أنت هنا

قراءة كتاب علم النفس الأدبي مع نصوص تطبيقية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
علم النفس الأدبي مع نصوص تطبيقية

علم النفس الأدبي مع نصوص تطبيقية

كتاب " علم النفس الأدبي مع نصوص تطبيقية " ، تأليف د. إبراهيم فضل الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

يعتبر فرويد أن النشاط النفسي عند الإنسان يتضمن عمليات نفسية تتدرج في قسم أعلى يكون على السطح، وهذا القسم يطلق عليه اسم الشعور، وهناك قسم آخر يليه هو ما قبل الشعور، أما اللاشعور فيجب أن يمر في مرحلة قبل الشعور قبل أن يصبح شعورياً، فاللاشعور مترسب في أعماق النفس، ويصادف مقاومة عنيدة قبل أن يفلت من الكبت ويتمكن من الخروج من الأعماق إلى السطح حيث الشعور.

1 ـ الشعور

يعتبر الشعور حدساً «تمتلكه النفس عن حالاتها وأفعالها، فالإنسان في حال الشعور يكون في نشاط وعمل، ويتصرف في صورة من الصور التي نعرفها بأشكال شتى تمثل الإدراك والفهم، والتفكير، والتعليم، والانتباه، والانتقاد، والتذكر، والتعرُّف، والتخيّل... إلخ، وتعبّر كل هذه الأشكال عن جهاز الإدراك الحسي، ويختزن هذا الجهاز ثلاثة عناصر هي: الإدراك، الانفعال، الإرادة (9).

تتضح لنا من خلال هذا النص العناصر المكوّنة للشعور على الشكل الآتي:

يريد زيد أن يتكلم مع سعيد فينشغل الأول بإجراء الكلام، وينهمك في إدارة النقاش، وينتبه الآخر ويحاول إدراك الكلام وفهمه ثم ينفعل معه سلباً، أو إيجاباً.

نتبين من هذا المثل أن:

العنصر الأول: هو الإرادة التي تمثلت هنا بإرادة الاستماع إلى الكلام من قبل سعيد.

العنصر الثاني: هو الإدراك وقد تبيّن من خلال إدراك الكلام من قِبل سعيد وفهمه.

العنصر الثالث: الانفعال وحصل من خلال انفعال سعيد مع الكلام سلباً أو إيجاباً.

وتقترب هذه الحالات الشعورية في بعض الأحيان من مستوى ما قبل الشعور، كما يحصل لنا عندما نتذكر، أو نفكر، ونحن في حلم يقظة أو في حلم نوم، كما أننا في حالات الإبداع والتخييل لا نكون دائماً في حالة شعور تام، وإنما نقترب كثيراً من حالات ما قبل الشعور، وقد ننزلق إلى حالات اللاشعور، وهكذا نجد أن خبراتنا الشعورية تزيد في تراثنا اللاشعوري ومكنونات النفس، وما نختبره في الحياة يوسّع من آفاقنا، ويقوي من شخصيتنا، وكلما اتسعت آفاق اللاشعور زاد تأثيره الحسن في شعورنا، وأصبحت استجاباتنا أكثر كفاءة، وإدراكنا أكثر جودة، وتقوم الفرضية الأساسية للتحليل النفسي على التمييز بين ما هو شعوري، وما هو لاشعوري، وبدون هذا التمييز لا يمكن فهم مجريات العمليات النفسية.

2 ـ ما قبل الشعور

لا يقتصر ما قبل الشعور في التحليل النفسي المعاصر على العناصر الكامنة التي في طريقها إلى الشعور، ولكنّه يتضمن عناصر تراوح بين عمليات التفكير المجرد، والأكثر منطقية، وبين العمليات التخييلية الأكثر بدائية، ويعتبر ما قبل الشعور جهازاً نفسياً يقع ضمن دائرة مبدأي اللذة والواقع، وهو يمثل حلقة في المتصل بين الشعور واللاشعور، وهو يتوسط بين الهو، والعالم الخارجي (10).

3 ـ اللاشعور

يشبه اللاشعور الحمم البركانية التي تعمل داخل الجبل، وعدم ظهورها لا يعني أن الجبل خال منها، أو أن هذه الحمم لا تعمل وتتحرك، ونحن لا نعلم بوجودها إلا حين تنفجر بركاناً هادراً على سطح الأرض، والإنسان كالجبل يحفظ في داخله الشيء الكثير في نفسه من ذكريات قد نسيها مع مرور الزمن، أو تجارب مرّت معه في مراحل متقدمة من عمره، أو علوم كان قد أتقنها ولا يحتاج إليها في اللحظات الراهنة، أو صدمات شفي منها، أو لم يشف منها بعد... إلخ، وتبقى كل هذه الأمور التي ذكرناها مستقرة دوماً في أعماق النفس، كما أن الكثير مما ننساه ولانستطيع أن نتذكره يظل مترسباً داخلنا، وهذا ما يطلق عليه اللاشعور (11).

إن كلمة النفي (لا) في مصطلح اللاشعور لا تعني أكثر من أن الشيء غير مشعور به، أي إن الإنسان لا يعيه في لحظته الراهنة في شعوره، ولكن ما لا يعيه الإنسان في أية لحظة هو مخزون في وعاء موجود في أعماق النفس، والأعماق مصطلح يقابل مصطلح اللاشعور بالنسبة إلى التحليل النفسي، ومن هنا كانت الأمور المنسية أو غير المشعور بها أموراً غير معدومة. فاللاشعور موجود وإن كنّا لا نعيه ولا نستطيع أن نرفعه دائماً إلى مستوى الشعور لكنّه محفوظ في مستويات دنيا من وعاء النفس بدليل القدرة على الوصول إليه عندما نشاء، أو عندما تقوم الحاجة إليه (12).

تطفو مكامن اللاشعور على السطح أحياناً في زلات اللسان، أو في الأحلام، ومن الأمثلة على وجود اللاشعور نورد حالات التذكّر، ومن هذه الحالات أننا عندما نقابل شخصاً لأول مرة في حياتنا، ونتعرف على اسمه، وشكله، وصفاته، ومهاراته، وهوايته ... إلخ، ومن ثمّ تمرُّ فترة طويلة أو قصيرة، ويغيب كل شيء عنه في فكرنا، ويطويه النسيان، ولا نكاد نعلم به في شعورنا لكن مهما كان من أمر البعد بين شعورنا وبين هذا الشخص فإنه يبقى دفيناً في أعماق النفس، وإذا صودف يوماً أن قابلناه، أو ذكر اسمه أمامنا، أو بعض خلاله، أو شاهدناه في الحلم فإن ذكراه تظهر رويداً رويداً، ولا يعود لنا ذلك الاسم المجهول، وتنطبق على هذه القاعدة ذكريات الطفولة البعيدة أو القريبة (13).

ويعتبر فرويد أن اللاشعور هو كل ما ليس شعورياً، وقد أثبت التحليل النفسي أن محتويات العقل لا تقبل الاختزال إلى الشعور الخالص، وأن بعضها لا يمكن الشعور به إلا بعد التغلب على بعض المقاومات، وأن الجزء غير المشعور به له من الفاعلية ما ينجم عنه ظهور الأعراض المرضية النفسية، وقد ثبت أن اللاشعور يشكّل حيّزاً يتعين علينا أن نتصوره باعتباره نظاماً له محتوياته، وطاقته الخاصة به، وعملياته الأوليّة، وبعض محتويات اللاشعور أولي مكبوت، وبعضها مكبوت يجهد في العودة إلى الشعور، ولكن هذا المكبوت يجب أن يمر أولاً بما قبل الشعور حتى يتمكن من الوصول إلى الشعور (14).

ويذهب فرويد إلى أن الأفكار تكون لاشعورية طالما كانت مادتها غير معروفة، وإذا ارتبطت الفكرة بالصور اللفظية المطابقة لها صارت قبل شعورية، وهذه الصورة كانت في وقت ما إدراكات حسيّة، وتحولت إلى آثار في الذاكرة، ومن ثم تستطيع كأي شيء في الذاكرة أن تصبح شعوريّة مرّة أخرى، وكل شيء كان إدراكاً حسيّاً شعوريّاً يستطيع أن يكون لاشعوريّاً، وأي شيء يأتي من اللاشعور، ويحاول أن يصبح شعوريّاً يجب أن يتحول إلى إدراكات حسيّة بفضل الآثار الباقية في الذاكرة.

وتجتمع في اللاشعور الأضداد، والمتناقضات بلا منطق، ويكون اللاشعور فردياً أي على المستوى الفردي، ويكون اللاشعور مشتركاً بين أفراد الجماعة البشرية، ويسمى حينئذ اللاشعور الجمعي (15).

الصفحات