تعلق بكل الحالات السياسية الشمولية، ولذا برز الخلط الشديد.

الصفحات