كتاب " مذكرات أبو فريد " ، تأليف اسبر البيطار ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مذكرات أبو فريد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مذكرات أبو فريد
شمّاس في الكنيسة:
القداس اليومي هو اجباري للراهبات ولتلامذة المدرسة، وكذلك الزياحات المسائية لشهر المريمات وشهر قلب يسوع وشهر الصوم وتسعاوية الميلاد، إلى آخر ما هنالك من مناسبات دينية، وطبعاً كل مناسبة تختلف طقوسها عن الثانية، فكنتُ ايضاً مجلياً في الصلاة والترتيل وكنت الشمّاس اليومي لكنيسة ماريوسف "دير الراهبات" حيث كنت على اتفاق تام مع الخوري سمعان الذي كان بالفعل من الخوارنة الذين لا يعرفون القراءة إلا بشبيّته (كتاب خاص بكل خوري يتلو فيه صلواته اليومية) وكان لا يعرف من الفراميات سوى "نهديك السلام يا مريم..." و"يا صالحاً أبد الوجود". وهذه الصلوات الأخيرة كان يتلوها بالقداديس الاحتفالية. مع العلم بان لكل قداس إفرامية (1) شِكِلْ. والكل كان لا يلوم الخوري سمعان باعتبار انه لا يعرف اكثر من ذلك، وكانوا يقولون: الصلاة بالنيّات وليس بالتراتيل. وكنت آخذ عنه دوره في الترتيل بينما هو يفتعل الانهماك بالصلوات وترتيب أدوات التقديس.
الصلاة من أجل الفقراء: كنت مولعاً بالصلاة من اجل الفقراء، وكنت اطلب كثيراً من الله ومن العذراء مريم ان تكون مواسم الفلاحين جيدة، الشتوية منها والصيفية. بحيث كنا نقوم بصلاة خاصة بكنيسة السيدة، خصوصاً عندما لا تمطر السماء فيزداد التضرع وترتفع حرارة التوسّل واستجداء المطر من الله بشفاعة قديسيه، وكنت على يقين بأن الله والقديسين سيستجيبون لتضرعاتنا وتوسلاتنا، وكنت أصل في بعض المراحل إلى البكاء. وكان الله يخيّب آمالنا في معظم الاوقات، ولكن عندما يصادف هطول الأمطار ولو متأخراً، كنا نعيد ذلك إلى صلواتنا.
هذه الصلوات كانت تكلفني جهداً كبيراً. وبما انني كنت المتفوق دائماً في صفّي، فكنت أجمع جميع اقربائي وزملائي من الصف أو من غير الصف، وأعلّمهم دروسهم وأنفّذ لهم فروضهم اليومية، وكل ذلك الجهد الذي أبذله كان لقاء مرافقتهم لي إلى الكنيسة لنصلي من أجل الفقراء ومن يتخلف عن مرافقتي أمتنع عن مساعدته واشكوه إلى اهله حيث ينال جزاءه، ولم يتخلف عن الصلاة الا القليل منهم.
كلب خالي عبدو: كنا في صلاتنا نبتهل إلى العذراء كي تلهم خالي الميسور ليوزع ما لديه في المستودع من مواد غذائية وزراعية إلى فقراء العيلة. ولكن خالي الميسور واحد من الوجهاء الفاعلين في القرية. كان يحب النساء وعطاءاته لا تشمل الا المحظوظات بعطفه، والصلوات لم تكن تقدم أو تؤخر في ميوله مما اضطرني للجوء إلى السرقة من المستودع ليلاً. ولكنني اصطدمت بالكلب الذي كان ينبح في كل مرة اقترب فيها من المستودع فما كان مني إلّا أن أصادقه حيث بتّ أجلب له معي كل مرة بعض الخبز والطعام، وألعب نهاراً مع أولاد خالي حتى أصبح يعتبرني من العائلة، وهذه الصداقة سهلت لي سرقة بعض المواد التي كنت أوزعها على الفقراء من دون أن يعلم أحد مصدرها، وقد اعترفت للخوري سمعان الذي هو صديق لي بفعلتي هذه فقال لي بأنها أعمال مشروعة وليست خطيئة، وعلى كل حال سأمنحك البركة فيغفر الله لك، ولكن إياك أن تسرق لنفسك. وعندما اطلعته على اضطراري للسرقة لعدم استجابة القديسين لصلواتي انتهرني ونبّهني بأن أغير اعتقادي هذا وإلا!!!
الاعتداء على أملاك الدير:من المحرمات عندنا، نحن المسيحيين، مس أي شيء يخص الدير، فمال الدير هذا مال وقف، فمن يمسّه أو ياخذ منه شيئاً فعقابه عند الله شديد، والعقاب لا يشمل الفاعل فقط بل يشمل جميع أفراد العائلة. وفي إحدى المرّات كنت ماراً بالقرب من حديقة الدير المغروسة بأشجار اللوز، وكان يومها موسم اللوز الأخضر، فمددت يدي حذراً، وطبعاً بعد أن تأكدت بأن أحداً لا يراني، وما ان اقتربت يدي من الغصن حتى انتابني خوف شديد لئلا تبقى يدي ممدودة (أي يصيبها اليباس كما كانت تقول الراهبة) فأعدتُ يدي إلى وضعها الاول ولم أحس بشيء تغير فيها مما شجعني لمحاولة ثانية حيث أمسكت بالغصن وقطفت ما تيسر لي من حبات اللوز التي أكلتها من دون أن أصاب بشيء. وقد تعددت محاولاتي هذه وشملت كرم العنب وغير ذلك من المزروعات التابعة للدير، وفي كل مرة كان الخوري سمعان يمنحني البركة والغفران، ودائماً فرض التوبة بعد الاعتراف: خمس مرات أبانا الذي في السموات... وخمس مرات السلام عليك يا مريم. وهذا النوع من الجزاء كان هو الوحيد عند الخوري سمعان مهما كانت الخطايا التي يعترف بها التائب.