أنت هنا

قراءة كتاب مذكرات أبو فريد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذكرات أبو فريد

مذكرات أبو فريد

كتاب " مذكرات أبو فريد " ، تأليف اسبر البيطار ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

مذكرات أبو فريد

ولدت عام 1925 في "عندقت" قضاء عكار من عائلة تعتبر حتى الآن من العائلات الرئيسية في القرية، "عائلة البيطار"، ومن أب احترف الجندية وكان الوجه البارز الطيب الشعبي المحبوب المتفاني في خدمة الناس. هذا بالاضافة إلى أنه كان وجيه العائلة، وأحد وجهاء القرية الفاعلين في مختلف نشاطاتها.
وطبعاً "عندقت" كبقية القرى اللبنانية النائية، تفتقر إلى كل شيء، الماء والكهرباء وحتى المدرسة، هذا بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي السائد آنذاك، حيث الإقطاعية لا تزال حتى الآن لها الكلمة الأولى في تقرير مصير أي إنسان، ولا يوجد وسيلة انتاج آنذاك سوى بعض الأعمال اليدوية وأدوات الحراثة البدائية، وكلا العملين لا يسد الرمق ولا يمكن الإنسان من العيش إلا بالكفاف.
من هنا نرى بأن معظم أبناء تلك القرى كانوا يتركون قراهم، إما للمهجر أو إلى الوظيفة الحكومية أياً كانت تلك الوظيفة، لأن الموظف كان له امتياز نوعاً ما من حيث تمكّنه من ممارسة وظيفة تبعده عن الأجواء التعيسة التي كان يعيشها محيطه القروي والمكبّل بالممارسات الاقطاعية.
من تلك الوظائف كان الانخراط في الجيش وهو الطابع الوظيفي الغالب على قريتنا "عندقت" إذ إن 90% من وظائف "العنادقة" هي للجيش ثم الدرك ثم الامن العام أو الهاتف، ومن النادر أن تجد موظفاً عندقياً خارجاً عن هذه الإدارات الأربع.
و"عندقت" من تلك القرى العكارية الجميلة حيث تقع على رابية ترتفع 750م عن سطح البحر، وتتقاطع في وسطها الطرقات المؤدية إلى "شدرا" وإلى "عيدمون"، وإلى بقية القرى الحدودية العكارية الشمالية. وهذه القرية لم تعرف التعصب الطائفي برغم أنّ هذا المرض اللعين قد أصاب معظم القرى المارونية، وإنْ مرّ عليها هذا الطاعون فقد كانت محصّنة ضده، والضحايا لا تذكر بالنسبة لما كانت تبثّ لها تلك القوى الشريرة العاملة دائماً تحت شعار "فرّق تسد". وأفضل الأفراح في عندقت كانت الاعياد الدينية حيث كنت ترى في أعياد المسلمين أفراداً أو عائلات من القرية يقومون بزيارة أهل المشاتي "مفردها مشتى" حسن وحمود وأكروم والبيرة الخ.. للتهنئة بالمناسبة. وكذلك في الأعياد المسيحية كانت عندقت تعيش أحلى أعراسها. في هذه الأجواء كانت تعيش الطوائف عندنا في إلفة قلّ نظيرها. وهي لا تزال حتى الآن، على الرغم من كل ما حل ببلدنا من مصائب، تعيش تلك الأجواء المفعمة بالمحبة والتفاهم.
وكان يزيد تلك الاعياد بهجة وفرحاً عودة أولئك العكسريين أو الموظفين إلى القرية بمأذونياتهم السنوية، فيقام في كل بيت فرحة بالعائد، حيث يجتمع معظم أقربائهم، وكلّ ينقل معه العرق وما تيسر من طعام في البيت، فتصبح الطاولة عامرة بمختلف أنواع الأطعمة و"خود بعدين عتابا وميجانا وأغانٍ مختلفة" حتى منتصف الليل فيعود كلّ إلى بيته بعد ان يكون قد تمتع بأمسية لا يشعر بمتعتها إلّا من شارك فيها. مع العلم بان تقاليد كهذه كانت ولم تزل، على ما أعتقد، موجودة في معظم القرى اللبنانية، إذ إن هذا النوع من المشاركة في الافراح هو تقليد عام في معظم القرى.
كان والدي جندياً في الجيش الفرنسي "جيش الشرق" حيث تألفت أول سرية من ذلك الجيش في عندقت على ما أعتقد. وعند عودته كان يلتئم شمل العائلتين فخر والبيطار. وكانت والدتي إذذاك في قمة بهجتها وزينتها! مع أطيب المأكولات التي تكون قد هيأتها لزوجها وأشقائها وللأقرباء من العائلتين الذين هم بدورهم، كما أسلفنا، ينقلون معهم ما أمكنهم من مشرب ومأكل.
في هذا الجو المتعاون والمتعاطف، كنت أتمنى لو يمرّ الوقت سريعاً، وقد وضعت نصب عيني الدخول في الجندية. وقد حققت طموحي في انخراطي في الجيش سنة 1943. وهي سنة دخولي أو بالاحرى تعرفي على الأحزاب السياسية في البلاد. حيث كنت لا أعرف من السياسة إلا أن فرنسا "أمّنا الحنون" وهذا ما كانت تلقننا إياه راهبات اليسوعية في مدرسة القرية.
لم يخطر ببالي ابداً ان اكتب ما حدث لي في الحياة لولا أنني أريد أن أحث كل إنسان، مهما كان مركزه الاجتماعي، أن يندفع في خدمة وطنه وبلاده وشعبه إلى اقصى حدود الاندفاع، ذلك أنني من خلال ممارساتي للعمل الوطني تأكد لي بأنه كلما ارتفع وعي الإنسان العادي واندفاعه في العمل الوطني كلما كانت النتيجة أفعل وأجدى. على أن يكرس المرء معظم جهوده لتحقيق قناعاته غير آبه بما يعترضه من صعوبات ومخاطر، لا أن يأمل من نتيجة عمله أن يحصل على المراكز المرموقة أو غيرها. وعليه أن يعمل على سعادة الكادحين أينما وجدوا.
كنت على اتصال ببعض الادباء والمؤلفين، وكنت اراهم يخلقون اعمالاً أو أحداثاً أو أبطالاً من تخيلاتهم أو تصوراتهم أو استناداً لما مرّ بهم بشكل عابر تقريباً. وفي كل مرة أقرأ إحدى الروايات أقارن بين محتوى هذه القصص والروايات وما تصوره من بطولات ومعجزات وبين ما حدث معي بالفعل. وقد حفَّزني ذلك لكتابة ما صادفني من أحداث وصعاب كان من بينها تنفيذ أحكام إعدام! وأن أسردها كما هي، دون زيادة أو نقصان. وليس لي هدف من تقديم قصة حياتي هذه سوى ما أسلفته من إفادة معنوية لمعارفي وأقاربي، ورفاقي الذين كان لي شرف مواكبة مسيرتهم الطويلة والشاقة والذين سيتابعون المسيرة على طريق تحرير الكادحين الشرفاء، ليس في لبنان فحسب، بل في العالم أجمع، مظهراً ومؤكداً بأن النضال الاجتماعي ليس وقفاً على الأفراد والأبطال، بل يتوقف على ما يبذله كل عنصر في مكانه مهما كان وضعه الاجتماعي. أرجو المعذرة فيما لو كان أسلوبي مغايراً لأساليب الآخرين من المؤلفين والأدباء، أو لأنني وضعت بعض الحواشي الكلامية في غير موضعها، ذلك إنني لست مؤلفاً ولا أديباً بل إنني مناضل عادي رأى من المفيد تقديم سيرة حياته، وفق ما سمحت له ذاكرته في استيعاب الاحداث ولم تسمح له أحياناً بتحديد تواريخها.
إسبر البيطار

الصفحات