كتاب " مذكرات أبو فريد " ، تأليف اسبر البيطار ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مذكرات أبو فريد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مذكرات أبو فريد
عدائي للأغوات والبكوات:
كانت ستي حنّة "أم والدتي" تخبرني عما حلّ بنا من الحكم التركي، وكيف أن المسيحي مهما كان وضعه الاجتماعي كان عليه، عندما يمر في قرية البيرة" (2) أن يترجّل عن الحيوان الذي يمتطيه، ويسير على الطريق حانياً رأسه، وبالتالي يُمنع عليه الالتفات يميناً أو يساراً، ومن يخالف هذا التقليد، طبعاً من المسيحيين فقط، كان يشنق على شجرة من الدلب كبيرة لا تزال موجودة حتى الآن، أو يُجلد، وكان الوحيد غير الخاضع لهذا التقليد هو جدّي اسحق داود البيطار، وهو الوحيد أيضاً في عندقت الذي كان لديه حصان، وفي الوقت نفسه كان مختاراً للقرية. وعندما كنت أسأل ستي عن سبب هذا الإعفاء كانت تقول لي: جدّك رجال آدمي ومحترم وكان قبضاي، وما بعرف يا ستي اذا في شي اتفاق بين بعضهم، ويكتر خير فرنسا ياللي خلصتنا من هالحالة.
لهذه الحكايا كنت أثور غضباً، لذلك بت أبيّت الشر لكل من يركب حصاناً ويمر في قريتنا عندقت، فأعتبره إما بك أو آغا. لذلك كنت أتربّص في أحد السياجات التي تحيط بالبساتين والتي تقع على الطريق العام، مزوداً بنقّيفتي (3) أو ببعض الحصى الصغيرة التي تُستعمل في هكذا حالات، وما أن يمر بي الخيّال ويبتعد عني مسافة عشرة أمتار، حتى أبدأ بقذف الحصى من نقّيفتي على الحصان وعلى صاحبه. فيجفل الحصان ويركض بالسرعة القصوى، وفي معظم الاحيان كان الخيّال يفاجأ بحصانه يجفل. قد تذهله المفاجأة ويرتبك، وفي معظم المرّات، كما قلت، يقع أرضاً. فما أن يكون الآغا أو البك قد أفاق من المفاجأة، إلا وأكون قد ابتعدت كثيراً من المكان. ولم أذكر مرة واحدة أن وشى أحد بي على الرغم من أن بعض أبناء قريتي يعرفون بأنني عدو الخيّالة التي تمر في قريتنا، باعتبارهم بكوات أو أغوات ومن واجبي أن انتقم منهم لأهلي.
بدأت عاملاً مع بداية الحرب:
في العام 1936 بدأت الحرب العالمية الثانية، وبدأ معها التقنين واستيلاء الدولة على المواد الزراعية، ولم يعد بمقدور الفلاحين وغيرهم، والذين هم بالاصل غير قادرين على تلبية حاجاتهم الأولية في الأوقات العادية. فكيف بالحرب قد وقعت وأصبحت الدولة الفرنسية، المنتدِبة آنذاك، لا تُبقي شيئاً للفلاحين، وكان جلاوزتها دائماً يطبّقون القوانين الضرائبية على الفقراء والمعدمين بينما كانوا يتغاضون عن الوجهاء لقاء بعض الاكراميات. وهذه الأساليب لا تزال سارية حتى الآن وقد أصبحت وراثية إذ إن الوظيفة معتبرة باباً للرزق وليس خدمة اجتماعية.
في هذا الجو القلق على المعيشة رأيت نفسي مضطراً لمساعدة والدي المتقاعد في إعالة أشقائي الستة. وأصبحت عاملاً في معمل للحرير كان يملكه إيطاليان. وفي هذا المعمل بدأت أشعر بفداحة الظلم والقهر والعذاب الذي ينزل بعاملات هذا المعمل حيث كانت ظروف العمل شاقة جداً؛ كنا نعمل بين 12 و14 ساعة في النهار، عندما تكون الأيام طويلة، وكي لا تنقص تلك الساعات أحضر صاحب المعمل مولداً للكهرباء لإنارته وتمكين العاملين به من إبقاء عدد الساعات كما هي. هذا بالإضافة إلى الإهانات والضرب والطرد التي كانت توجه للعاملات من قِبل المناظرين، وهم ثلاثة رجال فقط وسلّاكين اثنين بين ما يقرب من المئة عاملة. وكنت أحد السلاكين الذي يشعر مع العاملات ويعاملهن بالشفقة ويساعدهن ما أمكن، وقد كلفتني تلك العاطفة كثيراً.