كتاب " موجز تاريخ العراق " ، تأليف د. كمال ديب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب موجز تاريخ العراق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
موجز تاريخ العراق
أما في الفصل التاسع عشر وعنوانه «مستقبل المجتمع العراقي» فنرى ديب قد اختار نصّاً من حوار مع الشاعر أدونيس أجراه الكاتب صقر أبو فخر، يسير في النطاق نفسه حول أسباب فشل الدولة العربية. في كتاب ديب تفاصيل تقشعر لها الأبدان عمل ديب على بحثها وتدوينها في كتاب شارف على العمل الموسوعي حسب وصف جورج قرم الذي وضع مقدّمة الكتاب، خصوصاً في فصول يتضح محتواها من عنوانها : «دور مصاص الدماء في تدهور العراق» و«حرب الحصار والتجويع». ولا مكان للكلام العابر أو الانشاء في كتاب ديب، فكل صفحة تكاد تقفز على القارىء لما تختزنه من معلومات وتحليلات وصدمات وتفاصيل أحداث ربطها جيّداً وحللها الكاتب. فالكتاب موثّق جيداً من حيث حواشي الفصول والمراجع التي بذل ديب في تنقيبها جهداً كبيراً عملاً بمبدأ أنّه لم يترك كتاباً مهماً أو نصف مهم عن العراق إلا سعى إليه وراجعه واستخلص استنتاجاته. وفي نهاية الكتاب عشرون صفحة من المراجع باللغات العربية والانكليزية والفرنسية.
إنّه كتاب في الاقتصاد والمجتمع في قالب تاريخي متكامل، تجدر قراءته من زاوية نظرية الدولة في الفلسفة؛ مثير في تقديمه أمثلة تطبيقية هامة حول فشل الدولة العربية في زمن العولمة.
«النهار»، 12 كانون الأول/ديسمبر 2003
الصعود والهبوط والانهيار والزلزال والمستقبل، بهذه العناوين يختزل المؤلف كمال ديب تاريخ العراق، ويقدم هذا الكتاب المعلومات والمعطيات الأساسية التي تحيط بقضية العراق منذ نهاية الحرب العالمية الأولى حتى الحرب الأميركية- البريطانية على العراق عام 2003، ويتضمن ملاحق وجداول إحصائية ووثائق مجلس الأمن الدولي عن العراق، ومؤلفه أستاذ كندي من أصل لبناني متخصص في العلوم الاقتصادية. بدأت الحرب على العراق عام 1991، ولم يكن الغزو عام 2003 إلا استكمالاً لهذه الحرب، ولا علاقة له بالحرب على الإرهاب، وقد شنّت الولايات المتحدة أربع حروب متتالية على العراق منذ العام 1991، وهي حرب الخليج وتدمير البنية التحتية المدنية العراقية، وحرب الاستنزاف الطويلة والعملية الاستخبارية المتواصلة بالتعاون مع لجان التفتيش، وحرب العقوبات الجماعية الخطيرة، وأخيراً غزو العراق في 20 آذار/مارس 2003.
ويستعيد المؤلف دور أميركا وبريطانيا في تاريخ العراق الحديث من نهاية الحرب العالمية الأولى، ومن ملامح هذا الدور: الاحتلال البريطاني للعراق بعد الحرب العالمية الأولى، وسيطرة الإنجليز على النفط العراقي لمدة عقود من الزمن، ودعم الولايات المتحدة لسلسلة الانقلابات العسكرية الدكتاتورية التي بطشت بالناس وبالكوادر العلمية المثقفة، ودعم العراق في حربها على إيران، وأخيراً الحرب المباشرة على العراق منذ العام 1990.
بدأ التاريخ الحديث للعراق بخضوعه للانتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى، وقد واجهت بريطانيا ثورة كبرى أجبرتها على القبول بمملكة عراقية عربية مستقلة، رتبت معها لوجود استغلال بريطاني للنفط العراقي. وقد أسهم النفط العراقي في تطوير الاقتصاد والتعليم والبنى والمرافق التحتية المدنية، وأثناء هذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية في العراق تحول هيكل الناتج القائم من الزراعة والحرف إلى النفط، وانتقل الثقل الاقتصادي إلى بغداد العاصمة، واضمحل نفوذ زعماء المحافظات لصالح فئة مدينية ومتعلمة، وتريفت المدن العراقية خصوصاً بغداد والموصل والبصرة بسبب الهجرة الكثيفة من الريف إليها.
ويعتبر المؤلف أن الفترة الملكية هي الأفضل في تاريخ العراق الحديث سياسياً واجتماعياً، فقد تمتع خلالها بقدر من الحرية والديمقراطية، وكانت تصدر عشرات الصحف قبل أن تمتد يد السلطات الانقلابية إلى كل شيء فتعيد صياغته وتنظيمه وفق أسس جديدة قائمة على التسلط والاحتكار والعبث والظلم. كانت سنوات السبعينيات ذهبية في حياة العراقيين فارتفع مستوى المعيشة وتطور الأداء الحكومي واختفى الفقر المدقع ووصلت الخدمات إلى جميع المناطق العراقية. وعلى الرغم من القسوة التي تميز بها حكم البعث للعراق، وكذلك الظلم، فقد حقق تأميم النفط العراقي عام 1972، وبرنامج إصلاح زراعي وتعليمي، ولكنه صنع شرخاً في الدولة والمجتمع في العراق، وصنع عداوة عميقة مع إيران وسوريا ودول الخليج.
ثم بدأ الهبوط العراقي بالحرب العراقية الإيرانية، فقد استنزفت سنوات الحرب الثماني موارد البلد، وأدت إلى مقتل مئات الآلاف من خيرة أبنائه وشبابه، وحدث شرخ عميق مع الشيعة والأكراد، وانخفض إنتاج النفط، وتدنّى سعره أيضاً.
وربما كان القرار الأسوأ من الحرب على إيران هو غزو الكويت الذي جر تداعيات على العراق والمنطقة والعالم لم تتوقف بعد، فقد كان الاحتلال لحظة تاريخية للولايات المتحدة تنتظرها بلهفة، بل إنها استدرجت النظام السياسي العراقي والمنطقة إلى تلك اللحظة التي تتيح لها السيطرة العسكرية على منطقة الخليج العربي، والتحكم بالنفط، ومن ثم الهيمنة على العالم.
كانت الغارات الأميركية صباح يوم 17 كانون الثاني/يناير 1991 تستهدف كل المنجزات العراقية بحيث يبدو للوهلة الأولى أنها لا علاقة لها بالحرب؛ القصور الجمهورية والوزارات والمؤسسات العامة والجسور ومحطات الطاقة والمطارات ومصافي البترول والمصانع ومحطات التكرير الصحية ومصانع الأغذية وخطوط السكة الحديدية ومصانع النسيج ومحطات الري والمدارس والمستشفيات إضافة إلى معمل لحليب الأطفال.
وتعرض العراق لقصف لم يستخدم في كمه ونوعه حتى في الحرب العالمية الثانية، فقد نفذت القوات الأميركية 110 آلاف طلعة جوية وأنزلت 85 ألف طن من المتفجرات، وانسحب العراق من الكويت، ولكن تواصلت حرب الاستنزاف والحصار عليه دون رحمة حتى جرى احتلاله عام 2003. ساد في العراق في الربع الأخير من القرن العشرين نظام سياسي قائم على التسلط والقهر والإعدامات والتصفيات والاعتقالات الجماعية من دون محاكمة، ثم تسلم أقارب الرئيس وأعوانه مقدرات البلاد ومواردها، وتحولت أسرة صدام إلى عائلة حاكمة تقود الأمن والجيش والاستخبارات والوزارات والمؤسسات وتتصرف بموارد البلد على نحو شخصي مبالغ في الترف.
وبدأت العائلة الحاكمة تتفكك، فنحي البكر وأبعد أبناؤه، وقتل عدنان خير الله شقيق زوجة صدام وابن خاله في حادث طائرة، وأبعدت عائلة خير الله عن دائرة النفوذ والتأثير، وتقدم عدي وقصي ابنا الرئيس وأخذا يزيحان، بالتعاون مع أبيهما، رجال الدولة المقربين من أبناء عمومة الرئيس، أبناء المجيد وأصهار الرئيس، وأعمامهما من إخوان صدام وأشقائه.
وقمعت انتقاضة الشيعة على النظام في أعقاب حرب الخليج الثانية بقسوة هائلة، فقد قتل وأعدم واعتقل عشرات الآلاف. وكان المنتفضون الشيعة والأكراد لا يقلون قسوة عن النظام، فقد قتلوا عدداً كبيراً من الضباط والمسؤولين العراقيين وأبناء السُنَّة دون حاجة إلى ذلك، وقد أثاروا السنَّة عليهم ودفعوهم لتأييد النظام السياسي العراقي بدلاً من إطلاق عمل سياسي وشعبي معارض يشمل العراقيين كافة .
كانت عمليات الحصار الأميركية على العراق قتلاً بطيئاً لكل العراقيين، وتشبه إسقاط طائرة على متنها 300 راكب لإنقاذها من خاطف واحد. فتوفي مئات الآلاف من الأطفال بسبب الجوع والمرض، وتدنت مستويات المعيشة لدى الملايين، واتسعت مساحة الفقر حتى شملت عائلات كانت ميسورة.
لقد قضى الحصار على الطبقة الوسطى العراقية، ودفع الشعب العراقي للعيش في خوف ومرض وجهل لسنوات طويلة، وزاد في الوقت نفسه ثراء الطبقة الحاكمة والمتنفذة، فقد انخفض الدخل الفردي في العراق من 4000 دولار عام 1980 إلى أقل من 300 دولار عام 1999، وهاجر عشرات الآلاف من أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية العالية.
شنت الولايات المتحدة في مساء 19 آذار /مارس 2003 هجوماً على العراق، وأسقطت في الساعات الثلاث الأولى لحربها 3000 قنبلة وصاروخ معلنة حرباً لاحتلال العراق استغرقت 20 يوماً وانتهت بسقوط بغداد في 9 نيسان/أبريل.
ودخلت الولايات المتحدة فوراً في ترتيب الغنائم وإحصائها والسيطرة عليها، وأهمها بالطبع هو النفط، ثم السيطرة الإستراتيجية على المنطقة وتهديد جميع الأنظمة السياسية والدول، وربما يكون التحول في السلوك والموقف الليبي، والإعلان عن مشروعات لتغيير مناهج التعليم في الدول العربية من تجليات ونتائج الحالة الجديدة الناشئة بعد احتلال العراق.
لقد أعلنت الولايات المتحدة عن استثمار خمسة مليارات دولار لإعادة تأهيل قطاع النفط العراقي، تسترجع من عائدات النفط، في حين أعلن أن بإمكان أصحاب الكفاءة داخل العراق تنفيذ هذا التأهيل بنصف هذه الكلفة، وأعيد إنتاج النفط العراقي بواقع 2.5 مليون برميل يومياً في نهاية العام 2003، وسيكون هذا النفط مسؤولاً عن سداد تكاليف الحرب التي بلغت 100 مليار دولار.
أفضل ما يمكن أن يحصل للعراق هو أن تتبع الولايات المتحدة نموذج اليابان فيكون احتلالها قصير الأمد، وينتهي في عام واحد ثم تقوم بمساعدته على بناء نفسه. ويمكن اعتبار أكبر ثروة سلمت من الحروب عدا النفط هي الرأسمال البشري العراقي من الكوادر العلمية والخبيرة، ولكن كيف ستتجه هذه الطاقات البشرية وهل ستكون نواة في بناء العراق الجديد؟
صحيفة «الشرق الأوسط» 24 شباط/فبراير 2004