أنت هنا

قراءة كتاب الإيمان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإيمان

الإيمان

كتاب " الإيمان " ، تأليف د. إبراهيم كوكباني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

الفصل الرابع

الخطيفة

ذهب مخول لزيارة فيليب، وهو من القلائل الذين يملكون سيارة أجرة في القرية، فأبلغه، بعد أن استحلفه بكتم الأمر، بمخطط الخطيفة، وطلب منه أن يكون جاهزاً في سيارته عصر ذلك اليوم، وأن يوافيه إلى الموقع المعروف بشقيف العروس، ثم اتصل بعمته أم عجاج القاطنة في القرية المتاخمة، وطلب منها إيواءه مع المخطوفة سحابة ليلة ليتمكن من إجراء الاتصالات اللازمة لإقامة مراسم الزواج، فرحّبت هذه، وأبقت الأمر سراً إلاّ على زوجها وابنها عجاج، ثم أرسل بطلب الصديقة المشتركة لإفهامها بتفاصيل المخطط والتوقيت، ومكان الانتظار.
ذهبت الصديقة بخفَي حنين لملاقاة آمال وهي تحمل هذه التفاصيل، فدخلت البيت في زيارة عادية لا يبدو على وجهها أي ارتباك أو مناورة، ثم تعمّدت النصح أمام الحضور قائلة لآمال: الدنيا قسمة ونصيب، راح واحد، سيأتي بعده ألف... لازم الواحدة تكون قنوعة وتعرف أين هي مصلحتها...
ثم غمزت آمالَ بطرف عينها قائلة ما رأيك بمشوار صغير يرفّه عنك وينسيك كل هذه الأمور؟
أدركت آمال المقصود، فرحّبت بالفكرة، واستمهلتها دقيقة لتَستَعدَّ، ثم قامت إلى غرفتها فغيّرت بعض ملابسها ووضعت هويتها في الجزدان مع ما توفر لديها من مال، ثم خرجت مع صديقتها بعد أن أبلغت أمها بأنها تقوم بمشوار صغير للترفيه، وسوف لن تتأخر عن العودة.
كان المساء قد هبط، فانحسر المرور على الطريق حتى كاد ينقطع لولا بعض المزارعين العائدين إلى بيوتهم. عند بلوغهما المكان المعيّن، وصل مخول في سيارة فيليب فأشار إلى آمال بالصعود فصعدت، ثم أوعز إلى الصديقة بافتعال الولولة والصراخ للتضليل وإبعاد الشبهة عنها.
وصل الخبر إلى أبي حلمي، فاستشاط غيظاً، ثم راح يرمي ابنته بالحرم الوالدي المثلث: "لا ابنتي ولا بعرفها"، وانفجرت الأم بالبكاء على فقدان وحيدتها، وهي تردد همساً: الكبت يولد الانفجار، وكثرة الشد تؤدي إلى القطيعة...
في هذه الأثناء، كان والد مخول بإيعاز من ابنه، قد باشر اتصالاته مع سعاة الخير علّه يهدئ غضب الأب ويقنعه بمباركة زواج ابنيهما، فزار المختار وهو رجل حكيم، قد جرّبته الأيام، وطلب منه أن يتوسّط مع والد العروس لحلّ هذه المشكلة. استجاب المختار لهذا الطلب، لكنه لم يَعِدْ مخول بشيء، فهو يعرف حق المعرفة طباع أبي حلمي ومدى تشبثه برأيه، وهو برغم سنوات الغربة التي قضاها في المهجر، لم يتبدّل أبداً بل ظلّ محافظاً حتى التزمّت على مبادئ وعادات أهل القرية التي تعتبر الخطيفة خروجاً عن طاعة الوالدين ملحقه العار بالعائلة وفروعها.
توجه المختار صوب بيت أبي حلمي، ثم استأذن بالدخول عليه، فرآه على حال يرثى له: منفوش الشعر على قلته، غير حليق، يلتحف عباءته المقصبة ويداعب بسطونه بنرفزة وعصبية ولسان حاله يردد حكمة ابن سيراخ:
"إذا أردت تأديب ولدك فهيئ له رزمة من القضبان".
يا ليتني استعملت هذه العصا وقت اللزوم، ما كنت قد وقَعْت في هذه المشكلة المخزية:
- صباح الخير يا أبا حلمي.
- من أين الخير يا مختار؟ ما سمعت شو صار.
- هوّنها يا شيخ تهون، لا هي أول مرة تصير الخطيفة، ولا آخر مرة، المهم أن الذي صار أصبح واقعاً وعلينا أن نتداركه بحكمة وروية.
- الحرب بالنظارات هينة، والجمرة لا تحرق إلاّ في موضعها.
- يا لطيف قديش معظّمها، أنا مطرحك أبادر فوراً إلى مباركة هذا الزواج وأفرح بأنه عوض الولد، أصبح عندي ولدان.
- الله يلعن الأولاد العاقين وساعتهم!
- مخول شاب طيب، لا أفكح ولا أعور، بل كله حيوية ونشاط، ومستقبله ناطره، يكفي أنه ابن هذه القرية وقد تشرّب عاداتها وتقاليدها الحميدة، ومع قليل من المساعدة سوف يقوم بأود بيته وينطلق خير انطلاقة.
- لا، لا، يا مختار، إذا توسمت أنت فيه شاباً طيّباً، زوّجه بابنتك؛ أنه كسول عديم الفائدة لا يحسن سوى طق الحنك والتنقل من مكان إلى آخر تبعاً لأهوائه ورغباته، فكيف له أن يتسلم مسؤولية بيت وعائلة؟
ظلّ المختار طيلة ذلك الصباح يجهد النفس في إقناع أبي حلمي بجدوى هذا الزواج، وبقي أبو حلمي على موقفه دون أن يلين له عزم أو يتزحزح قيد أنملة. المختار يأمل بفتح كوة ولو ضيّقة للمضي قدماً بهذه الوساطة، وأبو حلمي على موقفه، فما كان منه إلاّ أن استودعه طالباً منه التفكير ملياً بما أشار عليه من آراء.
وصل المختار إلى البيت متعباً منهكاً يجرجر أذيال الخيبة، وقبل أن يتفوه بكلمة، بادره أبو مخول، الذي كان ينتظر، بالقول: لقد قرأت الجواب على وجهك وفي عينيك، إنك حاولت وأنا شاكر لك سعيك هذا، وليس عندنا من سعاة الخير أفضل منك!
ذهب أبو مخول إلى "أنطش" الكنيسة، فسأل عن الخوري يوسف، فأجابته الخورية بأنه تمشى ناحية الكرم ليتفقده، فلحق به حيث رآه يزرع الجلول ذهاباً وإياباً، وهو يقرأ في شحيمته ويتلو بعض الصلوات،
- المجد لله يا محترم.

الصفحات