أنت هنا

قراءة كتاب الجامعة اللبنانية - ثمرة نضال الطلاب والأساتذة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الجامعة اللبنانية - ثمرة نضال الطلاب والأساتذة

الجامعة اللبنانية - ثمرة نضال الطلاب والأساتذة

كتاب " الجامعة اللبنانية - ثمرة نضال الطلاب والأساتذة " ، تأليف إميل شاهين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

II ـ العملية التربوية في عهد الانتداب

لاحظنا فيما تقدم، خاصة بعد صدور قانون 1869 التركي كيف تكرس دور الإرساليات التبشيرية الأجنبية في التعليم، وكيف أنها رسخت الانتماء الطائفي، وسهلت عملية الارتباط بالدول الأجنبية عن طريق الثقافة واللغة والدين، وعن طريق التجارة والمصالح السياسية المشتركة. كما لاحظنا كيف ضاعفت الدولة الفرنسية من دعمها للإرساليات اليسوعية بأشكالها ومعها الرهبانيات المارونية، في حين أنها أصدرت، في الوقت نفسه، قانوناً عام 1881 يمنع نشاط اليسوعيين في فرنسا نفسها. ولاحظنا أيضاً أن الإرساليات ركزت نشاطها في جبل لبنان وبيروت حيث شهدت هذه المناطق توسعاً في العلم وعلى الخصوص في أوساط المسيحيين؛ في حين بقيت المناطق الريفية محرومة إلا من بعض المدارس الابتدائية التي لا يرتادها إلا أولاد الفقراء.
بعد أن دخلت الجيوش الفرنسية لبنان في كانون الثاني عام 1919، وبعد إعلان دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول 1920، وبعد أن أعلن عن صك الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان في 24 تموز 1922، يكون قد تم لفرنسا السيطرة على مقدرات سوريا ولبنان. وأول عمل قام به المفوض السامي الفرنسي فرنسوا بيكو أنه دعا الطوائف إلى إعادة فتح مدارسها بعد أن كانت السلطة التركية قد أغلقتها خلال الحرب العالمية الأولى لأنها كانت تدرس باللغة الفرنسية، وأعلن عن مساعدات مالية كبيرة تشجيعاً من فرنسا للمدارس الخاصة الطائفية، في حين أن التعليم الرسمي لم يحظ بأي اهتمام منه بل بقي مقتصراً على مدارس فقيرة كما في العهد التركي في الأقضية الأربعة الملحقة بلبنان المتصرفية، والشيء الوحيد الذي تغير فيها هو إبدال اللغة التركية باللغة الفرنسية. أما ميزانية التعليم الرسمي فكانت تتناقص تمشياً مع سياسة فرنسا الإجمالية. انعكس ذلك على نسبة المدارس الرسمية بالنسبة للمدارس الطائفية الخاصة؛ إذ إنه كما جاء في مقالة للدكتور حسان قبيسي (1)، فان عدد المدارس الرسمية في عام 1925 بلغ 113 مدرسة، أي نسبة 11 3% في حين أن المدارس الخاصة كانت تمثّل 88 6%، وهي موزعة على المدارس الخاصة الأهلية بنسبة 49 4% وعلى المدارس الأجنبية بنسبة 39 2%. أما نسبة عدد التلاميذ فيذكر المصدر نفسه بأنه (كان يتوزع عام 1941 على الشكل التالي: 97 ألف تلميذ مسيحي أي 70% و34 ألف تلميذ سني وشيعي، أي 24 5%، وخمسة آلاف درزي أي 3 6%، وألفي تلميذ يهودي أي 1 4%، وخمسماية تلميذ أقليات أي 0 4%).
أدى الدعم الفرنسي المطلق إلى تثبيت هيمنة الآباء اليسوعيين على التعليم في لبنان، فاستمروا الأكثر عدداً في المدارس والتلاميذ، وفرضوا تأثيرهم على الجهاز التربوي اللبناني برمته، وأشرفوا على تنظيم "وزارة المعارف والفنون الجميلة" التي أنشئت عام 1926 وعدلت في العام 1928، كما على وضع مناهج التدريس، وتحديد لغة التعليم، ونوعية الشهادات، وتنظيم الامتحانات التي صدرت في العام نفسه ثم عدلت بعد عامين، وكرسوا تبعية التعليم الرسمي للتعليم الخاص، هذه التبعية التي ستستمر طيلة أيام الانتداب الفرنسي وخلال فترة واسعة من مرحلة الاستقلال. إن سيطرة اليسوعيين لم تكن فقط على التعليم بل على معظم الإدارات، إن لم يكن عليها كلها (2). هنا يستشهد الدكتور قبيسي بكلام لبشير اسكندر في كتابه (إصلاحيات الخدمة المدنية في لبنان) ص 166: "كان الموظفون اللبنانيون العاملون تحت إشراف السلطة الفرنسية عبارة عن بضعة أشخاص تمَّ استقدامهم على أساس مقدرتهم على الاتصال بالفرنسيين والتعامل معهم. وكانت العناصر المسلمة على العموم تخشى نظام الانتداب. وفي أوائل عهد الانتداب رفضت أن تشغل وظائف الخدمة المدنية. وفي النهاية تغير هذا الموقف ولكن في غضون ذلك، أصبحت الإدارة مهيمنة أولاً بالموظفين المسيحيين، خصوصاً في الوظائف الرئيسية التي تلي العناصر الفرنسية". ثم يكمل الدكتور قبيسي "وحتى الستينيات من هذا القرن (العشرين) كانت الأغلبية الساحقة من الوزراء والمدراء العامين وكبار موظفي الإدارة من خريجي كلية الحقوق في الجامعة اليسوعية. ولا بد لنا في هذا السياق من ذكر موقف الرئيس إميل اده الذي ألغى في العام 1930 (17 كانون الثاني) 111 مدرسة ابتدائية رسمية وصرف حوالى 400 معلم رسمي (مرسوم 6130) بحجة أنهم لا يعرفون اللغة الفرنسية".
إنَّ موقف الدولة من التعليم الرسمي، كان يهدف إلى إبقائه في حالة من الركود والانحطاط. وكما يقول عمر فروخ في كتابه "دفاعاً عن العلم دفاعاً عن الوطن" فإن "المدرسة الرسمية في القرى، وخاصة في المناطق التي ألحقت بجبل لبنان منذ العام 1920، لم تختلف بشيء عن مدارس الأتراك السابقة لا في طريقة تدريسها، ولا في جهازها التعليمي، ولا في مراحل التعليم، ولا في المنابر الاجتماعية للتلاميذ الذين كانوا يرتادونها. التغيير الوحيد أنها أبدلت اللغة التركية باللغة الفرنسية". هذا التبديل الذي جاء ليضيف صعوبة أخرى في وجه هذه المدارس ، بسبب ندرة الجهاز التعليمي، وبسبب الصعوبات التي شكلتها هذه اللغة نحو طلاب المدارس الرسمية : طلاب من بيئات فقيرة لا تتكلم الفرنسية، معلمون لا يجيدون الفرنسية ، ولا تعليمها، بينما كانت معظم المواد تدرس بهذه اللغة، وكانت الامتحانات تفصّل على قد تلامذة المدارس الخاصة" (3).
"صحيح أن اللغتين العربية والفرنسية اعتبرتا رسميتين في المدارس الرسمية، وإجباريتين إلا إن الفرنسية كانت لغة تدريس معظم المواد تقريباً. كانت الامتحانات الرسمية تجري طبقاً لمناهج المدارس الخاصة بالذات، لهذا كانت مواد الرياضيات والعلوم، وأحياناً التاريخ والجغرافيا والحساب، تدرس في المدارس الرسمية باللغة الفرنسية، وكل ذلك في سعي من الفرنسيين وأنصارهم من اللبنانيين لترسيخ اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية عند الشباب اللبناني، وعزله عن محيطه الجغرافي، وعن التيارات السياسية التي كانت تتفاعل فيه. هكذا نفهم لماذا صدر في 1 شباط 1930 المرسومالاشتراعي رقم 4 بإلغاء المجمع العلمي العربي اللبناني الذي كان قد أُنشئ بقانون في العام 1928 في 20 شباط" (4).
سياسة إدارة الانتداب التعليمية
"إذاً سياسة إدارة الانتداب الاستعمارية تختصر بتشجيع القطاع التعليمي الخاص وإهمال التعليم الرسمي. هذا ما يؤكد دور المدرسة في إعادة إنتاج الواقع الاجتماعي الطبقي من جهة ، وفي إعادة إنتاج ثقافة الفئات المسيطرة من جهة ثانية. هكذا تكرست المدرسة اللبنانية أداة تمييز طائفي واجتماعي. من جهتها لم تكن سياسة الإدارة الفرنسية التعليمية معزولة عن سياستها في بناء أسس الدولة اللبنانية نفسها، إذ إنه جاء في المادة التاسعة من الدستور اللبناني ما معناه: حرصاً من الدولة على حرية المعتقد الديني المطلقة، تتنازل عن حقوقها التشريعية والقضائية إلى الجماعات الطائفية ، فيما يتعلق بالأحوال الشخصية (زواج، طلاق، حضانة، إرث الخ). كما أعطت المادة العاشرة منه للجماعات الطائفية حق تعليم أبنائهم وما يعنيه من تخلي الدولة عن واجباتها في دعم التعليم الرسمي" (5).
أما ما فعلته الدولة الفرنسية المنتدبة على صعيد تنظيم التعليم الرسمي فيقتصر على إنشاء (وزارة المعارف العمومية) عام 1926 التي أصبح اسمها عام 1933 (وزارة التربية الوطنية والفنون الجميلة)، وعلى وضع مناهج شهادتي السرتفيكا والبروفيه عام 1924، واستتبعتها في عام 1929 بمنهاج شهادة البكالوريا القسم الثاني، كما وضعت أسس الامتحانات لهذه الشهادات. أما عن إعداد المعلمين الرسميين فقد أنشأت دار المعلمين الابتدائية عام 1932، وهي الدار الوحيدة التي بقيت تخرّج بضع عشرات من الأساتذة حتى بعد الاستقلال إلى أن أنشأت دار المعلمين العليا عام 1951. يبقى أن نذكر أن مرحلة التعليم الثانوي الرسمي لم تنشأ في عهد الانتداب وحتى ما يقارب العشر سنوات بعد الاستقلال، إذ إنّ لكل من كان يرغب من تلاميذ المدرسة الرسمية عليه أن ينتقل بعد شهادة البروفيه إلى المدارس الخاصة : طائفية أو إرسالية.
التعليم العالي في عهد الانتداب
أما على صعيد التعليم العالي في عهد الانتداب فقد استمرت جامعة القديس يوسف في التوسع والازدهار بفعل الدعم الهائل الذي كانت تتلقاه من قبل حكومة الانتداب الفرنسية ومن ارتباطها بجامعة ليون. وهكذا أمنت الجامعة اليسوعية انتشار اللغة الفرنسية وثقافتها على النخب ولم يسمح الوجود الفرنسي للجامعة الأمريكية من تدريس الحقوق نظراً لأهمية رجال القانون الذين يشكلون غالبية الإدارة المتعاونة مع الانتداب.
كذلك استمرت الجامعة الأميركية في التوسع نظراً للمساعدات التي كانت تتدفق عليها من الجمعيات البروتستانتية الأميركية والبريطانية. ونظراً للصعوبات التي كانت تلاقيها من الانتداب الفرنسي فقد وجهت اهتمامها لاستقطاب طلاب مختلف مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا. أما لبنانياً فكان أكثر طلابها من المسلمين والدروز والارثوذكس في حين كان أكثرية طلاب القديس يوسف من الطائفة المارونية. يذكر للجامعة الأميركية أنها علمت لفترة وجيزة الهندسة والطب باللغة العربية مما أغناها بمصطلحات علمية. وبعد الاستقلال تحولت الجامعة الأميركية إلى جامعة علمية ولحقت بها بعد فترة الجامعة اليسوعية.
الكلية الأمريكية للبنات
وعلى غرار ما أسس المبشرون البروتستانت الجامعة الأميركية، عادوا وأسسوا الكلية الأميركية للبنات في عام 1924، وكان الغرض منها تشجيع الفتيات من العائلات الاجتماعية المحافظة على ارتياد التعليم العالي، منفصلاً عن تعليم الفتيان. وقد تطورت برامج هذه الكلية وتغير اسمها عام 1950 إلى كلية بيروت للبنات. بعد ذلك شهدت نمواً كبيراً وتوسعاً بعد أن أصبحت مختلطة، وأصبحت اليوم جامعة متكاملة باسم الجامعة اللبنانية الأميركية مقرها الرئيس في رأس بيروت، ولها فرع في مدينة جبيل.
الأكاديمية اللبنانية
الذكاء اللبناني لا حدود لطموحه . فهل من المعقول أن يبقى التعليم العالي تعليماً لاوطنياً وطائفياً، قائماً على جامعات أجنبية تتنافس على تربية نخب لبنانية مرتبطة بمصالح الأجنبي عن طريق اللغة والثقافة والتجارة، وأن تنقطع هذه النخب عن محيطها العربي إلا تجارياً حيث تشارك الأوروبيين، خاصة الفرنسيين في استثمار شعوبها ومنها الشعب اللبناني نفسه . فكسراً لاحتكار التعليم العالي اللاوطني والطائفي أقدم المهندس الفنان ألكسي بطرس على تأسيس الأكاديمية اللبنانية عام 1937 حيث بدأت بتدريس الموسيقى والرسم، وسريعاً ما توسعت بتدريس الهندسة المعمارية والآداب. ودخلت (المحظور) عام 1953 إذ بدأت بتدريس الحقوق ، فقامت الدنيا عليها ولم تقعد حتى توقف تدريس الحقوق فيها عام 1961، وهذا ما سنعود إليه لاحقاً وبالتفصيل نظراً لأهميته في الصراع على تكوين مؤسسات دولة الاستقلال.
ملاحظة لا بد منها: - صحيح أن الكثير من رجال السياسة والعلم والثقافة عندنا يزعمون بأن الانتداب (الاستعمار) الفرنسي ساهم في تعليم اللبنانيين وتثقيفهم، وأن تقدم لبنان عن محيطه العربي يعود فضله للرعاية التي أحاطته بها فرنسا وإرسالياتها التبشيرية.
- وصحيح كذلك أن النظام الرأسمالي، وخلال قرنين من الزمن، ساهم في تقدم البشرية ودفعها إلى الأمام آلاف السنين مستخدماً سبقه العلمي والتكنولوجي في استعباد الشعوب وإخضاعها وقهرها ومنعها من سلوك طريق الإنماء والتقدم.
- ولكن الأصح من هذا وذاك أن فرنسا هدفت من وراء تعليم أولاد الطبقة المتقدمة الغنية (من تجار وإقطاعيين ورجال دين)، أن يكون لها فئة من المستفيدين من وجودها، يدينون بثقافتها، ويصرّفون بضاعتها، ويعاونونها على استثمار الشعبين اللبناني والسوري وباقي الشعوب العربية.
- والصحيح أيضاً أن العلم لا يمكن حصره باتجاه واحد: استفاد منه شعبنا في فرض استقلاله وفي إنشائه ديمقراطية ولو بحدها الأدنى، وفي تقدمه الاجتماعي.

الصفحات