كتاب " علم النفس الأدبي مع نصوص تطبيقية " ، تأليف د. إبراهيم فضل الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب علم النفس الأدبي مع نصوص تطبيقية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

علم النفس الأدبي مع نصوص تطبيقية
ثالثاً ـ نظريّة الليبيدو
يطلق مصطلح "الليبيدو" على مجموع الغرائز المكبوتة للطاقة النفسيّة، والمنصرفة لأي نشاط بدني ونفسي، والليبيدو هو الطاقة الراغبة، وهي متصورة على أساس حلقة من الدفعات، وتقع هذه الدوافع على المفترق الجسدي والنفسي، والدوافع لا تدرك حتى ولا توجد إلّا من خلال تأثيرين هما:
أ ـ المؤثر: وهو عبارة عن الرضى أو الرفض.
ب ـ التمثلات اللاواعية: وتعني أن يتمثل الشخص شيئاً في داخله ويبقى ذلك محفوظاً على هيئة آثار تذكّرية (44).
فالليبيدو هو تمثيل الممثل أي الدافع الغريزي، والدوافع الغرائزية هي عبارة عن الجسد الفيزيولوجي التشريحي، ولكنّه متمفصل حول وجود العالم الخارجي، وحول الاحتفاظ بوجوده الخاص، ومزود بشكل فكري من السيرورات الأوليّة التي تجهل الزمنيّة، ومن هذه السيرورات تأتي دوافع الغرائز التي هي عبارة عن ميول قادمة من (التحتوعي) أي من الهو، وتطالب بتحقيق حاجة معيّنة (45).
وعلى سبيل المثال:
يشعر الشاب (ب) بانجذاب نحو الشابة (ج) بدون أن يصرّح بانجذابه. نجد في هذا المثال أن الغريزة الجنسيّة هي الهو، والدافع هو ذلك التوجه لهذه الغريزة نحو تلك الشابة بذاتها، والكبت هو الامتناع عن التصريح، وحتى التفكير فيها، وعندها تنزلق هذه الرغبة إلى اللاوعي (46).
يعرّف فرويد مصطلح الليبيدو بأنّه معادل للطاقة النفسيّة عموماً، أو للطاقة النفسيّة المنصرفة في الغريزة الجنسيّة تحديداً:
«حين نميّز بين طاقة الليبيدو وبين كل طاقة نفسية أخرى، نفترض أن السيرورات الجنسية في العضوية تتميّز عن وظائف التغذية بكيماوية خاصة، وقد بيّن لنا تحليل الانحرافات، والأعصبة النفسية أن هذا التهيج الجنسي، لا ينبع فقط من الأجزاء التي تسمى تناسلية بل كذلك من سائر الأعضاء، وبذلك ننتهي إلى تصور كم ليبيدوي نسمي ممثله النفسي (ليبيدو الأنا)، وإنتاج هذا الليبيدو، وزيادته، ونقصانه، وتوزيعه، وتنقلاته، وهذه الحالات جميعها هي التي يفترض بها أن تمدنا بوسائل تفسير الظاهرات الجنسية النفسية" (47).
ويتابع فرويد شرح نظرية الليبيدو:
«إن ليبيدو الأنا لا يقع في متناول التحليل إلّا متى استحوذ على مواضيع جنسية فصار ليبيدو الموضوع، وعندئذٍ نراه يتركز على المواضيع، ويتثبت عليها، أو يهجرها إلى غيرها، ويتحكم من المواقع التي استولى عليها في النشاط الجنسي للأفراد، ويقود هذا النشاط في خاتمة المطاف إلى الإشباع أي إلى انطفاء جزئي ومؤقت لليبيدو... أما فيما يتصل بالليبيدو الموضوعي فيتبين لنا أنه انفصل عن مواضيعه وبقي معلقاً في حالة خاصة من التوتر ثم لا يلبث في نهاية الأمر أن يرتد إلى الأنا ليعود ثانية ليبيدو أنوياً، ونحن نطلق أيضاً الليبيدو الأنوي بالتعارض مع الليبيدو الموضوعي اسم الليبيدو النرجسي» (48).
إن حاجات الإنسان ورغباته يمكن أن ترد جميعها إلى غريزتين يشترك فيهما أفراد النوع الإنساني جميعاً، وهما: غريزة الحياة، وغريزة الموت أو العدوان، وبذلك يميز فرويد بين نوعين من الليبيدو:
أ ـ الليبيدو الإيروسي
الليبيدو الإيروسي هو النشاط الذي يؤكد معنى الحياة، ويدعم الذات، ويحافظ على الأنا، ويكون به التكاثر وممارسة الجنس، وتتضح معالم هذا الليبيدو الإيروسي في غريزة محافظة الإنسان على نفسه وعلى النوع الإنساني من خلال الكفاح في الحياة، وفي البناء، والإنشاء والخلق، ويحتضن هذا الليبيدو المركّب غرائز التماس الطعام، والغريزة الجنسية، وغرائز الدفاع والقتال والمقاومة (49)، وكل جهد يقدمه الإنسان من أجل الدفاع عن مبدأ ما، أو قضية ما، أو من أجل الابتكار، أو الاكتشاف، أو البناء، أو التعمير... إن كل هذه الجهود تكون مدفوعة بغريزة الحياة أي بالليبيدو الإيروسي أي الغريزة الجنسية التي لا تبزغ فجأة في سن البلوغ، وإنما تكون هذه الغريزة يقظة ونشطة وفعّالة منذ الميلاد، ولا تقتصر وظيفة هذه الغريزة على التناسل، وإنما تمتد وظيفتها لتصبح مرادفة لمفهوم الحب بأوسع معانيه. فهي تتضمن الحب الجنسي وما يهدف إليه من اتحاد جنسي، كما تتضمن حب الذات، وحب الوالدين والأولاد، وحب الأصدقاء، وحب الإنسانية جمعاء، هذا إلى حب الأشياء، والتعلق الحميم بالمبادئ، والأفكار والمعتقدات والمقدسات... فكل هذه الميول تعبّر عن غريزة واحدة، وبعبارة أخرى لم يقصر فرويد الغريزة الجنسية على الميول الجنسية النوعية بل جعلها تشمل إضافة إلى هذه الميول كل ألوان المودة والمحبة، والتقرّب، والتعلق بمختلف صوره، كما اعتبر الجنسية غريزة الحياة لأن الجنسية حب، ومودة، وعلاقات إنسانية، وتصدع الجنسية يعني الكراهية والتدمير أي يعني الموت النفسي والاجتماعي (50).
ب ـ الليبيدو الثاناتوسي
وهو النشاط الهدمي الذي يتجه بالحياة إلى اللاعضوية أي الفناء والموت، ويتوسل غريزة الموت والعدوان، وتبدو مظاهر هذه الغريزة في الهدم والتدمير والاعتداء على الآخرين وعلى أنفسنا (51).
إن الدوافع العدوانية هي دوافع غريزية موروثة، كالجوع والعطش يحتمهما التكوين العضوي للإنسان، ولذلك فهذه الدوافع العدوانية هي عامة بين البشر جميعهم على اختلاف حضاراتهم وعصورهم، وهذه الدوافع فطرية في بني آدم، فالإنسان يكره أخاه الإنسان بالفطرة، فوراء المحبة الظاهرة بين الناس عداء كامن مستور، وليست طيبة الإنسان إلا وهماً وخرافة، وما دام العدوان مظهراً لغريزة، فلا بدَّ أن يشبع كل وسيلة، ولذلك نجد أن الظلم من شيم النفوس، والإنسان لا يعتدي لمجرد دفع الأذى عن نفسه، أو لإزالة العقبات المادية والمعنوية التي تحبط دوافعه، وإنما يقوم بالعدوان لأن العدوان شهوة عنده تطلب لذاتها، فالعدوان في حد ذاته ما هو إلا غاية، ولا بدَّ أن يجد هدفاً ينصب عليه سواء كان هذا الهدف ظالماً أو مظلوماً (52).