أنت هنا

قراءة كتاب علم النفس الأدبي مع نصوص تطبيقية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
علم النفس الأدبي مع نصوص تطبيقية

علم النفس الأدبي مع نصوص تطبيقية

كتاب " علم النفس الأدبي مع نصوص تطبيقية " ، تأليف د. إبراهيم فضل الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

المقدمة

يشغل الفن وضعية عبور مؤقت تعبِّر عن حيّز من الوهم، كما أنّه يجيز التمتع بلذّةٍ ممنوعةٍ ومتحولةٍ ناجمةٍ عن مجموعةٍ من الأشياء التي تمثلها ولا تمثلها.

إن السحر والإغواء لكل عمل فني يقومان بتأثير يقضي بتعطيل عمل الكبت، وتحويل اتجاه المرور إلى الوعي بالمقارنة بذلك الاتجاه الموصوف بحالة الجرم، والمعاقب بالممنوع، والذي يشكِّل العوارض على الرّغم من أنه ينظّم الفضاء الجمالي بصفته حلاً مؤقتاً لمسائل يطرحها الوضع الإنساني بين الحل الفردي المنجز والمتعلق بالعصاب، وبين الحل الجماعي والمتسامي مع الدين.

إن الفن هو المضمار الوحيد الذي بقيت فيه كلية قدرة الأفكار قائمة إلى يومنا هذا، وفي الفن وحده يتفق للإنسان الذي تقض الرغائب مضجعه أن يفعل شيئاً يشبه الإشباع، وبفضل الوهم الفني تؤتى هذه اللعبة المفاعيل الوجدانية عينها التي كانت ستأتي فيما لو كان الأمر حقيقياً، ومن المناسب أن نتكلم عن سحر الفنّ، وأن نقارن بين الفنان والساحر، ويعتبر فرويد أن الفن لم يبدأ (فناً للفن)، وإنما كان يعمل في بادئ أمره في خدمة ميول زالت اليوم وانطفأ معظمها، وبالانتقال إلى الفن الأدبي فإن المواضيع الاستيهامية ذات الاتجاه الجمالي تكون موجودة في الوعي، وما قبل الوعي، ومن ثم يتم فرزها وإبرازها، وهي ليست قابعة في العزلة الخاصة بأحلام اليقظة، وذلك لا يعني أنها تتحاشى التصور النرجسي الخاص بهذا النوع من التشكلات، وهي لا تغيب عن الشخص حتى يعثر عليها مرّة ثانية، وهي ذات قيمة مثيرة للإعجاب من قِبل الآخر (الجمهور) الذي يضمها إلى حسابه ويدخلها نرجسيته كقارئ، وهنا نصادف مثال الأنا، ثم يظهر توظيف الإنتاج الجمالي على هيئة «نرجسية مزدوجة»، وأبرز ما يعبّر عن أهمية النرجسيّة الصورة الاستيهامية التي ترسخ في البنية الذهنيّة الفرديّة، وهي الرجوع إلى «حضن الأم»، وهذه الصورة هي التي تسم الوضعية النرجسية.

تتحول الرغبة في الشيء إلى شيء آخر عندما يخسر الشخص اللذّة التي يجنيها من هذه الرغبة، ومثال على ذلك تبادل الهدف الجنسي مقابل هدف متسام، والنرجسية تكسب الجولة جزئياً حين تكون البنية النرجسيّة خاضعة للآخر، وبهذا الخصوص تستحق مواضيع الإبداع الفني صفة ما تتعدى النرجسي، ويحصل ذلك عندما يتم تفعيل التواصل بين نرجسيّة المنتج، ونرجسيّة المستهلك من خلال العمل الأدبي (1).

تعتبر حوافز الإبداع محسوبة على آلية الدفاع، أو على تشكل التسوية على اللذة النرجسيّة، أو على تسامٍ ناجح على الانتصار على الاستقلالية المنتجة ضد الأب، أو الخضوع له، أو على الالتجاء إلى حضن الأم، أو الانتقام منهما، ويعتبر التحليل النفسي أن الفنان والعصابي يحلمان لكنّ أحلام العصابي هي أحلام في الهواء، أما الفنان فهو القادر على تحقيق حلمه وجعله حقيقة، لكنّها حقيقة من نوع آخر، حقيقة جمالية، فالتجربة الجمالية تعتمد على الشكل أكثر منها على المضمون، والفنان والمستمتع بالجمال كلاهما يشحن الشيء الجميل نفسيّاً، ويطلق شحنة نفسيّة، بمعنى يصرفها، وهو عمل لذيذ في حد ذاته، والفنان وهو يبدع يصرّف الطاقة بعد الطاقة، وكذلك المستمتع في تصوره للعمل الفني واستمتاعه به يخلص نفسه من الكثير من التوترات ويستعيد توازنه (2).

ويعود التشابه بين الحلم والعمل الإبداعي إلى كونهما ينبعان من مخزون اللاشعور، وبما أن الحلم هو بالضرورة حامل لرغبات اللاشعور فالأمر ينسحب على الأثر الفني الذي هو الآخر بالضرورة حامل لمعانٍ، ودلالاتٍ عميقةٍ، ومشاعر، وتناقضات، وصراعات خفية، وغالباً ما تتستر هذه التناقضات التي تختزن العمل الفني وراء مكوّنات، وتركيبات، وأقنعة ظاهرة خارجية، وتكون علاقتها بالداخل الخفي كعلاقة الوعي والإدراك باللاوعي والتخيّل أو الحلم.

يتناول هذا الكتاب علاقة التحليل النفسي بالفن عموماً، وببعض العلوم كالعلوم اللغوية واللسانية، وعلم النفس الاجتماعي...إلخ، ولكنّنا خصصنا القسم الأكبر من هذه الدراسة لعلاقة التحليل النفسي بعلم الأدب.

نستعرض في هذا الكتاب مدارس التحليل النفسي الأدبي، ونضع الحدود الفاصلة بينها من أجل إزالة الإبهام والفوضى اللذين تعيشهما تلك المدارس بسبب سوء معالجتها من بعض المؤلفات التي دخلت هذا المجال، وزادت الطين بلة لأنها تناولت قضايا التحليل النفسي للأدب بطريقة مشوهة، أو منقوصة، إذا أحسنّا النظر إليها!

وإن كان هذا الكتاب مخصصاً في الأصل للباحثين، ولكل متخصص في هذا المجال إلّا أنّه يمثل معيناً للطلبة الجامعيين، كما يمثل هذا الكتاب مصدراً غنيّاً لكل راغب في التعرّف إلى قضايا التحليل النفسي الأدبي، وهو ضرورة لكل طالب معرفة لما تضمنه من تفسيرات، وشروحات لا تتوافر في غيره من المراجع المختصة، وهو يسد حاجة ملحة للطالب والباحث كليهما لما يتضمنه من شمول، وسعة، وتحديد واضح بين المدارس، تمكّن الباحث من الاعتماد عليه في الشرح والتفسير، ومن أجل تعميم الفائدة اعتمدنا في تأليفه على لغة سهلة ميسّرة، وحاولنا قدر الإمكان الابتعاد عن المصطلحات المعقدة عبر تبسيط مضمونها مع الحفاظ على دلالاتها، ولذلك قمنا بشرح ما ورد منها في المتن في هوامش واضحة غير ملتبسة، كما اعتمدنا منهجيّة الأبواب في تبويبه، ولهذا عالج الباب الأول منه مبادئ التحليل النفسي في ثلاثة فصول استعرض الفصل الأول أهم المبادئ التي قام عليها التحليل النفسي الفرويدي، واستعرض الفصل الثاني أهم مدارس التحليل النفسي من أدلر إلى يونغ ورانك أوتو... ودرس الفصل الثالث العلاقة التي تربط علم النفس ببعض العلوم الأخرى ومنها علم الاجتماع، ودرسنا في الباب الثاني التحليل النفسي الأدبي في فصلين عالج الفصل الأول منهما، قضايا مدرسة التحليل النفسي الأدبي التي اعتبرت الأدب نتاج لاشعور كاتبه، وبحثنا في الفصل الثاني التحليل النفسي الأدبي الذي اعتبر أن النص يمتلك «لاوعياً» خاصّاً به، ومن أجل أن تكتمل الفائدة من هذه الدراسة قمنا في الباب الثالث بتطبيق مناهج مدارس التحليل النفسي الأدبي على بعض الأعمال الأدبية العربية، فدرسنا في الفصل الأول تحليل النص على أساس اللاشعور، وفي الفصل الثاني حللنا بنى النص وفق منهج اللاشعور الجمعي، أمّا الفصل الثالث فلم نحصره بمنهج محدد بل قمنا بإدماج المدارس النفسية جميعها وعالجنا النص الادبي على أساس هذه المناهج النفسية المتنوعة.

وقع اختيارنا على بعض النصوص العربية الحديثة لتكون مجالاً للدراسة النفسية/ الأدبية بسبب اعتقادنا أن الأعمال الإبداعية العربية لم تجد التحليل النفسي الكافي بينما النصوص الأدبية العالمية قد أشبعت بحثاً وتحليلاً من قِبل كبار المحللين، وتمتلئ رفوف المكتبات بمصادرها ومراجعها، وكان لا بدَّ من وضع خاتمة نذكر فيها ما توصل إليه بحثنا هذا من محصلات، وأتبعنا الخاتمة بلائحة المصادر والمراجع التي اعتمدنا عليها في هذه الدراسة.

أخيراً نأمل أن يكون هذا الكتاب قد سد ثغرة في المكتبة العربية، ومن الطبيعي أننا لا ندعي الكمال لعملنا هذا، لكن الذي يعزينا عن أي نقص قد يكون لحق بهذا العمل هو أن النقص من سمات عمل البشر، ومهما نشد الفرد منّا الكمال، وسعى إليه فإن عمله يبقى ناقصاً لأن الكمال لله وحده.

بيروت في أيّار 2011

الدكتور إبراهيم نظام الدين فضل الله

الصفحات