كتاب " موجز تاريخ العراق " ، تأليف د. كمال ديب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب موجز تاريخ العراق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
موجز تاريخ العراق
I من العهد الملكي إلى ثورة تموز/ يوليو ومخاض الستينيات
الفصل الأول
تاريخ العراق حتى 1958
مهد الحضارة
العراق هو مهد الحضارات باعتراف المؤرخين الغربيين منذ القرن التاسع عشر(6). وهو ليس وليد الاستعمار كما توحي بذلك بعض المراجع الغربية الحديثة أو كما قبله أولياء الأمر من خبراء ورسميين في العالم العربي من دون مناقشة(7). وليس صحيحاً الادّعاء أن بريطانيا خلقت العراق الحديث عندما أصبحت دولة انتدابية على بلاد ما بين النهرين بعد الحرب العالمية الأولى، فوحّدت ولايات عثمانية سابقة في دولة جديدة أولت عليها أحد أبناء شريف مكة، كجزء من تعهداتها للعرب بالاستقلال لوقوفهم مع الحلفاء ضد الدولة العليّة العثمانية(8).
ربما كان العراق هو أقدم حضارة في العالم، إذ لم يفلح أي مؤرخ منذ أكد ذلك أرنولد توينبي(9) على إثبات العكس. كما أنّ مرور نهري دجلة والفرات في أراضيه يخلق حالة شبيهة بمرور نهر النيل في مصر حيث لا توجد حواجز طبيعية تمنع قيام دولة واحدة في الوادي من أعالي السودان حتى الدلتا، وهذه هي حقيقة العراق منذ الأزل. أقرّ أرنولد توينبي في عمله الضخم، دراسة التاريخ، أنّ الحضارة الانسانية لا يمكن أن يكون عمرها أكثر من ثمانية آلاف سنة، وهذه الفترة حدّدها استناداً إلى حفريات بلاد ما بين النهرين: هنا زرع السومريون القمح لأول مرة، وهنا اخترعوا الكتابة المسمارية والتصويرية، وصنعوا الدولاب لعربة الخيل والبرونز عبر مزج التنك والنحاس لصناعة الأسلحة. وهنا كان مستودع الغذاء للشرق الأوسط، من أراضي العراق المليئة بالحقول المتماوجة الخضراء وغابات النخيل، حيث رعى المزارعون ملايين رؤوس الأغنام منذ فجر التاريخ. فالعراق معروف عند العرب بأرض السواد لخصوبة أرضه ولون تربته الداكن مقارنة بالصحراء. وهو سُميّ العراق إما من كلمة قديمة، أوروك، أو بسبب عشرات المجاري المائية في أراضيه التي تصب في النهرين العظيمين، دجلة والفرات، فتبدو التضاريس وكأنها عروق شرايين تجري في أرض غنيّة. وهنا نشأ النبي إبراهيم في قبيلة تعيش على الرعي، وهنا حدث طوفان نوح الذي يعتقد بعضهم أنّه يستند إلى ملحمة جلجامش العراقية القديمة، وهنا وقعت أحداث في مئات الصفحات من العهد القديم من الكتاب المقدّس.
إنها بلاد الحدائق المعلقة والقنوات الاصطناعية القديمة لجر المياه، ومجد بابل القديم الذي لا يغيب عن ذاكرة الانسانية. هنا عاش الملك حمورابي قبل 4500 عام ووضع أول شريعة قانونية في التاريخ، تعالج المسائل كافة، من الطلاق إلى التجارة إلى شؤون العمال، ويعتقد كثيرون أنّها أساس الوصايا العشر. ويقول حمورابي في شرعته إنّ هدفها «إشاعة العدالة في البلاد والقضاء على الشرير حتى لا يظلم القوي الضعيف». ومن أرض العراق انطلقت امبراطوريات عدّة سبقت الإسلام كالأشوريين والكلدان فرضت سلطانها على المشرق لعدة عقود.
أصبح العراق عاصمة الامبراطورية الاسلامية حيث كانت بغداد مركزاً للعلم والحضارة والقوة السياسية والاقتصادية للعالم الاسلامي من أواسط آسيا إلى الاندلس. ولقرون عديدة ومنذ آلاف السنين كان معظم العالم القديم يُحكم من بغداد.
ولكن العراق أيضاً مصاب بلعنة العنف. فممالكه منذ فجر التاريخ اتّصفت بالطابع العسكري وشنّت حروباً على المناطق المجاورة، وخُلّدت الروح العسكرية في تماثيل تكرر فيها أشخاص بألبسة وأسلحة وخوذات، لا تشبه تماثيل آثارات وادي النيل وبلاد الشام التي تعدّدت مواضيعها. والعراق كان ساحة صراعات الشرق والغرب منذ التاريخ القديم، وخصوصاً حروب الفرس والإغريق ثم الإيرانيين والأتراك. وعدا عن عمل البشر، فالطبيعة لم تكن دوماً مسالمة، حيث تعددت الزلازل والفيضانات والأوبئة والمجاعات(10).