أنت هنا

قراءة كتاب مذكرات أبو فريد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذكرات أبو فريد

مذكرات أبو فريد

كتاب " مذكرات أبو فريد " ، تأليف اسبر البيطار ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

كادوا أن يقتلوني:

كان يوسف الطحان، وهو كبير المُناظرين، يتفقد العمل وهو إنسان ظالم فاسد لا يعرف للرحمة معنى. وإذا به يناديني كي آخذ أحد دواليبه للتسليك لأنَّ صاحبة الدولاب وتدعى مارتا جرجس، قد أخطأت في زيادة الشرانق على "السلاك" وهو الذي يقيس وزن الحرير، وعندما تخالف إحدى العاملات كانت تقع شرنقة أو شرنقتان بالناقص أو بالزائد، وتترك الآلة التي تعمل عليها، وطبعاً هذا العمل كان عن غير قصد إذ إن الكل يعلم بأن عملاً كهذا عاقبته وخيمة. ونتيجته حسم الراتب الذي كان لا يتعدى الـ 20 قرشاً يومياً، بالاضافة إلى الضرب والشتيمة ورشق المياه الساخنة على وجه العاملة. وهذا النوع من العقاب كان معمماً ولا يُستثنى منه أحد. فكل مخطئة من العاملات، صانعة كانت أم معلمة، تنزل بها العقوبة ذاتها من المُناظرين، بخاصة المناظر العام يوسف الطحّّان. قلت: ناداني هذا الأخير لآخذ الدولاب للتسليك، تاركاً قسماً من الخيط المقطوع في يده بينما نزعت الدولاب من مكانه وأخذته على التسليك.
صاحبة الدولاب هذه كانت من أحسن المعلمات في معمل الحرير، وقد توفي زوجها بمرض السرطان أو ما كان يسمى في ذلك الوقت "بالريقان الحبشي" تاركاً لها ما يقارب خمسة أو ستة أولاد ولا معيل لهم سواها. فأخذت الدولاب ورأيت شعيرات الحرير كم هي مخالفة للأوزان المخصصة لهذا النوع، وتصورت ما هو نوع العقاب الذي سيُنزل بها، فسمعتها تتوسل اليّ دون أن تتكلّم، وعيناها الجاحظتان عكست شعورها بما ينتظرها من عقاب، نظراً لأنني الوحيد الذي يمكنه إنقاذها بنزع جميع الشعيرات السيّئة وإبدال الوزنة بغيرها. ومعروف عني من قبل جميع المعلمات بأنني كنت أخبئ بعض الوزنات المخالفة نصف درجة أو درجة، وهذه مخالفة نوعاً مقبولة لاستبدالها عند الحاجة. ولكن شعرة الحرير، على دولاب المعلمة مارتا الجرجس، كانت مشابهة لخيط القنب أكثر منها لخيط الحرير. فما العمل؟ وانا لا أزال أسمع توسلات تلك المعلمة وكأنها تكلمني مسترحمة، لذلك قررت مساعدتها وتخفيف المخالفة مهما كانت النتيجة.
وبسرعة وضعت الدولاب على سيبته وتناولت طرف الخيط وبدأت السّحب على دولاب مخصص لذلك، حيث يجب أن يدور مئتي دورة، وهذا الدولاب مزود بعقرب يشير إلى الرقم مئتين حين يصل البرم إلى هذا الحد، عند ذلك يجب على السلّاك نزع الوزنة ووضعها على شنكل صغير وكالعقرب أيضاً يبين كم هو ثقل الوزنة.
ثقل الوزنة كان يجب أن يكون اقصى حد للمخالفة 2/1 15، ولكن للمرة الأولى أرى مخالفة يتخطى وزنها العشرين. وهنا رأيت ذلك الشرير "يوسف" يأتي باتجاهي بينما كانت العاملات تنقسمن إلى قسمين: صانعة، ومعلمة. فالصانعة هي التي تسلق الشرانق بمياه حامية جداً ثم تقدمها إلى المعلمة التي بدورها توزع الشرانق على الآلات المتصلة بدولاب الحرير المتحرك.
والوزنة هي كناية عن سلة من خيطان الحرير (20 دورة الدولاب 100 متر تقريباً) ومعيارها يتراوح بين 13 و 2/1 14 وكل زيادة أو نقصان يعرض المعلمة للعقاب المعروف.
وكأني به قد أدرك ما أصنع، وللحال وضعت الوزنة في صدري وأبدلتها بوزنة لا يزيد ثقلها عن 2/1 15 وأبقيتها معلقة في الميزان لحين وصوله ثم تابعت التسليك حيث كانت الشعرات الثقيلة قد انتهت وعاد الى الحرير وزنه العادي.
وصل الطحّان وسألني: قديش طلعت الوزني ولاه؟ فأجبته ها هي أمامك 2/1 15 إنها مخالفة درجة واحدة. فضحك ضحكته الصفراوية المعهودة وأخذ الوزنة وقابل شعيراتها بالشعيرة التي كان لا يزال محتفظاً بها. وقال: ولى شعرات هالوزنة هاي متل هالشعرة ياللي بايدي. فأجبته والله يا معلمي ما بعرف، هذا دولاب الحرير وهذا دولاب التسليك. وهذا ما حصل معي. عند ذلك تقدم نحوي شاتماً والدي وأمي قائلاً يا ابن الش..... عم تضحك عليّ والله لألعن أبوك أخو.... وصفعني كفاً على وجهي، ولكنني أخفيت رأسي بسرعة كي لا يصيبني، وبالفعل ذهبت صفعته خائبة ويا ليتها لم تكن كذلك. لأنه عند انحناءتي السريعة والوزنة مخبئة في صدري هبطت على حافة قميصي، وما أن أسرعت بانحناءتي حتى قفزت الوزنة من صدري وهبطت امام يوسف الطحان وكأن بها تقول: أنظر فعلة هذا السلّاك المتآمر عليك، فهذه هي الوزنة الحقيقية وليست التي بيدك. عند ذلك انقض عليها بهدف التقاطها ورفعها بيديه حيث قارنت اصفرار تلك الوزنة اللعينة باصفرار وجهه الدائم فلم أر أي فارق، وكأنهما امتزجا مع بعضهما حقداً ينفث سماً، يطالبان الانتقام مني.

الصفحات