أنت هنا

قراءة كتاب مذكرات أبو فريد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذكرات أبو فريد

مذكرات أبو فريد

كتاب " مذكرات أبو فريد " ، تأليف اسبر البيطار ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

مثل هذه المبادرات المتتالية، عزّزت كثيراً من نفوذ أبو فريد في هذه الأحياء ورسّخت المحبة الشعبية له، وتعاطف الناس مع الشيوعيين، وهذا هو هدف أبو فريد الأساسي وبالأساس.
ولعلّ هذه المبادرات، وكثير غيرها، كانت في ذهن أبو فريد وضميره، عندما كتب في مذكراته هذه الكلمات الطالعة من خبرة شيوعي مجرِّب:
«إن أقوى دعاية يقوم بها الشيوعي ليس فقط ما يتكلّم به، أو يطرحه من شعارات، أو يتعمّق بدراسة الماركسية، وبخاصة أولئك الذين يردّدون آياتها بشكلٍ ببغائي وينسون بأنها، أي الماركسية، مرشد للعمل... أقول: إن أقوى دعاية يقوم بها الشيوعي هي ممارسته العملية وتفانيه العملي وربط الكلام بالعمل...».
* * *
نصل الآن الى فترة حرجة ـ ومحرجة ـ من حياة الرفاق، وحياة البلاد، وحياة أبو فريد:
فقد سبق لكميل شمعون أن طلب من الأميركان التدخل العسكري لحماية حكمه، ووضع حدّ لهذه الانتفاضة ضده!.. فكان هؤلاء الأميركان ـ لأسباب وأسباب! ـ يطوّلون بالهم ويطلبون منه أن يطوّل باله!!. ولكن، ما أن وقع الانقلاب في العراق ضد النظام الملكي وحكم رجل الانكليز نوري السعيد، حتى أسرعوا لإرسال قواتهم إلى لبنان لأهداف لا تتعلق بلبنان فقط، بل بالعراق أساساً وبالمنطقة كلها وبالخوف على فقدان الثروة البترولية من سيطرتهم.
أصدر الحزب الشيوعي بياناً، بتوقيع نقولا شاوي الأمين العام للحزب، يدعو الشيوعيين بأن يردّوا على أي عدوان أميركي بكل ما يملكون من سلاح أو شتى الوسائل والأدوات لتوجيه ردود مؤلمة على كل اعتداء اميركي مسلح... وقد كان واضحاً أن «زعماء» البلاد، على اختلاف توجّهاتهم، لا يريدون أي مجابهة ولا حتى أي تحرّش بسيط بالأميركان، بل هددوا بقمع أي عمل يستفزّ الأميركان!!
الشيوعيون كانوا جزءاً من كل في المعركة ضد شمعون... فاضطروا الى ممارسة أعمال فردية، هنا وهناك، ضد الأميركان بوسائل غير الوسائل المسلحة: من ضرب لجنود أميركان، وتجريدهم من سلاحهم الفردي، وبعض تفجيرات جرت بدون إذن من قيادة الحزب.. وبعض عمليات جرت ـ باذن وتوجيه ـ ولكن بشكل سرّي «حرصاً على الجبهة الداخلية، الهشّة أصلاً!»..
وحدث أن تمركزت قوة أميركية بالقرب من المركز العسكري التابع للحزب في مطلع حرش بيروت، وفي شكل يوحي بأن هذه القوة هي بمثابة حركة تمهيدية لتطويق المركز، فتجمهر المئات من الشيوعيين هرعوا من مختلف شوارع بيروت، بسلاح وبدون سلاح، وتمركزوا على بعد أمتار قليلة من القوات الأميركية، مستعدين للموت لو بدر من الأميركان أية بادرة تقدّم أو اقتحام أو إطلاق رصاص ولو إرهاباً في الهواء..
أما أبو فريد ـ (الذي كان يعرف جيداً حقيقة مواقف «القيادات التقليدية والزعامات»، وحتى البعض أيضاً من غير التقليديين!) ـ فقد كان يغلي في داخله، ولكنه يتصرّف بكامل الهدوء (الديسبليني)... في ظاهره!
كان واضحاً، إذن، أن الدبابات الأميركية تتقدّم، ببطء شديد، في اتجاه مركز الشيوعيين المقاوم... وكان واضحاً أكثر أن الشيوعيين، الذين يتزايد تجمهرهم، قد تمركزوا بمواجهة الدبابات مستعدين للقتال في أية لحظة ومستعدين للموت دفاعاً عن المركز وعن الوطن...
... وقد صار واضحاً ـ فيما بعد ـ أن اتصالات «زعماتية عليا» جرت مع القيادة الأميركية تحذّرها بأن هذا المركز هو للشيوعيين، وأن على الأميركان أن يتجنّبوا أي صدام مع الشيوعيين، الذين يتوافدون ويتجمّعون حول المركز، قادمين من كل أنحاء العاصمة، لا يهابون الموت.
.. فتوقف تماماً زحف الدبابات!!
ولكن، على الرغم من كل هذا الجو الكابح والضاغط والمحذّر، نظّم أفراد من الشيوعيين بعض العمليات والتفجيرات هنا وهناك، وقد شارك أبو فريد في واحدة من هذه العمليات أرعبت القوات الأميركية المتمركزة في وسط المدينة ـ (أبو فريد يسرد، في مذكراته هذه، بالتفصيل وبالأسماء الكثير من هذه الأمور).
* * *
... ولكن مذكرات أبو فريد تقف هنا فجأة!
ينقطع السرد، تصمت مذكرات أبو فريد، فلا نعرف منها شيئاً عن نشاطاته اللاحقة (بعد أحداث 1958) لا داخل الحزب والعلاقات مع الرفاق، ولا في المناطق والمنظمات!
ولا أدري سبب هذا التوقف! فهل تعب أبو فريد من الكتابة، هو الذي لا يتعب؟.. أم أن الصفحات الباقية قد ضاعت؟.. لا أدري!
ولكن، هل لا يزال في الامكان استكمال حكاية أبو فريد، يسردها من يعرفها ممّن بقي منهم في الحياة، وفي الحزب، لتكتمل صورة هذا المناضل الشجاع، المخلص والواعي والمقدام، والقريب القريب الى قلب كل من عرفه؟
* * *
لاحقاً، أتيح لي أن أجاور هذا الانسان المتعدّد الصفات والقدرات، القوي جسدياً والقوي أخلاقياً... الصلب حزبياً، والمرن ـ حزبياً أيضاً ـ الى أقصى حدود المرونة لتوطيد علاقات الحزب مع الناس... الحازم دائماً، والضاحك المزوح والظريف دائماً أيضاً.
وعندما جاورناه في واحدة من طبقات عمارة واحدة، صارت علاقاتنا أكثر قرباً وأشد متانة.. صرنا جميعاً أفراد عائلة واحدة، معه، مع أم فريد، المؤنسة والخجولة والناعمة جداً، الصبورة جداً، والصلبة جداً الى جانب أبو فريد والأولاد الأعزاء عليه، عليها، وعلينا.
واذا كانت حكايات هذه الجيرة العزيزة والجميلة لا تدخل في موضوعات هذا الكتاب، وموضوعات هذه المقدمة، فهي تدخل ـ بالتأكيد ـ وتتمازج في موضوعات القلب وعمق الصداقة وحلاوة الجيران.
(أيار 2010)
محمد دكروب

الصفحات