كتاب " مجنون بن بيروت " ، تأليف فيصل فرحات ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مجنون بن بيروت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مجنون بن بيروت
وهكذا تحمست مثل العادة وبدأت بالكتابة الثانية حين كنت أعيش مع سوزان (التي تزوجتني في رابع يوم من تعارفنا في سهرة تحضير لإقامة حفلات مرسيل خليفة في نيويورك، ثم طلبت الطلاق بعد حصولي على «غرين كارت» بأقل من سنة، وذلك لأني رفضت أن ننجب ولداً إلا بعد 5 سنوات كما اتفقنا قبل الزواج، وكانت قد أقامت علاقة مع رفيق لها من بورتو ريكو، وافق على الإنجاب منها حالاً) وكان يعيش معها في الشقة رائقاً وهو فلسطيني يعمل سائق تاكسي ويدفع نصف إيجار الشقة. وحين تزوجنا طلبت منه أن يدفع أقل لكي يستعمل غرفة صغيرة. وهنا لا أستطيع إلا أن أعترف بأنه كان لسوزان دور في طرح فكرة تقديم مسرحيتي باللغتين العربية والإنكليزية في نيويورك كما في ولايات أخرى إلى جانب حفلات مارسيل خليفة وفرقة «الميادين»، لأنها تحب المسرح وتعي دوره الفكري والفني والسياسي بحسب المفهوم الماركسي.
ومن باب المزح والجدّ كانت تشير إليّ وتقول (إلى الآخرين وبخاصة إلى منير): «تذكروا أن زوجي فيصل هو كاتب مسرحي وفي عنوان مسرحيته كلمة عبريّة وهي «شالوم» أي سلام". والمعروف عن سوزان وهي أميركية يهودية من أصل روسي وشيوعية «مُختصة» في «رأس المال» لكارل ماركس وتحضِّر لنيل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد، بأنها «ترش» كلماتها رشاً وبسرعة ملحوظة، وبكل وضوح وصواب وثقة. لذا، اعتقدت بأنه من الممكن تقديم المسرحية بعدما وسّعت سوزان «البيكار». كما كان لها دور إيجابي في موضوعين يخصان المسرحية، الأول هو أن اسم عبد السلام الكاتب المسرحي في المسرحية الذي هو جزء مني، كانت سوزان قد اختارته ذات مساء بعد أن سألتني لماذا أنا في حيرة؟ فأخبرتها بأني أُفتش عن اسم لا يدل على انتماء ديني لا مسيحي ولا مسلم. ففكرت معي وقتاً طويلاً وطرحت أسماء كثيرة من أسماء الذين تعرفهم في الجالية اللبنانية والفلسطينية والعربية، وكذلك أنا. ثم فجأة صرخت وهي تقول: «وجدته» ونطقت باسم عبد السلام وهو اسم صديق لها مسيحي من المغرب، كما يحمل ذاك الاسم شخص آخر تعرفه وهو مسلم. وحين ابتسمت موافقاً صفقت بفرح وهي تقول باعتزاز بأنها قد ساهمت بشيء يخص المسرحية وقبّلتني.
أما الموضوع الثاني والأهم فهو نصيحتها لي بأن لا تموت الحاجة أم مصطفى في نهاية المسرحية، ولتكن جريحة بطلق ناري، فأخذت برأيها بكل فخر وقبّلتها ونحن نضحك من كل قلبينا.
والليلة تمنيت لو أني ما زلت أعيش معها. وبعد لحظات عدت وقلت لنفسي: «شيء مضى». كما أني لم أرغب في الاتصال بها وإخبارها بـ «قصة التلفون» لأنها طردتني مع أمي وأخي من بيتها قبل أن أجد شقة ملائمة، وهذه قصة أخرى. وفجأة تذكرت Tricia (تريشا) واتصلت بها وأخبرتها بأني لم أتكلم كثيراً في المحكمة كما قالت لي وكذلك مستر بوب واتفقنا أن نلتقي غداً.
صباح تاني يوم استيقظت كالعادة من النوم وأنا تعبان. إذ لم أكن أقوى على النهوض والنزول على الدرج. (ثلاث درجات) فبقيت في فرشتي لفترة تركتها تمر على هواها. ثم وبكل هدوء نهضت ونزلت الدرج متناولاً ثيابي الداخلية والمنشفة والصابونة والمشط فاتحاً الباب «مهرولاً» إلى حمام «الدوش». وبعد «ربع» ساعة عدت إلى غرفتي مع نشاط ملحوظ، حيث تناولت «ترويقتي» بدون تدخين سيجارة «ماريوانا»، وذلك لأني على موعد مع تريشا في مكتبها في «روكفلر سنتر»، وكان في الطابق الأربعين أو ما فوق. وكنت قد زرتها لمرات عديدة منذ ثلاث سنوات بعد أن طلّقت سوزان بناء على طلبها، ثم عادت ورفعت شكوى ضدي بتهمة أني ألاحقها وأزعجها وأقرع جرس بيتها! ويومئذ كانت تريشا معي في المحكمة وأنقذتني من «فيلم» سوزان الذي بدأ بضحكة لها وهي تطل من شباك شقتها تسألني ماذا أريد؟ فأخبرتها بأن صديقتها Trudy (ترودي) اتصلت بها لمرات عديدة ولم ترد. فقاطعتني غاضبة بأن خط تلفونها مقطوع، وقد طلبت مني صديقتها التي رأيتها في احتفال أن أقرع جرس الشقة لأن الأمر ضروري جداً. وقد أدخلتني إلى المحكمة! رتبت «هندامي»، ووضعت رسالتي إلى القاضي في المحكمة مع أوراق ثبوتية أخرى في مغلف كبير وذهبت إلى مكتب تريشا للمحاماة، حيث استقبلتني هذه المرة أمام مكتب الاستعلامات وهي مبتسمة وأنا كنت أيضاً لحظة أن خطوت نحوها بخفة ماداً يدي للسلام عليها مع كلمات التحية.
دخلنا إلى مكتبها المُطل على نصف نيويورك تقريباً وبخاصة وسط مانهاتن. اطلعت تريشا على الرسالة وعلى الأوراق كي تتأكد أن المطلوب موجود، فيما أنا كنت أنظر بشيء من الدهشة إلى وسط مانهاتن من فوق. وبعد حوالى خمس دقائق قالت بأن الرسالة والأوراق في غاية الأهمية، ثم أعطتني بطاقتها كي أعطيها إلى مسؤول النقابة في حال كان لديه أي سؤال. ثم غمزتني قليلاً وهي تضحك قائلة بأن بطاقتها سوف تجعله يفعل ما يجب عليه أن يفعل. فأخذت البطاقة من يدها وأنا أنظر إلى وجهها بكل محبة واحترام. ثم قالت لي بأنها تريدني أن أُحضّر طعاماً لبنانياً لحفلة عيد ميلادها بعد عدة أيام لحوالى خمسين شخصاً، فوافقت بسرعة واتفقنا ونحن نضحك على أن نلتقي مساءً لشراء بعض الحاجات والطعام، وهكذا كان.
أمضينا حوالى الساعتين في المساء ما بين (سوبرماركت كبير) وبيت قديم لصديق لها سوف تحصل فيه حفلة عيد ميلادها، واتفقنا أن نلتقي غداً في الوقت نفسه كي نكمل شراء أشياء وحاجات أخرى، وبخاصة الحمص، لأنها تريدني أن أحضّر «جاط» حمص بطحينة مثلما كنت أطبخ في واشنطن. ويا للصدف، إذ إن ذاك «الجاط» (من زجاج) لوحده فقط لا غير قد أمسك بطرفه صديق تريشا الذي كان غاضباً و«قلبه» بمكانه على الطاولة قبل أن تبدأ الحفلة بقليل! نظرت إليه عن بُعد ورأيت الشر في عينيه فلم أقترب منه لا بل ابتعدت عنه، فيما هو قال كلاماً نابياً وخرج من الحفلة أمام الحاضرين حيث قال بعضهم كلمات قاسية له، فيما تريشا كانت مذهولة مما رأت لكنها لم تكلمه بل بقيت مع أصدقاء لها، أما أنا «ضبضبت آثار العدوان» وبخاصة الحمص عن الطاولة وتريشا تعتذر مني وتتحسر على جاط الحمص، ثم دخلت إلى المطبخ وعدت ونظفت شرشف الطاولة محاولاً الابتسام بوجوه أصدقاء تريشا الذين عادوا إلى أحاديثهم وهم يشربون ويأكلون ويضحكون ويرقصون، فيما أنا دخلت إلى المطبخ وبقيت هناك طوال الوقت، وبالطبع كنت أتحدث مع البعض وشربت نخب تريشا وأكلت ودخنت سيجارة «ماريوانا» مع البعض على سبيل الضيافة.