كتاب " مجنون بن بيروت " ، تأليف فيصل فرحات ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مجنون بن بيروت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مجنون بن بيروت
تلفون من النقابة
في اليوم الثاني أو الثالث تلقيت اتصالاً بالهاتف من مسؤول النقابة يخبرني بأن الجلسة الرابعة الأخيرة سوف تحصل بعد يومين. ففوجئت كثيراً ناهضاً عن الكرسي مؤكداً حضوري شاكراً مساعدته، لكني سألته لماذا لم يرسلوا لي التبليغ في البريد منذ أسبوع على الأقل؟ متابعاً قولي بأني لو لم أكن في البيت الآن صدفة لما عرفت موعد الجلسة الرابعة! فعاد وردد ما قاله خاتماً بأنه يقوم بعمله. وبالطبع عدت وشكرته، وأنا في حالة تشبه الضياع، لما تعنيه لي الشكوى «رأس مالي» التي رفعتها ضد الشركة التي تملك بنايتين للشقق المفروشة (مقابل غرفتي)، حيث كنت أعمل وطردت من العمل لأني أخبرت مديرة الشركة بمشكل حصل بين بعض العمال وليس لي علاقة به، وهذا ما أغضب مسؤول الموظفين فطردني! وكانت المديرة هي من شغلّني في الشركة بعد أن رأتني أضع عربات نقل المفروشات بجانب الحائط وليس في الممر كما يفعل زملائي الحمالون، كما كنت أنتبه لعدم ضرب الحائط والباب بالمفروشات. وبالصدفة كانت تقف في الممر بانتظار المصعد ولما أتى نادتني وشكرتني لأني أعمل بانتباه، وحين عرفت أني حاصل على «غرين كارد» وظفتني وكنت على مدى السنة الماضية قد حضرت ثلاث جلسات تغيّب عنها مسؤول الشركة لمرة أو لمرتين أما أنا فلم أغب ولا مرة. يومئذ قال لي مسؤول النقابة أمام المحكمة وهو إيرلندي الأصل بأني سوف أربح الشكوى ضد الشركة لأني لم أفعل شيئاً يخالف القانون. ثم أضاف بعد أن سألته عن تقديراته عن التعويض فقال ليس أقل من 50 000$. فلم أصدق ما سمعته، لكنه حين عاد وكرر المبلغ سمعته جيداً وهو يهز برأسه مؤكداً أن النقابة وجدت لتدافع عن حقوق العمال وهو الآن معي لحضور الجلسة الثالثة كي نضمن الفوز، ثم ختم مستر بوب كلامه مبتسماً ومتمنياً لي حظاً سعيداً، وكذلك بدفع الاشتراك للنقابة، وبالطبع قلت إني دافع اشتراكي في النقابة للعام الماضي وسوف أدفع الباقي عليَّ لهذه السنة، وهو أضاف: «طبعاً أنت تفعل ذلك». وتودعنا. وبعد يومين هنأني لأني لم أتكلم كثيراً في المحكمة.
بالرغم من بعض الشك الذي قد ساورني و«سيَّرني» لجهة عدم إرسال النقابة «التبليغ» لحضور الجسلة الأخيرة عبر البريد إلى عنوان بيتي، والاكتفاء باتصال تلفوني، أتى اتصال النقابة بي «شحمة على فطيرة» وفي الوقت المناسب لي، وبخاصة بعد تلك «الورطة» الدوليّة التي ورطت نفسي فيها. وفجأة، مثل السبع نهضت عن الكرسي وأنا أفكِّر في خطة ما عليَّ التحرك على ضوئها، ثم حركت بيديّ ما يشبه قطع الشطرنج «في الهواء» ووضعتهما في أماكن مختلفة ونظرت في اللاشيء. فتراءى لي أن أبدأ التكلم مع من رفض من الأساس التكلم معي أو السماع لي بخصوص «قصة التلفون إلى البيت الأبض». وهو عبد اللطيف الذي كان يقاطعني مراراً أثناء الكلام أمام الآخرين. ومرة طردني من محل والده (سوبرماركت) ونعتني بالمجنون. فمشيت إلى مكان عمله ولم أرغب أن أركب المترو، وذلك كي يتسنى لي تركيب «بروفة» لما قد يحصل، وهكذا كان. إذ وضعت خطة عمل وشغل له ولي على سبيل «زاوية سندويش لبناني» داخل «السوبرماركت»، على أن ندفع معاً التكاليف ونتقاسم الأرباح «نص بنص»، وذلك بعد أن أقبض المال من الشركة كتعويض وهو خمسون ألف دولار في الأشهر القليلة المقبلة، على أن أكون أنا المسؤول عن تحضير وتقديم السندويش، وإلى ذلك الحين أطلب منه على سبيل المساعدة أن يقرضني خمسمئة دولار إلى أن يحين وقت قبض التعويض. والأهم هو عدم التكلم عن «قصة التلفون» على الإطلاق حتى لو طرح عليَّ السؤال أي شخص كان. أي مثلما يريد عبد اللطيف. ثم ابتسمت وضحكت.
لربما كانت صدفة، أو أني قصدت أن أزور عبد اللطيف بعد الظهر حيث يكون الشغل خفيفاً إلى حدٍّ ما، وهكذا كانت زيارة قصيرة وناجحة وبدت كأنها أتت من الخيال. للوهلة الأولى فوجىء عبد اللطيف بحضوري أمامه وأنا أقول له: «مرحبا». فرد بشيء من عدم التصديق بكلمة: «مرحبا» مع مدّة أكلت آخر حرف. ومباشرةً قلت له بأن مسؤول النقابة أمام المحكمة اتصل بي اليوم وأخبرني بأن الجلسة الرابعة والأخيرة بعد يومين. وأضفت بعد أن تركته يأخذ نفساً «غير شكل» وهو ينظر إلي، بأني كنت قد أخبرته كما أخبرت آخرين عن نتيجة الجلسة الثالثة، وجميعهم تقريباً قالوا لي بأني سوف أربح الشكوى على الشركة (ومنهم كان عبد اللطيف). خاتماً بأني سوف أقبض خمسين ألف دولار «بهالشهرين» وضحكت قليلاً، وفجأة، ضحك عبد اللطيف تلك الضحكة التي ارتفعت تدريجاً و«كبرت» إلى أن وصلت إلى حد «القهقهة» التي تحمل معاني عديدة ومختلفة، وبالطبع ضحكت معه. ثم وبشيء من الاحتيال الطبيعي والجدّ قلت له بأن يُفكر جدياً في المشروع الذي كنا قد تحدثنا عنه سابقاً وهو «زاوية سندويش لبناني» داخل «السوبرماركت»، وأنا مستعد أن أدفع المبلغ المطلوب مني من أجل التصليحات وشراء براد خاص للسندويش على حسابي. فنظر إلي بعد أن قبض المال من عدد من الزبائن ورد لهم «الباقي»، وأنا واقف بانتظار سماع رأيه، وبعد لحظات قال بأنه سيفكر في الموضوع بعد أن يسأل والده. فقلت له مباشرة بما معناه بأن والده سيوافق على المشروع، فرد عبد اللطيف بكلمة: «انشاللَّه».