كتاب " الجامعة اللبنانية - ثمرة نضال الطلاب والأساتذة " ، تأليف إميل شاهين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الجامعة اللبنانية - ثمرة نضال الطلاب والأساتذة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الجامعة اللبنانية - ثمرة نضال الطلاب والأساتذة
الفصل الثالث
توصية نيابية أنشأت الجامعة اللبنانية
16 كانون الأول 1950
شكل مؤتمر اتحاد الطلاب العام نقطة تحول كبيرة في وعي طلاب لبنان. فلأول مرة توضع أمامهم أهداف تربوية واضحة ومهمات للعمل والنضال، فتحولوا إلى خلايا في ندوات ثقافية تحريضية، تفضح تقصير السلطة وانحيازها إلى المدارس الطائفية الخاصة ومدارس الإرساليات والجامعات الأجنبية. قام الطلاب بتحركات متنوعة، رافعين شعارات المؤتمر وأوصلوها إلى كل المسؤولين. استجابت لمطالبهم لجنة التربية الوطنية في جلسة عقدتها في 16 كانون الأول 1950، برئاسة الدكتور يوسف متى، وكانت مخصصة لدرس إمكانية تأسيس جامعة وطنية. وبعد مداولات توصلوا الى ضرورة إنشاء جامعة لبنانية على أن تخصص لها أبنية الاونسكو بعد وضعها تحت تصرف وزارة التربية الوطنية. أخذوا توصية، في نهاية اجتماعهم، بإنشاء جامعة لبنانية وفقاً لمعايير ومناهج وقوانين الاونسكو. كما أوصوا لذلك برصد الاعتمادات اللازمة في موازنة سنة 1950 الحالية.هذه التوصية اعتبرت تاريخاً لتأسيس الجامعة اللبنانية، إذ إنه لا يوجد مرسوم بإنشاء جامعة لبنانية رسمية. وهذا ما أكد عليه الدكتور ادمون نعيم، الرئيس الثالث للجامعة اللبنانية، في أكثر من حديث.
لا موافقة على ميزانية لإنشاء الجامعة اللبنانية
وقع المسؤولون اللبنانيون في بلبلة تجاه تصاعد المطالب الطالبية والشعبية الداعية لإنشاء جامعة لبنانية. فبعد توصية لجنة التربية النيابية وليس من الحكومة، طالب العديد من النواب أثناء مناقشة ميزانية عام 1950، بضرورة لحظ ميزانية لإنشاء الجامعة المنشودة. كما دعوا لاْن يكون التعليم الرسمي مجانياً في كل مراحله من الابتدائي حتى الجامعي. "عدد قليل من النواب عارض إنشاء الجامعة، في حين أيد معظم النواب تأسيس جامعة مشترطين البدء بإنشاء معهد للدراسات تكون له صفة وطنية يشرف عليه مجلس أمناء تراقبه الحكومة، إلى أن ينمو ويصبح يوماً ما جامعة وطنية، ليست غايتها مزاحمة المعاهد الأجنبية" (16).
إذاً لماذا العجلة، فنواب الأمة أوصوا بإنشاء معهد دراسات له صفة من (وطنيتهم) وقد يتحول (يوماً ما) إلى جامعة وطنية لا تزعج الجامعات الأجنبية. عاشت الوطنية.
قامت الدنيا ولم تقعد بعد إقرار مجلس النواب ميزانية عام 1950، خالية من تخصيص مبلغ كافٍ لإنشاء جامعة لبنانية.
وبقيت الأمور تتفاعل إلى أن اضطرت الحكومة لتقديم مشروع قانون في 5 كانون الأول 1950 بفتح اعتماد إضافي بقيمة 625 ألف ليرة في موازنة 1950، على أن يخصص منه 256 ألف ليرة لموازنة جامعة لبنانية منوي إنشاؤها. في 13 كانون الأول وافقت اللجنة المالية بالإجماع على مشروع قانون الزيادة وكان رئيسها النائب الأستاذ إميل لحود.
اتحاد الطلاب العام يدعو إلى الإضراب
تجاه هذه الملهاة دعا (اتحاد الطلاب العام) إلى اجتماع عام عقد في الطبية أثناء فرصة عيد الميلاد. وكان الحماس يدب في عروق الشباب تجاه مناورات الحكومات المتعاقبة التي تخلفت عن إصدار مرسوم تأسيس جامعة لبنانية، ولكنها تغدق الوعود خاصة بعد كل تحرك طلابي أو إضراب حتى ملَّ الطلاب لغة الوعود التي لا ينتج عنها شيء. أجمع المجتمعون على توجيه إنذارٍ إلى المسؤولين بتحقيق مطالبهم قبل 20 كانون الثاني 1951 وإلا فالإضراب العام. وكان أهم المطالب كما جاء في صحف اليوم التالي: جعل التعليم العالي مجانياً في الجامعة اليسوعية حتى يتم إنشاء الجامعة اللبنانية المنشودة، أو على الأقل زيادة مساهمة الدولة من مئة ألف ليرة إلى مليون ليرة سنوياً وعلى أن تشمل الطلاب كافة.
ولما لم تستجب الحكومة في الوقت المحدد أعلن الطلاب، ابتداءً من صباح 23 كانون الثاني 1951، الإضراب العام المفتوح حتى تحقيق المطالب. ولمواجهة زخم الإضراب استخدمت الدولة كل ما ورثته عن المستعمر من أساليب القمع. من جهة تروج عيونها (مخابراتها) بين الطلاب بأن الإضراب عمل تخريبي يستغله الشيوعيون لتحقيق مآرب تآمرية على الدولة. ومن جهة ثانية تلجأ إلى ملاحقة قادة الإضراب لتعتقلهم أو لتجبرهم على التخفي وتحد من نشاطهم. كل ذلك لم ينفع مع طلاب أدركوا بالتجربة أن الحكومة لا تستجيب لمطلب محق إلا تحت الضغط والإكراه.
تظاهرة الطلاب واستشهاد فرج الله حنين
ولما لم يصلوا إلى نتيجة بعد عشرة أيام من الإضراب الشامل، قرروا التظاهر في 2 شباط. تجمعوا أمام الطبية في تظاهرة سلمية ضخمة ضمت الآلاف من الطلاب يؤازرهم التلامذة الثانويون وطلاب دار المعلمين الابتدائية وحشد من الأهالي وساروا باتجاه ساحة الشهداء، رافعين شعارات تتمحور في غالبيتها حول ضرورة إنشاء المدارس الرسمية الثانوية وإنشاء الجامعة اللبنانية. كتب على إحدى اليافطات (لا استقلال حقيقي بدون تعليم وطني جامعي). استبسلت الحكومة في قمع التظاهرة، إذ حشدت كل ما تملك من قوى الأمن الذين استخدموا الهراوات وأعقاب البنادق في مواجهة طلاب عزل كل هدفهم إسماع صوتهم المطالب بأن تقوم الحكومة بواجبها الوطني في تأمين العلم. سقط نتيجة المواجهات عشرات من الطلاب جرحى. كان من بينهم قائد المسيرة المناضل الشيوعي الطالب فرج الله حنين رئيس اتحاد الطلاب العام. أصيب فرج في دماغه ومعدته مما سبب له نزيفاً داخلياً، وبعد علاج طويل توفي في المستشفى.
استنكاراً لهذا القمع الوحشي غير المبرر، تحرك الرأي العام اللبناني من نقابات عمالية وأحزاب تقدمية وصحافة ونواب، وانهالت على مجلس النواب مئات برقيات الاحتجاج، كان أبرزها سؤال إلى الحكومة من النائب كمال جنبلاط رئيس الجبهة الوطنية الاشتراكية، يستنكر فيه أعمال القمع ضد الطلاب ويؤيد مطالبهم في إنشاء جامعة وطنية رسمية أو تحويل الجامعات الأجنبية إلى جامعة وطنية. وأضاف في سؤاله مستغرباً، أليس من العار علينا، ولبنان بلد العلم، أن يذهب طلابنا إلى الجامعات في القاهرة وبغداد وسوريا! كما أن النائب كميل شمعون العضو في الجبهة الوطنية الاشتراكية تقدم بدوره بسؤال إلى الحكومة مستنكراً استخدام العنف ضد الطلاب.
دم فرج الله حنين أنشأ الجامعة اللبنانية
بعد ثلاثة أيام على التظاهرة الطلابية، أي في 5 شباط 1951، عقد مجلس الوزراء جلسة مخصصة لدرس مطالب الطلاب، اتخذ فيها المقررات التالية (17):
1- إبقاء الاعتماد المخصص لمساعدة طلبة التعليم العالي وقدره ماية ألف ليرة لبنانية على حاله وأن يجري توزيعه على الطلبة المحتاجين بموجب نظام خاص يوضع بعد استطلاع رأي ذوي الاختصاص.
2- إنشاء جامعة لبنانية في قصر الاْونسكو ترصد لها الاعتمادات اللازمة في ميزانية العام الحالي وتتولى تدريس : الحقوق، الهندسة، العلوم السياسية، العلوم الرياضية، الآداب العالية، الأبحاث الطبيعية. أما فرعا الطب والصيدلة فتساهم الحكومة بتعلّمهما عبر منحٍ داخلية وخارجية.
3- تأليف لجنة خاصة لوضع برنامج العمل في الجامعة اللبنانية المقرر إنشاؤها حتى يتم افتتاحها في تشرين الأول 1951.