كتاب " الحقيبة " ، تأليف عزة آغا ملك ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الحقيبة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الحقيبة
تقديم
قرأت مؤخراً رواية "الحقيبة" La Mallette للدكتورة عزّة آغا ملك، بعد أن قام بترجمتها إلى العربية الدكتور لويس عطوي، ابن الشاعر المغدوشي المعروف الياس عطوي.
روايات هذه الكاتبة الموهوبة تشدّ انتباهك منذ البداية، فما هي إلا صفحةً أو أكثر حتى ترى نفسك وقد جرفك تيار الأحداث في دوامته، فإذا بك تقبل على الكتاب بكل ما لديك من رغبةٍ وحماسٍ، وقد نسيت العالم الخارجي، وانقطعت عن محيطك، وانصرفت إلى متابعة القراءة لعلك تستطيع أن تحدس كيف ستكون النهاية.
هي قصة حب جارفٍ دام عشر سنوات، ثم ما لبث ان خفّت حدته، وانطفأت جذوته منذ زمان بعيدٍ. كان هذا على الأقل بالنسبة إلى البطلة أما في ما يختص بالبطل فقد ظل وفياً على العهد، يودّ صادقاً لو تعود العلاقات إلى ما كانت عليه، ويحاول أن يكسب ودّها بكل الطرق، من غير ان يريق ماء الوجه أو يخدش تواضع وحياء بطلة القصة.
ولكن هيهات! إنه لم يكن يريد أن يتقبّل ما حصل، كما لم يكن ليفهم أنّ الحب كأي شيء آخر في الحياة، يمكن أن يتقلّص ويطير ذات يوم إلى غير رجعةٍ، فيتلاشى كسحابة صيف عابرةٍ.
لا، لم يكن ليهضم الهزيمة بمثل هذه السهولة، هو المحامي المرموق، والرجل المكتمل الوسيم، الذي ما وقعت عيناه على امرأةٍ إلا وسحرها، تاركاً إياها مشلولة الإرادة، عاجزة عن كل مقاومة شريفة وفاعلة...
***
من هنا، من هذا الحب الذي خمد، وسكنت ثورته، تبدأ الحبكة، ويسثار التشويق والانتظار!... حتى لتحسب نفسك في جوّ قصص آغاتا كريستي. فتتمنى عندئذٍ لو تقف على الخاتمة بأسرع ما يكون، وتودّ في الوقت نفسه لو تطول الحبكة إلى ما لا نهاية حتى تدوم المتعة، وتشبع الرغبة الملحة.
فقدرة عزّة ملك في هذا المجال لا تكاد تحدّ ولا تقاوم... إنها قد درجت في كل أعمالها على ألا تدع قارئها يسترد أنفاسه ولو للحظةٍ واحدة. فهي في غير عجلةٍ من أمرها، تتنقّل بك من حادثةٍ إلى حادثة، ومن مفاجأة إلى أخرى، وكل ذلك على سبيل التمويه وكسب الوقت وتصعيد الإثارة، للوصول إلى مزيد من التوتّر والفضول.
فبدايةً، نرى بطلة القصة الدكتورة عايدة، وهي أستاذة مادة القانون في إحدى الجامعات الطرابلسية، وقد استبدّ بها خوف شديد، واعتراها القلق حيال الخطر الذي يتهدّدها. وذلك عندما عثرت على حقيبةٍ سوداء في المقعد الخلفي من سيارتها، ذات صباح مفاجىء...
الحقيبة ثقيلة، ولم تفلح في فتحها لا هي ولا ناطور البناية ولا أحد من الجيران. فنصحها البعض بأن تعلم السلطات المختصّة بالأمر. وبعد، فقد تكون فيها قنبلة على وشك الانفجار.
وهكذا اتصلت بابن عمّ لها يعمل في الجيش برتبة ملازم أول، فما كان منه إلا أن جاء وحمل الحقيبة معه إلى مركز الشرطة. ولم يعتّم أن اتصل بها ليعلمها أن الحقيبة ليس فيها شيء مهم: فقط صورة بالأسود والأبيض التقطت لها عندما كانت في الرابعة والعشرين، أي قبل ترمّلها، مع نسخةٍ كبيرةٍ مزخرفةٍ من القرآن الكريم.
***
المسألة لم تتوقف عند هذه الحادثة. فما مضى طويل وقتٍ حتى فوجئت بكيسٍ أسود في سيارتها. راحت تتساءل من يكون ذلك المتخفّي الذي أخذ يقلق عليها راحتها بهذا الشكل المزعج؟...
ولكن تساؤلاتها ما أفادتها شيئاً.
إذ أخذت المفاجآت تترى كل يوم، من دون أن يستطيع أي كان من أن يوقف المعتدي عند حدٍّ ويردعه عن هذه الأعمال المشينة.
فمرّةً كانت "الهدية" ساعة يدٍ عتيقة مجهولة الصنع وقطعاً قديمةً من النقود المعدنية من فئة الخمسة دولارات. وفي مرة أخرى أسفرت "الهدية" عن كيسين سوداوين مليئين بالنفايات. ثم جاءها "مايّو" نسائي مع طردٍ من الحلويات والعسل تبعها كاسيت لأغنيات أمّ كلثوم وآلة تصوير "Konica" تقادم عهدها مع خمس صورٍ باسبور لها.
وبكلمةٍ، لم يترك لها ذلك الغريب فترة للراحة والاستجمام، إذ كان يجدّد محاولاته ويباغتها كل يوم بمفاجأةٍ لم تكن في الحسبان!...
****
إلى أن أتى يوم نصحتها جارتها "بيبا" بألّا تبقى في البيت وحيدةً ساعةً واحدةً. كذلك ارتاع أهلها مما يجري. فجاءت أمها وأخوها وأخواتها ليأخذوها إلى بيوتهم...
كانت أم إيدا في هلعٍ بالغ. حين أخبرتها عن الجريمة التي وقعت قرب بيتها، وكيف اغتصب مجهولون عانساً في الستين ثم طعنوها بالسكاكين ورموا جثتها في أحد المستنقعات.
لقد قبلت عايدة أن ترافقهم، ولكنها لم تشأ أن تبيت عند والدتها، فعادت إلى المنزل. عادت لتسمع حديث، "بيبا" جارتها، الذي أطار ما بقي من صوابها، إذ قالت: إن زوجها المتوفى لربما هو الذي أرسل الحقيقة مع أحد الأرواح المتجولة في جوّ الأرض!...
***