كتاب " موجز تاريخ العراق " ، تأليف د. كمال ديب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب موجز تاريخ العراق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
موجز تاريخ العراق
العهود الاسلامية 733 – 1918م
ارتبط العراق منذ أصبح ولاية في إمبراطوريات إسلامية امتدّت من العام 733 وحتى 1918، بالحضارة العرببة والاسلامية. وكان أبرز تلك الامبراطوريات الخلافة الأموية والخلافة العباسية والخلافة العثمانية.
وكان العراق المكان الذي وقع فيه الانقسام التاريخي بين الإمام علي بن أبي طالب آخر الخلفاء الراشدين، والخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان في القرن السابع الميلادي. فقد جعل علي مركزه في جنوب العراق وجعل معاوية مركزه دمشق التي بقيت عاصمة الأمويين. وبعد اغتيال علي في مدينة الكوفة عام 661، انتقلت الخلافة إلى العائلة الأموية ومركزها دمشق، ولكن الانقسام السياسي منع الأمويين من فرض سيطرتهم على كل ديار الإسلام حيث استمر الولاء للإمام علي وأسرته وخصوصاً في العراق، إلى أن وقعت مواجهة محلية بين الطرفين، محدودة في حجمها ولكنّها بعيدة الأثر في أهميتها التاريخية لأنّها كانت الفتيل الذي قسم الاسلام إلى سنة وشيعة. ففي العام 680 ورث يزيد الأول الخلافة عن أبيه معاوية بدعم النخبة في سورية ومصر، على الرغم من معارضة نخبة العراق والحجاز. فشرع يزيد في قمع كل من يعارض حكمه لتصبح سنوات عهده الأربع الأكثر دموية في تاريخ الإسلام حتى ذلك الوقت.
وفي شهر محرّم عام 680 في جوار مدينة كربلاء(11)، جرت معركة غير متكافئة بين مجموعة قوامها الإمام الحسين بن علي ـ الذي بتشجيع من أهل الكوفة قدم من المدينة في الحجاز ومعه أفراد عائلته وأنصاره ـ وبعثة عسكرية أموية أرسلها يزيد من دمشق. فاستطاعت الحملة العسكرية قتل معظم أفراد أسرة الحسين وأنصاره القليلي العدد، وأحضرت رأس الحسين إلى دمشق ومعه نساء سبايا. ولأجل هذا الحدث الذي عُرف فيما بعد بواقعة عاشوراء، حصل انشقاق دائم في الاسلام بين سنّة، وهم الأغلبية في العالم الاسلامي، وشيعة وهم الأقلية. وهو انقسام لم تخفف من غلوائه وعمقه القرون، وكان له أعمق الأثر في أحداث العراق في القرن العشرين وإلى اليوم(12).
لم يخضع العراق الكثير السكان للأمويين بعد واقعة عاشوراء التي خُلّدت في ذكرى سنوية للعزاء بأهل البيت، فسادت الفوضى ثلاث سنوات إلى أن مات يزيد عام 683م، فخلفه ابنه معاوية الثاني الزاهد في السلطة والمحب للعلم والذي تنازل عن الحكم، فاختير مكانه مروان بن الحكم، وهو أيضاً من بني أمية، والذي معه وُلدت السلالة الأموية. لقد كانت أوضاع العراق متدهورة منذ وفاة يزيد إلى أن اندلعت ثورة كبرى ضد الحكم الأموي بعد وفاة مروان عام 685م استمرت ثلاث سنوات، فخلفه ابنه عبد الملك بن مروان الذي واصل حملات القمع في العراق. ولئن لم تنجح الحملات في إخماد العصيان، أوفد عبد الملك عام 694م الحجاج بن يوسف الثقفي حاكماً باسم الأمويين إلى العراق على رأس قوة. وجاء هذا الأخير مدينة النجف حيث ضريح الإمام علي، وجمع الناس ليخاطبهم قائلاً: «يا أهل العراق، يا أهل الشقاق، والنفاق، والمراق، ومساوئ الاخلاق. إنّ أمير المؤمنين فتل كنانته فجمعها عوداً عوداً، فوجدني من أمرّها عوداً، وأصعبها كسراً، فرماكم بي، وإنّه قلّدني عليكم سوطاً وسيفاً، فسقط السوط وبقي السيف». ثم قال الحجّاج: «إنّي والله لأرى أبصاراً طامحة، وأعناقاً متطاولة، ورؤوساً قد أينعت، وحان قطافها ، وإنّي أنا صاحبها كأنّي أنظر الى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى». ثم أنشد:
أنـا ابن جـلا وطـلاع الثنايــا متى أضــع العمامــة تعـرفـوني
ولكن الحكم الأموي لم يستمر طويلاً في العراق إذ استطاعت ثورة في ديار الخلافة الاسلامية إنهاء الخلافة الأموية عام 750، وتمكنت مجموعة من بني أمية بقيادة عبد الرحمن الداخل حفيد عبد الملك (ابن معاوية الثالث بن هشام بن عبد الملك) من الفرار من ثورة العباسيين والحفاظ على الأندلس وإعلان استمرارية الخلافة الأموية هناك حتى 1492. وهكذا انتقلت الخلافة الإسلامية إلى العباسيين الذين استمر عهدهم أكثر من خمسة قرون وجعلوا من العراق نقطة انطلاقهم ومن بغداد عاصمتهم، حتى أصبحت، أي بغداد أهم مدينة في العالم في الثقافة والحضارة والفلسفة والعلوم. ولكن رافق ازدهار بغداد دسائس سياسية واغتيالات وتصفيات دموية. والناظر إلى سلسلة الخلفاء العباسيين سيلاحظ النسبة المرتفعة من الخلفاء الذين قضوا اغتيالاً.
الصعود الصاروخي لبغداد في مجالات العلم والحضارة لم يدم طويلاً، إذ عندما تعرّض الشرق للغزو المغولي القادم من أواسط آسيا، دخل التتر العراق عام 1258 ودمروا بغداد وأغرقوا سدود الأنهر فقتلوا مئات الآلاف من البشر. وقدّر عدد ضحايا الغزو المغولي للعراق بثلثي عدد السكان، ذلك أن هولاكو قائد المغول أمر بقتل كل كائن حي.
لفترة طويلة كان المغول يعدّون الخطط لغزو العراق حتى استعدّوا لذلك عام 1257 بجيوش هي الأكبر مقارنة بحروبهم السابقة يقودهم الخان هولاكو. وفي طريقهم إلى بغداد وجّه هولاكو نداءً إلى الخليفة العباسي المعتصم أن يسلّم المدينة فرفض هذا الأخير. ولذلك طبّق المغول أسلوبهم في الأرض المحروقة ضد المدن التي ترفض الاستسلام، وهاجموا بغداد وحرقوها وقتلوا كل بشري وصلت إليه سيوفهم حتى تراوح عدد القتلى بين 200 ألف إلى مليون حسب مؤرخي تلك الفترة. ومن علائم بغداد التي أحرقها ودمرها المغول كان مركز أبحاث ضخم يُعرف باسم «بيت الحكمة» حوى مئات آلاف الكتب والوثائق العلمية والرياضية والفلسفية والدينية والأدبية والتاريخية والتي جرى جمعها وتبويبها خلال مئات السنين من الحكم العباسي.
كان دمار بغداد شاملاً ونهائياً بحيث لم يقم لها قائمة لمئات السنين وحتى القرن العشرين. ولم يكتف المغول بتدمير بغداد بل حطموا المنشآت الهندسية والزراعية التي كان بعضها قائماً منذ آلاف السنين.