أنت هنا

قراءة كتاب بالأحضان يا بلدنا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بالأحضان يا بلدنا

بالأحضان يا بلدنا

كتاب " بالأحضان يا بلدنا " ، تأليف أحمد علبي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

«الوَرْدانيّة» أو الرحلة الانطباعيّة

عند الطرف الجنوبيّ لإقليم الخرُّوب، على مقربة من الساحل، فوق «الرميله»، وعلى علوٍّ متواضع يبلغ الثلاثمائَةِ والخمسين متراً فوق البحر، تقع «الوَرْدانيّة»، مطلّةً، على ظمأ المَشُوْق، على هذا «المتوسّط»، تتخلّل ساحلَهُ الزُّرْقةُ بتدرّجاتها اللونيّة. وكيفما قلّبتَ نظرك هناك فأنت واقع على خُضْرة حقولٍ مضيئة، وعلى قِرْميدٍ أَحمرَ تعتمر به المباني الحجريّة الجميلة الحديثة. حتّى إذا ما صعّدتَ، في أَعالي هذه البلدة الخرُّوبيّة، أطللتَ من شاهقٍ على الوديان والمرتفعات، وعلى القرى المنتثرة، مثل «الجميليّه» و«المغيريّه» و«مزموره».

الوردانيّة نفسها نظيفة عامرة؛ على أنّ شوارعها الداخليّة ضامرة الخصر، مسوَّرَة الجَنَبات، نحيلة، بحيث تصلح لأنّ تسلكها الخيول أو الدرّاجات الهوائيّة والبخاريّة، فهي تضيق على مرور السيّارات بالاتجاهين معاً. وعندما اجتزنا بالسيّارة باحة صغيرة جدّاً، ضائعة الشكل، مبعوجة، أخبرني مُضِيفي، وهو صديق حميم، أنّها ساحة البلدة، فأجبته لتوّي ضاحكاً: إنّها الساحة الحمراء!

إنّ إقليم الخرُّوب، واقع بين نهرين: نهر الدامور في الشَّمال، ونهر الأَوّلي في الجنوب؛ وهذا يفصل الإقليم عن صيدا وبساتينها وعن إقليم التفّاح وسائر قضاء جزّين. وإقليم الخرُّوب هو الجزء الأَسفل من الشوف المسمَّى السويجاني. ومنذ سنوات وأنا أَبحث عن أصل هذه التسمية، التي قرأتُها لأَوّل مرّة في بعقلين، حيث لمحتُ آرمة لمقرّ اتحاد بلديّات الشوف السويجاني. حتّى طالعت مؤخّراً، في «تاريخ إقليم الخرُّوب» لمحمّد حسين الميسو الحجّار (ص 15)، والمطبوع سنة 1978 في مزرعة الضهر لدى مؤسّسة البيادر؛ وذلك نقلاً عن كتاب «مجمع المسرّات» لشاكر الخوري (بيروت 1908)؛ من أنّ النسبة تعود إلى بني سويجان الذين وفدوا على لبنان، ونزلوا الشوف فحمل اُسمهم. وهناك القسم الأَعلى من الشوف، وهو الشوف الحيتي، ويضمّ باتر ونيحا وبتلون والباروك وعين زحلتا وعين داره. ولا أَدري مبعث النسبة. وكان هناك سابقاً الشوف البيّاضي، ويشتمل على المريجات وبوارج وقب الياس، ومركزه زحله. ودُعي بالبيّاضي نظراً لبياض التربة والصخور في زحله وضواحيها.

لشدّ ما كانت الأَيّام الثلاثة، المقتَطَعَة من عيد الفِطْر، والتي أَمضيتها في الوردانيّة وجوارها، عابقةً بالبهجة وبضروب الحوار الثقافيّ الماتع، ينعقد حول موضوعات متفارقة متجانبة متداخلة؛ ولا يغيب عنها الفنّ التشكيليّ بخاصّة، فمُضيفي، علي شمس، فنّان نابه شهير ذو باعٍ جليل في الرسم والتلوين. وعندما شاهدتُ مائيّاته التي أنجزها في العام 2005، مستوحياً إيّاها من الطبيعة في الإقليم ودير القمر، اجتاحني دَفْقٌ من الإعجاب يخالطه دَفْقٌ من السكينة والغِبْطة الداخليّة. فالفنّ الراقي، والمائيّات (أَكوارل) في التشكيليّ ربّما هي الأَكثر صعوبةً ودلالة ورهافة، يستنهض عندنا مكامن الروح الغافية، ويهزّ كياننا، فإذا به ينداح في نشوةٍ صوفيّة بالغة الطرب. وأيقظتْ أَعمال صديقي الفنّيّة، الشفّافة النَّضِرة، أيقظت في صدريَ بدائع المدرسة الانطباعيّة؛ هذه التي شاهدتُها، ذات عامٍ غابر، في مُتْحفٍ مخصّص لها في العاصمة الپاريسيّة، على مقربة من المِسلَّة المِصْريّة، في الشانزليزه.

(2006)

الصفحات