أنت هنا

قراءة كتاب مجنون بن بيروت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مجنون بن بيروت

مجنون بن بيروت

كتاب " مجنون بن بيروت " ، تأليف فيصل فرحات ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

حينئذ اقتربت منه سائلاً إياه كي يقرضني خمسمئة دولار إلى حين يأتي قبض التعويض. فضحك وتناول من جيبه خمسين دولاراً وأعطاني إياها قائلاً بأنه سيعطيني الباقي بعد صدور قرار المحكمة، فشكرته وقبّلته على خده وخرجت بهدوء مثلما دخلت. بعد خروجي من «السوبرماركت» خطوت على عجل بضع خطوات ثم ضحكت بعد أن كبتّ ضحكي داخل وعلى باب المحل بتمرين مسرحي كان يأتيني فجأة لمساعدتي في الظروف الحرجة مثلما فعلت مع عبد اللطيف، حيث نظرت إليه بهدوء وأنا أُمثِّل دور عامل عنده وأنتظر من فمه أمراً ما كي أنفذه. في تلك اللحظة نظر إلي مطولاً ثم «حيَّد» (نقل) نظره عني وفي عينيه صورة وجهي. عندئذٍ اقتربت منه سائلاً إياه التفكير جدياً في مشروع «السندويش» ثم أضفت: «وما بتكون إلا مبسوط».

فوافقت نفسه قبل أن يقول: «انشالله» وهو يفكر في أمر ما، ولربما كان قد فكر بأني «أُزيّت له خازوق».

بعد أن ضحكت لوجوه كثيرة كانت تمشي بعكسي وقربي على الرصيف، غير مبالٍ إذا قال أحدهم عني بأني مجنون يحكي ويضحك وحده، وذلك لأن تلك اللحظة كان فيها شيء من «جنون فنون». ما جعلني بحالة ابتسام على مدى لحظات. فجأة، خطر في بالي أن أقول لمن حولي بأني أفكِّر في الانتقال إلى واشنطن بعد أن أربح الدعوى. وهكذا عدت وضحكت من دون النظر إلى وجوه الآخرين، وبخاصة بعد أن ظهر وجه عبد اللطيف في خيالي وأنا أخبره بانتقالي إلى واشنطن. فازددت ضحكاً. لكني عدت ورأيت بأن تلك الفكرة «الكاذبة» لا تفيدني الآن بعد أن أمسكت طرف خيط مع عبد اللطيف، فيما علاقتي مع منير وأسامة عادية وشبه رسمية. وبخاصة عن عودتي إلى بيروت بمساعدتهما الشخصية والحزبية. وسرعان ما خطر في بالي أيضاً أن أزور أسامة ومنير وأخبرهما بـ«حتميّة» ربحي الدعوى وقبض خمسين ألف دولار وفتح «زاوية سندويش لبناني» مع عبد اللطيف. فضحكت وتابعت سيري وسط ضجيج أصوات السيارات والشاحنات والبوليس وبعض الناس وبخاصة شبان سود من أميركا اللاتينية يضحكون ويتحدثون بصوت عالٍ على «زوايا» الشوارع، حيث باتت تلك الأصوات وكأنها لا تزعجني ولا أُبالي بها. وكالعادة حضّرت «بروفة» لردة فعل منير وأسامة ولما يمكن أن أقوله لهما عن «التعويض والسندويش»، وعلى طريقتي «بزت» (أرمي) سؤال عن الجواب من بيروت. وكذلك ضحكت قليلاً وتابعت سيري على شيء من العجلة.

لحظة دخولي إلى محل الهدايا وبطاقات المعايدة رغبت أن أضحك ليس لأي سبب. بل رغبة في الضحك فقط. وبالصدفة نظر إلي أسامة وأنا أضحك فابتسم على مضض وبدا كأنه يحضِّر نفسه لطرح سؤال أو لسماع جواب أو كلمة ما. فتقدمت منه وأنا ماد يدي لأسلم عليه، فمد يده، وبعد أن تصافحنا على شيء ما من الرغبة من قبلي وبعكسه من قبله، حيث تمالك نفسه وسألني لماذا أضحك؟ فرددت عليه بأني سوف أقبض خمسين ألف دولار كتعويض من الشركة. فهز أسامة برأسه إعجاباً وهو يقول: «عفاك ومبروك». وحين أضفت بقولي له عن مشروع السندويش مع عبد اللطيف، ضحك فجأة وترك فمه مفتوحاً للحظات، حتى لو كان يشرب لكان «تشردق».

أما منير فقد نهض عن كرسيه خلف صندوق المال وسلّم عليَّ بعد أن مددت يدي نحوه، ثم عاد وجلس بينما بقيت أنا واقفاً "على جنب" قرب واجهة الصحف والمجلات. وبعد أن مض سيجارته قال: «رايقة؟» فأجبته: «أي رايقة»، ثم أضفت: «وقريباً بدي أقبر الفقر». فرد وهو يبتسم على شيء من الحيرة قائلاً: «شو قصدك؟». فأجبته بسرعة بأن المحكمة ستصدر قرارها في شكواي «بهالشهرين». فابتسم وهو يتذكر كلمة كان قد قالها لي سابقاً عن «حتميّة» ربح الدعوى. والآن عاد وقال لي (لافظاً حرف القاف): «شو قلتلك إنا؟».

وأنا رددت: «كان معك حق». وهكذا بدأنا بحديث شبه حزبي عن دور النقابة في الدفاع عن حقوق العمال. وهنا انتهزت الفرصة وسألته إذا كان هو عضواً في نقابة. فرد بشيء من الأسف بأنه ليس عضواً في نقابة بالرغم من وجوده في نيويورك قبلي بسنوات. وهنا تطرقنا إلى الحديث عن ظاهرة عدم الانتساب إلى النقابات الأميركية من قِبل اللبنانيين والفلسطينيين والعرب الحاصلين على الجنسية الأميركية. ثم نوه منير بخطوتي الصحيحة بالانتساب إلى نقابة عمال التنظيفات (في الفنادق والشقق المفروشة والمكاتب). وبعد لحظات أخبرته بمشروع «السندويش» مع عبد اللطيف وسألته رأيه في الموضوع. فابتسم تدريجاً وهو ينظر نحوي وكأني أمزح معه. حينها أجبته: «عم أحكي جدّ»، وأضفت: «ليش لأ؟ طالما معي المال». فنظر إلي وقال على شيء من المضض: «أي ليش لأ؟ جرِّب». وبعد لحظة سألته إذا أتى الجواب من بيروت؟ فرد بعد نظرة صمت بكلمة: «لأ».

كالعادة، ما إن أحصل على مبلغ ما من المال وليس معي «ماريوانا» أذهب وأشتريها قبل الطعام والشراب. فقصدت بائع «ماريوانا» (يسمونها Rifa ) فلم أجده، لكني وجدت شخصاً قال بأنه صديق ويلي، فأخذت حذري منه، وقلت لنفسي وله بأني أريد من ويلي أخذ رقم تلفون صديق له يعمل دهاناً لأني بحاجة ماسة إلى عامل دهان «بهاليومين». حينها نظر إلي وابتسم قليلاً وهو يقول بأنه ليس من (البوليس) وبأني ذكي ولا ضرورة أن آخذ حذري منه، فابتسمت ولم أزد. أما هو فقد عرض عليَّ بضاعته، فأخذت أربعة أكياس صغيرة وناولته 20$ دولاراً ومشيت بعد أن ودعته بشيء من الخطف والارتباك، دون أن أفتح كيساً وأشم رائحته. وتلك كانت غلطة قد «سمت بدني» بعد أن فتحت أول كيس وشممته فلم تعجبني رائحته. لكني لففت سيجارة ومججت نصف مجة وتوقفت شاتماً ولاعناً ذاك «الحرامي الغشاش» الذي لا أعرفه. لكني عدت ودخّنت السيجارة التي أزعجتني و«نرفزتني». فغضبت وخرجت من البيت قاصداً ذاك المكان كي أسترجع خمسة عشر دولاراً وأرد له «بضاعته» ناقصة سيجارة، لكني لم أجده بل وجدت ويلي فأخبرته بما حصل وتناولت الأكياس وفتحت أحدها وقدمته من أنفه كي يشم الرائحة، لكنه أزاح يدي بيده قائلاً لي ألّا أشتري من أي شخص غيره في هذا المربع، وبأن ذاك الشخص صحيح أنه يعرفه ولكن ليس على اتفاق معه. وحين سألته ماذا سأفعل بهذه «البضاعة؟» قال لي أن أبقيها معي حتى أرى «ابن الشرموطة» وأردها له.

وبعد لحظة تابع قوله بأني قد أُدخنها بساعة «القطعة». حينها أدركت بأني قد «أكلت الضرب». وقد لاحظ هو بأني أفكر في كلمته، وعرض عليَّ بضاعته وهو يفتح كيساً ويقربه من أنفي فشممت الرائحة المعتادة للنوع الوسط نحو الجيد، فأخذت أربعة أكياس وناولته 20 دولاراً، وشكرته مصافحاً إياه بشدة. وما إن خطوت إلى المربع الثاني حتى بدأت أسأل نفسي ماذا أستطيع أن أشتري من طعام وعصير تفاح بعشرة دولارات بقيت معي من «خمسين» عبد اللطيف! فاشتريت أقل مما كنت أريد وأسرعت إلى البيت حيث لففت سيجارة لا بأس بها، متذكراً تدخيني لتلك الماريوانا الكولومبية الرائعة «إللي بدبّق» مثل الحشيشة وبخاصة الخضراء منها التي كانت تجعلني أكتب بسرعة لدرجة أن القلم لا «يُلحّق» كتابة وهو بين أصابعي، تاركاً إياه أن يكتب على هواه. وبالطبع عدت إلى التفكير في مسرحيتي ««شالوم» أم مصطفى» التي كنت قد عدت منذ أشهر إلى كتابتها للمرة الثانية وتكبيرها. (كنت قد كتبتها للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات كمسرحية قصيرة كي تُقدم في مخيم صيفي في ولاية نيويورك تقيمه لجنة أصدقاء المقاومة الوطنية اللبنانية لكنها لم تُعرض وهذه قصة أخرى) على أن تقدم في صالة يوجد فيها خشبة مسرح صغيرة في بروكلين للجالية اللبنانية والعربية في نيوريوك، كما أنا «توهمت» بعد أن سمعت بضع كلمات من الرفيق منير بأنه من الممكن تقديم مسرحية «وطنية» تحكي عما يحصل في جنوب لبنان. يومئذ فرحت كثيراً بتلك «الخبريّة» وسألت منير عن «التمويل». فقال: «بتدبّر». ثم غمز يوسف قائلاً بما معناه، ان اللجنة لديها المال، وبخاصة من حفلات مارسيل خليفة. فرد عليه منير بأن هذا ما يعنيه. عندئذٍ «هجمت» على منير مُسلّماً عليه مع شدّة إعجاب وتقدير وهو قال: «شو قلتلك إنا؟».

الصفحات