أنت هنا

قراءة كتاب الإيمان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإيمان

الإيمان

كتاب " الإيمان " ، تأليف د. إبراهيم كوكباني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

الفصل الثاني

مشروع الزواج

رغم أن أهل القرى متقاربون جداً في السرّاء والضرّاء، يتعاونون في ما بينهم ويغارون على مصالحهم، إلاّ أن الفوارق الاجتماعية التي تمليها أوضاعهم المالية وأحوالهم الشخصية ظلت تفعل فعلها، فتبرز بعض التناقضات بينهم لتعطي الأهمية لا للعدد فحسب، بل للقيمة المعنوية أو المادية! وقد استقرّ العرف على اعتبار بيت فلان للزعامة وبيت فلان للوجاهة، وقلما يتبدل أو يتغيّر هذا العرف إلاّ ببروز فرد من هذه العائلة أو تلك، أما عن طريق الوظيفة في الدولة (ابن دولة) أو بالإثراء السريع بواسطة ضرب تجاري أو رحلة موفقة، ويُجهد أبو حلمي النفس على أن يكون من الصنف الثاني، على الأقل، نظراً لثروته الكبيرة وغربته الطويلة، وأن تكون كلمته نافذة ومسموعة عند الجماعة. لذلك راح يكثر من المناسبات التي تظهره أهلاً لتسنم أعلى المراكز.
كانت الأفراح تقام تقريباً كل ليلة في بيته: فالسُفرة ممدودة للجميع والراح تدور عليهم والقوالون يُبدعون بالإطراء والتهليل وقد برز، بين كلّ هؤلاء، مخول؛ فهو شاب في مقتبل العمر، عبل الجسم، حاد السمرة، له شاربان معقوفان، يزيدانه هيبة ورهبة، لكنّه بالمقابل لا يجيد أية مهنة، فهو يعمل فاعلاً عند الحاجة ويقضي معظم أوقاته باللهو مع أترابه وأصحابه، لا يحسب للغد حساباً، أكول نهم، وشرّيب مسرف.
كان مخول، تأميناً لمدخول بسيط، قد تعاقد مع بعض نساء القرية، من أرامل وعجائز على الاعتناء بسطوحهن الترابية طيلة فصل الشتاء، فكان يَحدُلها "بمعوسه" في الأيام الممطرة ويزحف الثلج عنها عند كل ثلجة، كما أنه في الخريف، قبل أول شتوة، يبادر إلى تتريبها وإصلاح الرديف والمزاريب فيها، فكانت هذه الأرملة، تنقده المبلغ المرقوم، وتلك تؤجره، حقلاً معيناً لزرعه والانتفاع به.
لذلك وبحكم عمله، كان مخوّل يستلطف لمياء ويتردد على منزلها لشرب القهوة وقراءة الفنجان، وكانت هذه الأخيرة تقول له دائماً بأنه سيصبح ثرياً وصاحب نفوذ عن طريق الزواج، الذي بات وشيكاً جداً، لكن ذلك، يتطلب الصبر وطول البال؛ ومن صبر ظفر.
- أَعجبت تلك الليلة رقصات مخول المميزة آمال، فرمته بنظرة رضى أرفقتها بابتسامة بريئة... إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من العلاقات.
لاقت هذه النظرة عند مخول استحساناً، فرمقها كالصقر بواحدة حادّة تفضح كل مكنونات صدره، فهو، عدا أنه معجب بجمال آمال وأخلاقها، قد حسب للأمر ألف حساب، أنه فقير الحال، وأبوها طائل الثراء، أنها وحيدته من البنات، وسوف لا يردّ لها طلباً أو يبخل عليها بشيء، لذلك بسرعة البرق عزم على استمالتها والتقرّب منها، لأنه رأى فيها، على جميع الصُعد، ضالته المنشودة.
- بعد تأدية رقصاته المبدعة، تعمّد الجلوس بقربها، ثم أسرّ إليها، قائلاً: هل أعجبك الرقص؟ فما كان منها إلاّ أن أجابت: أنك رائع، رائع... ثم رمقته بنظرة معبّرة عن أشياء كثيرة، وهي غالباً ما كانت تحلم بفارس من أمثاله.
بدأت المسافات بين قلبي آمال ومخول تقترب أكثر فأكثر، خاصة أن المناسبات تتكرر والإعجاب يزداد والأحلام تكبر، وأضحى لازماً على أي واحد منهما أخذ زمام المبادرة، فالنظرات تكاد تفضح الأمور رغم التكتم والمناورة. فقرّر مخول، وهو الرجل المقدام، البوح بمكنونات صدره لآمال، محط كل آماله، لكنه آثر التريّث لاقتناص أقرب فرصة مؤاتية، وذات مساء تعمّد الخروج إلى الشرفة لاستنشاق الهواء، فلحقت به آمال مستفسرة عن حاله، فبادرها القول: آمال إنني معجب بك وإنني أتطلع إلى مستقبلي معك، لكنني لا أجرؤ على البوح لك بهذا الأمر لسببين هامين: أولاً لا أريد إغضاب أبيك، وثانياً أنني معدم الحال لا أملك شروى نقير، ولا أقدر بالتالي على فتح بيت، ووضع الناس في ذمتي.
- أنا أيضاً معجبة بك وأتطلع إلى نفس المستقبل، سأعمل على مكاشفة والدي بالأمر، فهو لا يردّ لي طلباً، وأنا شبه أكيدة بأنه سيمّدنا ببعض المال لبناء مستقبلنا وبدء حياتنا الزوجية.

الصفحات