أنت هنا

قراءة كتاب مذكرات أبو فريد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذكرات أبو فريد

مذكرات أبو فريد

كتاب " مذكرات أبو فريد " ، تأليف اسبر البيطار ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

يمكنني القول (كما أوحت لي تلميحات أبو فريد ومسارات حياته لاحقاً...): إن مرحلة خروجه من الجيش، عام 1958، شكّلت حدثاً مهماً في حياته النضالية، ومشاركته، عملياً وعلنياً، في العمل التعبوي للمناضلين الشيوعيين والأصدقاء والوطنيين عموماً ـ في تلك الفترة ـ وبالأخص وسط جماهير العروبة وعبد الناصر وذوي النزوع التحرري التقدمي... فمارس أبو فريد نشاطاً كفاحياً متعدّد الأشكال والأبعاد والتأثير.. وكانت قيادات هذه الجماهير ترى فيه قائداً عسكرياً وسياسياً وحتى إنسانياً، محاطاً من هذه الجماهير بالحب والتقدير والاحترام، على الرغم من وجود أصوات قليلة جداً كانت تشير بنوع من التشكيك الى «مسيحيّته»!. أما الأصوات الأعلى والأوسع والأجمل فكان أبو فريد بالنسبة لها: قائداً وطنياً، عروبياً، غير طائفي بالمطلق، بل ضد الطائفية بحزم ووضوح، وعلمانياً يجاهر بعلمانيته التي تعني ترسيخ فكرة المواطنة بين الناس، والعمل من أجل التحرر والتقدم، والمساواة أمام القانون، واحترام جميع الأديان وضمان حريتها وممارسة شعائرها، وضمان ممارسة هذه الشعائر.
... لهذا كله، ولصفات إنسانية فيه أعمق وأشمل، كان أبو فريد يتمتع ـ عفوياً وعمليّاً ـ بصفة قائد عسكري وقيادي سياسي بين مختلف الناس والفرقاء في هذه المنطقة.
ولن أنسى، ما حييت، تلك الجولات المسائية الطريفة والأكثر من ضرورية، التي كان من مفاعيلها المباشرة إنقاذ الوطن من مآسٍ قد تؤجّج الشعار الطائفي: فقد كان بعض المسلحين «غير المنضبطين»! يبادرون الى التوجّه بسيارة «؟ان» الى وسط البلد، يشحنون فيها عدداً من المسيحيين، كيفما اتفق! ثم يزجّون بهم في مخافر المقاومة!! فكان من مهمات أبو فريد الأساسية وشبه اليومية: أن يجول مع عدد من المناضلين، على مختلف هذه المخافر ليعمل على إطلاق سراحهم جميعاً... وذات مرّة كنت من ضمن الشباب المرافقين لأبو فريد، أرى كيف كان يتاح له ذلك، وهو المسيحي؟!
كان واضحاً: إن كل قيادات المراكز/ المخافر، في «المنطقة الغربية»، كانت تعتبر أبا فريد واحداً من أهم قادة المقاومة والسياسة الوطنية في المنطقة. ولكن هذا وحده لم يكن يكفي لاطلاق جميع المعتقلين، فكان أبو فريد يشير الى كل واحد منهم يسأله عن اسمه، بدون أي تدقيق، ثم يقول الى رئيس هذا المخفر: هذا الشاب من الشيوعيين أنصار الثورة!.. وعن الآخر: أعرف أنه عروبي!.. وثالث: إنه من محبّي عبد الناصر!.. ورابع: أعرف أنه وطني آدمي!.. وهكذا يُطلق أبو فريد ـ بعد الإذن من رئيس المخفر ـ سراح جميع «المعتقلين».
وذات مرّة صدف أن سأل أبو فريد أحد هؤلاء عن اسمه فقال إنه من بيت بسترس.. فأسرع أبو فريد الى القول لقائد المركز: إنه شيوعي معروف!.. فأبدى قائد المركز دهشته واستغرابه قائلاً بنبرة المتسائل المندهش: ولو يا أبو فريد؟.. من عيلة غنية كتير، وشيوعي؟!.. كتير هيك!..
أبو فريد يجيب بهدوء: بيصير يا أبو الزعيم، بيصير!.. في كتير أغنيا شيوعيين!.. ولو، ما بتعرف المهندس الكبير انطون تابت؟ .. ليس فقيراً أبداً، وهو ماروني أيضاً، ويمكن يصير رئيس جمهورية، ولكنه شيوعي على راس السطح.. يلّلا يا أبو الزعيم، اترك هالشيوعي كرمالي.
ـ والله لولاك يا أبو فريد لكنت عملت وسوّيت بِهلْ ابن الـ... الأغنيا... بس إنت عزيز، عزيز علينا كلنا.. (والله والنبي محمد) أنت وانطون تابت على راسنا من فوق يا أبو فريد.
... وأجزم أن أبا فريد استطاع أن يطلق سراح المئات من أمثال هؤلاء «المعتقلين» بقوله إنهم إما شيوعيين أو وطنيين أو عروبيين أو مجرد أوادم!.. فقال له رئيس أحد هذه المخافر: ولو يا أبو فريد؟. يعني هلّق صاروا كل سكان الشرقية والأشرفية شيوعيين؟. تخينة، ما هيك؟.. بس شو منعمل، أنت بِتْمون يا أبو فريد.
وكان أبو فريد موقناً أنه لو لم يلجأ الى هذه «السياسة» مع رؤساء مخافر «المقاومة الشعبية»، وترك الأمور تجري كما يُراد لها، لكان قد سقط ـ قصداً أو مصادفةً ـ عدد من الضحايا.. ولكان الشعار الطائفي قد أحرق البلد بأكثر مما هي تحترق، مسبّباً المزيد من الآلام والفواجع للعديد من العائلات، وبالأخص الفقراء... فمن الذي كان يقصد وسط البلد سوى الفقراء، من المسلمين والمسيحيين، يسعون وراء لقمة عيشهم والحصول على بعض الأجر لقاء أعمال لا يقوم بها إلا الفقراء والمحتاجون والذين شرّدتهم الأحداث عن أماكن عملهم؟!
وفي هذا السياق نفسه من العمل بهدف إطفاء الحرائق الطائفية أو ازالة أسبابها المباشرة، أذكر: أن الخوري طانيوس منعم، الأب المستنير والكاتب التقدمي، كان أيضاً يزورنا في المركز، في زيه الديني الأسود، ولحيته الوقورة أحياناً والضاحكة غالباً... وذات عصر صحبه أبو فريد مع عدد من الرفاق للتجوّل في شوارع المنطقة وزيارة عدد من القيادات، فكان الترحيب بالأب منعم أسطورياً: تهليل وزغاريد ورصاص ابتهاج في الهواء ورشّات أرزّ فوق رؤوس زوّار الوطنية والسلام والمقاومة.

الصفحات