أنت هنا

قراءة كتاب بالأحضان يا بلدنا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بالأحضان يا بلدنا

بالأحضان يا بلدنا

كتاب " بالأحضان يا بلدنا " ، تأليف أحمد علبي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

وما زال صاحبنا يطرق أَبواب الشَّمال، فها هو يمضي في الپولمان مستعرضاً: أَميون ـ كُوْسبا ـ حَدَث الجبّه؛ والتي اصطاف فيها لسنواتٍ ثلاثٍ قبل الحرب الأهليّة؛ وها هو يراها، شتاءً، بعد طول انقطاع، وقد غمرها الثلج ببياضه الناصع. ثم هناك الدِّيْمان، حيث يرتاح صيفاً الرجل الكبير البطريرك صفير، وهو يعتلي هذه السُّدَّة التاريخيّة منذ عَقْدين. ونصل بعد ذلك إلى حَصْرون ـ بَزْعون؛ إلى أن نبلغ المفترق، على اليسار، الذي ندلف منه مشياً، لنخترق هبوطاً وادي قنُّوبين حتّى أسفله البعيد.

بماذا أُحدّثكم وماذا أَروي لكم؟ إنّ التعرّف إلى كلّ تلّةٍ أو حَنِيّة أو صخرة أو وادٍ أو منعطف، يشتمل عليها هذا الوطن، الصغير بحجمه، الكبير بأَهله، الغزير بجمالاته، الطافح بمواهبه؛ هي مواضع لهفتي واحتفائي. وماذا تُرانا نحتفل، في القاعات الكبرى، من حينٍ إلى حين؟ أليس بباقةٍ من النوابغ في وطن تطلع فيه المواهب كالرياحين، فيزدان بها ـ كما تزدان طرقات «شانَيْه» الفرعيّة، وهي المَصِيْف الذي أَلوذ به، تزدان بأَزهار الختميّة الطالعة، من تلقائها، بكوكبةٍ من الأَلوان الزاهية.

خُذُوني إلى طورزيّا ـ إهمج ـ اللقلوق. خُذُوني إلى العاقوره ـ المنيطره ـ أَفقا. خُذُوني إلى غزير ـ الكفور ـ يحشوش ـ وادي أدونيس. خُذُوني إلى الغِيْنِهْ، حيث الثلج يتهاطل شتاءً كالورود؛ أو إلى أَعالي البترون، حيث يخيّم الجمال ويزهو؛ أو إلى حالات، على البحر، حيث يقيم الموج هامساً موشوشاً.

حبّي لهذا الوطن لا حدود له، أَكان المطرح شَمالاً، أو بِقاعاً، حيث كامد اللوز ـ السلطان يعقوب ـ الخياره؛ وحيث العَقَبه ـ بيادر العدس ـ راشيّا الوادي؛ وهناك تنعقد الدبكة حاميةً في مقهى ليالي وادي التَّيْم. هو حبّ لا يتجزّأ، سواءٌ أَكنتُ في الروضة البِقاعيّة أم في معاصر الشوف، أَصعد منها إلى أَرزها، وأَنحدر من هناك هابطاً بحدّة إلى كفريّا ـ خِرْبة قَنَفار؛ حيث تطالعك الزراعة المتأنّقة، وحيث تحسَبُ نفسك في بُقعة أوروپّـــيّة الملمح.

هذا موطن كقطعة السكّر، تلتقطها بلسانك فتجدها زاكية الطعم من جوانبها كافّةً. هل قصدتَ جزّين، ومن هناك مشيتَ إلى كْفَرْحونه ـ عرمتى ـ الرِّيحان ـ العَيْشيّه؛ وأطللتَ على مناظر طبيعيّة تأخذ بالأَلباب؟ ولديك خِيار آخَر، وهو أن تمضيَ، قبل ولوج جزّين، إلى ضهر الرمله ـ حيطوره ـ زحلتا ـ جباع ـ عين بوسوار، حيث مياه نبعها متعة ودواء. ولك أن تتابع المسير، بعد الارتواء، إلى جرجوع ـ عَرَبصاليم ـ حبُّوش. وإن شئتَ أن تتناول المآكل الجنوبيّة، وقد أوصيتَ عليها هاتفيّاً، فلك أن تقصد المقهى المحاذي لقلعة الشقيف، وأدناها أرنون، والتي لم يَدَعِ الاحتلال الإسرائيليّ منها سوى الأَطلال!

هو وطن بديع، مبدع، ربيعيّ الأَعطاف؛ ولكنّه مبتلى بعلّة، وهي الطائفيّة البغيضة؛ فلو أنّه عرف السبيل إلى مداواتها بالديمقراطيّة الراقية الحقيقيّة، لغدا جنّة الوطن العربيّ الفسيح.

(2006)

النبع السرّيّ

تنوشك الذئابُ من غير جانبٍ، وتنهش في جسدك البهيّ عصاباتٌ وقُطْعان؛ وأنت، شأنَ الأسطورة، تلثم الجراح، يا وطني، وتضمّد النَّزْف، وتبرأ من القَيْح، وتطفر مثلَ مُهْرةٍ ناشطة، وتأرَجُ بالصمود والمقاومة، وتختطّ للمستقبل درباً هو الأمنيّة والمُحال اختلطا واقترنا. فأيّ هَجَساتٍ عجيبة يختزنها شعبك، وأيّ تطلّعاتٍ جريئة تعتلج في صدرك الصابر الطموح؟

الصفحات