أنت هنا

قراءة كتاب مجنون بن بيروت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مجنون بن بيروت

مجنون بن بيروت

كتاب " مجنون بن بيروت " ، تأليف فيصل فرحات ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

وحين خرج الجميع «ضبضبت» مع تريشا الطعام الباقي في البراد وهي أخذت جزءاً وأنا كذلك، كما نظفنا معاً الصالون من بقايا الطعام ما يملاً كيساً كبيراً حملته إلى خارج المبنى ووضعته في مكان تجميع «الزبالة» على جزء خاص من الرصيف وعدت إليها حيث كانت تقف في وسط الدار تتأكد من الترتيب، ثم قالت بأننا الآن لوحدنا، فتقدمت منها بهدوء وأنا أقول «هابي برث داي» ثم خطوت بجرأة نحوها وقبلّت شفتيها الناعمتين على مهل ملحوظ فتجاوبت للحظات ثم ابتعدت وهي تقول: No... وأنا أقول: O.K. وابتعدت عنها بهدوء، وفي داخلي خوف كبير من دخول مفاجئ لصديقها إلى بيته. سادت لحظات صمت مع شيء من الارتباك النفسي، حاولت أن أبعده عني بالحديث عن الحفلة الرائعة بالرغم مما حصل، وهي أيضاً وافقتني وشكرتني وقالت لي كي آخذ المزيد من الطعام فأخذت، ثم أعطتني بعض المال (وضعته في جيب قميصي) وخرجنا من البيت. وبعد خطوتين أوقفت «تاكسي» أقلتنا إلى بيتها وإلى بيتي ودفعت الأجرة للسائق وتركت له «فراطة» لا بأس بها. وقبل أن نصل إلى بيتها عادت وشكرتني على كل شيء وأنا أيضاً شكرتها. وحين وصلنا إلى قرب البناية قالت لي كي أتصل بها لاحقاً لمشاهدة فيلم سينما، وأنا بالطبع تمنيت ذالك، كما تمنيت أن أكون في حضنها.

نزلت من «التاكسي» بعد أن شكرت السائق وهو ردّ على طريقته، على زاوية مبنى بيتي. نظرت إلى الشارع باحثاً عن ذاك الشحاذ الأسود فلم أره. لكن وبعد أن خفت حركة السيارات على الأوتستراد نظرت إلى جهة المبنى الذي كنت أعمل فيه لأرى رجلاً أبيض يحمل كتاباً ويقرأ فيه وهو جالس على مقعد حجري قرب شجرة صغيرة على الرصيف. للحظات حاولت أن أمشي نحوه لأراه عن قرب «وج بوج»، لكني عدت وغيّرت رأيي لأن الوقت كان ما بعد منتصف الليل، فوقفت على الزاوية تماماً وأنا أنظر نحوه على مدى لحظات غدت دقائق، وإذ به يتوقف عن القراءة وينظر نحوي، حينئذ أدركت أنه المراقب الثاني. مشيت إلى الدكان واشتريت الجريدة وأشياء أخرى وصعدت إلى وحدتي. وقبل أن أغفو تذكرت ذاك المشهد المفاجئ حين نقرت «نقرات» خفيفة على باب غرفة تريشا العُليا في منتصف الليل منذ سنوات في واشنطن، فسألت من؟ فأجبتها بصوت خافت ذاكراً اسمي، فعادت تسأل ماذا أريد؟ فقلت بصوت خافت جداً بأني أريد التكلم معها. فتحت الباب وأدارت وجهها وهي تقول بأن صديقها معها الليلة. وكانت لحظة، شعرت فيها بالصدمة لأني لم أكن أعرف أن صديق تريشا أتى هذه الليلة من هولندا. فسلمت عليه بذهول واعتذرت منه على إزعاجهما، لاسيما وأني كنت قد تحدثت معه سابقاً بضع كلمات عن هولندا ولبنان، ثم اعتذرت للمرة الثالثة من تريشا ومشيت على وقع كلمات: «لا تهتم بالأمر وكل شيء على ما يرام». يومها كنت مصمماً على التكلم معها في موضوع الزواج، وذلك بعد أن دعت آلسن رجلاً أميركياً وأمضيا الليلة معاً في غرفتها وأنا بكيت في غرفتي! واليوم عدت لأفكر فيها وفي مساعدتها لي حيث ما زال هناك مودة وإعجاب ما متبادل ما يكفي لإقامة علاقة، لو أني سأبقى في نيويورك، لكني «راجع» إلى لبنان وهي لم تعرف ذلك.

تقلّبت في فرشتي لفترة بدت طويلة إلى أن نمت «غصب عني»! في الصباح الباكر رن التلفون فرددت منذ أول «رنة» بعد أن كنت قد استيقظت منذ لحظات، وإذ بي أسمع صوت مستر جان يقول لي: "صباح الخير فيصل" فرددت عليه بالمثل سائلاً متمنياً أن يكون لي عمل اليوم، فأجاب معتذراً لأنه لم يضع اسمي على ماكينة التسجيل منذ فترة بسبب سفره خارج نيويورك، لكنه اليوم يريدني أن أحضر إلى الشركة ليوم عمل كامل، حيث أن هناك زبوناً يهمه أمره وهو صديق له ويريدني أن أكون من المجموعة التي ستنقل أثاث بيته. (كان بعض الحمالين يسرقون أشياء صغيرة وغالية مثل ساعات، هدايا، أوانٍ فضية، أما أنا وبعض الحمالين الفنانين فلا نسرق أي غرض، لذا كان مستر جان يختارني كي أعمل بشقة من يهمه أمرهم). فأجبته بأني سأكون في الشركة بعد «ربع» ساعة. فقاطعني بكلمة لا ضرورة للعجلة ومعي نصف ساعة، فشكرته وأقفلنا التلفون معاً. ومباشرةً وبالرغم من التعب إلى حد الوجع من جراء عمل حوالى يومين بدوام كامل تحضيراً لحفلة عيد ميلاد تريشا، نزلت من فرشتي على الدرجات الثلاث مثل السبع مرتدياً ثيابي وخرجت مسرعاً إلى الشركة في المترو وبعد «ربع» ساعة كنت أحدق في وجه مستر جان ووجوه الآخرين وأنا أقول لهم: "صباح الخير". رد البعض كل على طريقته ومنهم من سلّم عليّ باليد وبخاصة مستر جان الذي شدّ على يدي مندهشاً من سرعة حضوري، ومبتسماً مع شيء من مضض وزعل. فانتبهت لأمره وكدت أسأله ماذا به ولماذا هو «زعلان»، لكن مساعده نادى الجميع كي يسمعوا كلمة مستر جان. وبعد لحظات ساد الصمت وبدأ مستر جان كلمته متأسفاً على ما حصل من سرقة لصندوق المال في الشركة الأسبوع الماضي، وهو سيضطر إلى خفض عدد من العمال في هذه الفترة على أن نبقى على اتصال. وبعد أن انتهى من كلمته دعانا جميعاً إلى الحضور مساءً إلى الشركة كي نقبض أُجرة ساعات عمل الأسبوع الماضي والحالي. وختم بكلمة: «شكراً لكم».

ثم ساد الصمت للحظات طويلة حاول البعض خلالها التمتمة حول السرقة. فيما مستر جان حاول الابتسام والسلام والتكلم مع بعض مساعديه ومع أحد العمال وهو صديقه القديم في الشركة. وبعد دقائق بدأ المساعد الأول بتوزيع قسائم العمل منادياً بأسماء الـ «مسؤولي الحمالين» وهم بدورهم نادوا أسماء العمال وأنا كنت أحدهم. لسوء حظي، كان عملي متعباً لأنه ما بين مبنيين صغيرين. حيث كان هناك درج أمام مدخل البنايتين مما استدعى الحمل أكثر من جر العربات حيث العمل بها يبدو مثل اللعب، وبخاصة في الأبنية الفخمة والحديثة و«ناطحات السحاب» إذ إن الدولاب «يكرج» من «دقرة» (دفع بسيط).

كان يوماً متعباً جسدياً ورائعاً نفسياً، حيث دخنت سيجارة «ماريوانا» مع Sean (سين) وهو ممثل مسرحي أُعجب بي حين أخبرته بأني كاتب مسرحي. حيث ضحك من كل قلبه وترك ما كان يحمله واقترب مني مُسلّماً عليَّ بحرارة وبفرح وبخاصة حين أخبرته بأني قرأت مسرحيات يوجين أونيل وآرثر ميلر وأُعجبت بهما. ثم مازحني بقوله بأنه كان يعتقد أن اللبنانيين إرهابيون فقط! ثم ختم بقوله بأنه قد أحسَّ إلى حد ما أني فنان، وكذلك أنا شعرت نحوه، ثم عدنا وتصافحنا بشدة.

الصفحات