كتاب " الإيمان " ، تأليف د. إبراهيم كوكباني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الإيمان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الإيمان
المدخل
إن كتابة هذه القصة مع سرد وقائعها ترمي إلى إعلام الخلف عما أتاه السلف من مآثر جليلة بفضل إيمانه الراسخ والوطيد، المبني على إرادة صلبة وعزيمة لا تهون ولا تضعف.
إنها قصة واقعية، مستمدّة من الحياة الريفية البسيطة والمعاشة في محيط قروي يبقى، رغم ضيق آفاقه، متسماً بالطيبة والنخوة، بالاندفاع والمسامحة، تعتريه أحياناً مشاكل عابرة، ما تلبث أن تزول بعد معالجتها بأقل ضرر ممكن. وإن أبطالها لحقيقيون، إنما آثرت استعارة أسمائهم كي لا أحرج الأحياء منهم .
شئت من كتابة هذه القصة التأكيد على أمرين اثنين:
- الإقرار بأن قوة الإيمان الكامن في وجدان المؤمن، تخوّله اجتراح العجائب. ألم يقل السيد المسيح: إذا كان لديكم إيمان بمقدار حبة الخردل وقلتم لهذا الجبل أن ينتقل إلى البحر فينتقل؟
- الاتعاظ بأحداث هذه القصة، خاصة أننا نعايش عالماً كثرت فيه البدع والفلسفات وقلَّ الإيمان بالله، وأضحى مجتمعه ممزقاً تسوده الخلافات التي قلّما تجد سبيلاً لحلها، دون مراعاة المصلحة الذاتية. لقد أضحت المادة، خاصة المال، دين الإنسان وديدنه، هذا الإنسان المركّب من جسد وروح، أي من مادة مركبة فانية، وروح بسيطة أبدية ترجع في النهاية إلى موئلها الأساس لتأدية الحساب أمام باريها.
المقدمة
1- ما هو الإيمان؟
الإيمان هو الاعتقاد بحقائق ثابتة كوّنها العقل وأقرّها القلب ليجاهر بها قولاً وممارسة دون وجل أو محاباة.
يُعتبر الإيمان بمعناه العام فضيلة طبيعية تنبع من إرادة المؤمن الذي يسعى دائماً إلى حفظ العهود المبرمة، والبرّ بالوعود المقطوعة، كتلك التي تتعلق بالشرف والمثالية، بالصدق والأمانة. أن هذا العمل الإرادي نابع من ذات المؤمن، من عقله الفعّال الذي يملي عليه أفكاراً ومعتقدات ثابتة لا تتحمل الجدل أو المناقشة، تستمدّ قوة إثباتها من تلك المرجعية التي قطعتها أو وعدت بها.
أمّا الإيمان بمعناه اللاهوتي الوضعي، فهو فضيلة فائقة الطبيعة وهبها الله الإنسان ليقرّ ويعترف بحقائق راسخة تعلّمها الجماعة وتقول بها الشرائع والأديان.
لذلك، يُعتبر الإيمان، في الحالة الأولى، عملاً إرادياً ناتجاً عن جهد فكري يؤدي إلى قناعات ذاتية مكتسبة بفضل هذا الجهد، بينما يظلّ في الحالة الثانية هبة آلهية ترسّخت عند المرء دون أي عناء فكري يُذكر؛ فهو متلدٌ فيه أصلاً، يفوق العقل البشري إدراكاً، ويطبع مسيرة صاحبه من المهد حتى اللحد، ليحسن صنيعاً أمام الله ويستحق في النهاية التمتع بحضرته الإلهية.
ينبع الإيمان من الاعتقاد:
أ- بأن الله هو واجب الوجود، غير محدود في الزمان والمكان، بحيث لا يستطيع الإنسان، هذا المخلوق المحدود بكيانه وعقله، أن يفقه ذات الله اللامتناهية، لأن الصغير لا يمكن أن يستوعب الكبير، إنما العكس يظل صحيحاً.
ب- بأن الله هو روح محجوب عن الفكر البشري، الذي لا يمكنه التوصّل إلى استشرافه إلا بابتداع طرق فكرية تؤول إلى صياغة براهين تثبت وجوده، ماهيته وطبيعته؛ ولا يمكن هنا الركون إلى البراهين الحسية القابلة للتبدل والتغيير بحسب الظروف والأحوال.
ج- بإمكانية التوصّل إلى إثبات وجود الله بواسطة مقاربات عقلية تأخذ بالحسبان معطيات مختلفة (كطرق مار توما الأكويني)، إلاّ أن ذلك يتطلب توفر فضائل عدة منها: الأمانة، المنطق السليم والتواضع، فهذه قد تؤدي إلى فهم كنهه كواجب الوجود وعلّة الخلق ومدبّر الأكوان.