كتاب " مجنون بن بيروت " ، تأليف فيصل فرحات ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مجنون بن بيروت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مجنون بن بيروت
في المساء عدت مع سين نائمين في الشاحنة تاركين جزءاً من الباب مفتوحاً و«مربوطاً»، وعاملين آخرين جلسا قرب السائق Erek صديق المعلم جان. وما إن «طارت» الشاحنة حتى عرفنا بأننا قد دخلنا مانهاتن، حيث إن إشارات المرور تتوالى بسرعة مما يجعل السير «ماشي» سريعاً. حينها جلسنا ووقفنا ثم نادينا بعضنا بعضاً وقلنا بضع كلمات. وبخاصة عن الـ Tip «البقشيش» الذي كان 30 دولاراً لكل واحد منا، بالإضافة إلى حوالى 60 دولاراً أُجرة عمل.
نزلنا سين وأنا من الشاحنة وبيد كل منا «الشنطة» الفارغة من الطعام والشراب والفاكهة، ملوحين بها وكأنها علّاقة مفاتيح، ومشينا نحو المكتب الذي كان «يعج» (مليء) بالعمال وهم يقبضون «الشيك» ويعدون المال. وقفنا في الصف وبعد دقائق أتى دورنا وقبضنا ما لنا من مال و«شيك» ومشينا دون أن نعد النقود. وبعد خطوات عدنا إلى باحة الشركة حيث قال لي سين بأنه يريد الذهاب إلى البيت سائلاً أين اتجاهي؟ فأجبته بأني أرغب في البقاء هنا لبعض الوقت كي أتكلم قليلاً مع مستر جان، فأشار بيده وهو يقول: «فكرة جيدة» ومشى، وأنا عدت إلى المكتب، وبالصدفة رأيت مستر جان خارجاً من مكتبه فخطوت نحوه مسلماً عليه شاكراً إياه ومتأسفاً على سرقة صندوق المال. فشكرني وتابع قوله بأن «البوليس» وشركة التأمين يحققان في السرقة. وقبل أن يمشي نظرت إلى وجهه وأشرت بيدي بأن هناك أمراً أريد أن يتوضح عني. فابتسم وسأل: «ماذا عنك؟». فذكّرته حين سألني ذات مرة إذا كنت أعرف قيادة الشاحنة كي يختارني «مسؤول الحمالين» وأنا قلت لا. وحين عدت وسألتني كيف كنت أعيش في بيروت بدون سيارة وأين كنت تجلس؟ فضحك قليلاً وهو يجيب بأنه يتذكر ذاك الحوار، لكن ما هو الهدف من سؤالك؟ فأجبته مع ابتسامة بأني قد قلت لك بأني كنت أجلس في «المقعد الخلفي» حين كنت أعيش في بيروت، وهو أكد ما قلت مع شيء من الاندهاش ثم سادت لحظة صمت خرقها قولي بأن «المقعد الخلفي» في لبنان هو الجلوس بسيارة «السرفيس» بدلاً من «التاكسي»، وكذلك الزعماء والأغنياء يجلسون في «المقعد الخلفي» تاركين القيادة للسائقين. ولهذا أريدك أن تعرف بأني كنت فقيراً في بيروت لدرجة أني لم أتعلم قيادة السيارة، وهنا أشرت له بأن هناك فقراء لديهم سيارات. أما أنا فلست زعيماً ولا غنياً بل كاتب مسرحي حظه قليل. عندئذٍ ضحك وهو يربت على كتفي مردداً بضع كلمات منها: «الآن عرفت... كنت قد اعتقدت بأنك كنت زعيماً في لبنان». وتابعنا الضحك معاً، كما شاركنا البعض من ذوي الأصول من أميركا اللاتينية والأميركيين من سود وبيض ثم تجرأ أحدهم وهو من بورتو ريكو وقال بأن اللبنانيين يخظفون الأميركيين في بيروت. ثم تحوّل الغمز من أصلي اللبناني من قِبل عامل آخر، حينئذ رددت بسرعة وحزم بأن هذا الخطف هو عمل مجموعات لبنانية مرتبطة بدول أخرى تحارب ضد أميركا. ثم عدت وقلت بأن عمليات الخطف هذه تضر وتؤذي لبنان وأميركا معاً. وختمت قولي بأن أغلبية اللبنانيين ضد الخطف وبخاصة الأميركيين والأجانب لما يترك ذلك من تأثير سيىء في السياحة في لبنان. وبعد أن خطوت بضع خطوات، سمعت أحدهم لكني لم أر وجهه وهو يقول بأني قد أكون أنا زعيم الخاطفين، ثم سادت لحظة صمت، فما كان مني إلا أن خطوت بهدوء نحو الذي قال بأن اللبنانيين يخطفون الأميركيين وقلت له وأنا أنظر في عينيه: «أكيد لا» ولم أسأل عن الشخص الثاني، ثم مشيت مشغول البال بالرغم من وجود المال!
بعد خروجي من بوابة الشركة قصدت أن أذهب إلى مكتبة القرطاسية في أعلى وسط مانهاتن، حيث يعمل هناك شاب أميركي أبيض، دلّني عليه الممثل سين، وهو يبيع «ماريوانا» كولومبية طيبة وقوية بمبلغ 120 دولاراً ثمن الكيس الوسط الذي يوازي من حيث الكمية عشرين كيساً صغيراً بسعر 5 دولارات من بضاعة «الخنتاريش» أي ما دون الوسط، وهو يبيع أيضاً نصف كيس بمبلغ 60 دولاراً. وهذا ما كنت أنا عادة أشتريه حين يكون معي بعض المال مثلما حصل معي اليوم حيث قبضت حوالى 300 دولار، سوف أدفع نصفها لفاتورة التلفون والكهرباء. وما إن دخلت إلى المكتبة حتى وقع نظري على نظر ذاك الشاب الذي كان دائماً مبتسماً بدون تصنُّع، ولو أنه لكثرة الابتسام «انطبعت» في ملامح وجهه ابتسامة دائمة قليلاً ما تفارقه. وبعد خطوات شبه سريعة تبادلنا السلام وبيننا واجهة زجاج فيها أقلام ودفاتر وأدوات قرطاسية. وكالعادة قلت له كلمة 60$ Sexty وهو رد: O.K. ومشى إلى الداخل وأنا أنظر بتمعّن في أنواع الأقلام والدفاتر، وبعد دقائق عاد واضعاً الكيس بظرف ورق أبيض وأنا ناولته ثلاث أوراق من فئة عشرين دولاراً مطوية من الوسط وشكرته وهو أيضاً شكرني وابتسمنا ومشيت.