كتاب " الإرهابي الأخير " ، تأليف فوزي ذبيان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ووما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الإرهابي الأخير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإرهابي الأخير
الإرهابي الأخير
1
اسمي فيودور ميخائيلوفيتش دوستويفسكي. أنا روائي روسي من القرن التاسع عشر.
لم يزد كلمة واحدة إلى هذه الجملة الأبدية الموجهة إلى لا أحد.
التفت صوب المنزل العابق بمئات القضبان الحديدية المثبتة فوق نوافذه، ابتسم ابتسامة تنم عن استخفاف جهنمي ثم توجه ناح البيت. جعل يعد خطواته بتأنٍ وقد تدثر معطفاً أسود وذقناً وشاربين خفيفين.
صعد الدرجة الأولى فالثانية فالثالثة فالرابعة فالخامسة، ثم قرع الباب بمطرقة حديدية على شكل يد مضمومة. دج دج دج دج... لم يرد عليه أحد، ولم يُفتح الباب. "أنا أعلم أنك بالداخل"، قال دوستويفسكي، "افتح الباب".
حافظ السكون على مجمل سكونه إلا صوت الهواء الذي كان يتمتم عبر بعض الأشجار الصغيرة وشوشة ليصير صراخاً مرعباً تقوله شجرات ضخام... إنها من تلك التي تُزرع حول القبور.
اقترب من نافذة صغيرة لا تشبه إلا النافذة الصغيرة وجعل، وقد شدّ المعطف حول جسده أكثر، يرقب البيت من الداخل. أشياء البيت، وقد زحط الضجر من كل مكان في العالم ليتجمع هنا، كانت تحادث نفسها بمقت وبجمل قصيرة. كان الأثاث موزعاً داخل قاعات المنزل توزيعاً أبدياً حتى لتظن أن الله بنفسه قد وزع هذا الأثاث كما همس دوستويفسكي في أذن النافذة الجاثمة خلف القضبان.
كل شيء كان في مكانه جامداً لا يتحرك إلا هرة كانت تمشي بتثاقل لا ينتهي كأنها الهم.
دج دج دج... عاود الطرق بالمطرقة الحديدية المعلقة فوق الباب، لكن بلا جدوى. اشتد الهواء حول دوستويفسكي وقد أتى المساء والأشجار صارت كأنها أشباح تحاول الانقضاض.
هرة الهم، تلك التي تمشي بتثاقل خبيث، أرخت برأسها فوق قائمتيها الأماميتين المضمومتين منذ الأزل وجعلت ترمق صاحب المعطف من فوق حافة إحدى النوافذ الخارجية. يبدو أنّ ثمة باباً سرياً للقطط في هذا المنزل الـ... (اختاروا الصفة التي تشاؤون).
كانت القطة وهي سوداء تبلغ من العمر قططاً تتأمل دوستويفسكي بنظرات تتراوح بين الخوف منه ومحاولة تخويفه في آن معاً. تارة تدور برأسها حول رقبتها ببطء، وتارة تشد هذا الرأس إلى الأمام كأنه مفتاح ليل لا ينتهي.
لم يحد دوستويفسكي قيد أنملة من مكانه أمام الباب صاحب اليد المضمومة ولم يرف له جفن في خضم المابينه وما بين القطة السوداء. كانا كالمأخوذين ببعضهما البعض هي الرابضة فوق قائمتيها الأزليتين وهو المتدثر المعطف المشدود بواسطة يديه الاثنتين.
قبل منتصف الليل بقليل، والقمر صار أبيض والريح بعض نسمة بل أخف بكثير... مياو...مياو. لم تبادله المواء، نطّت من مكانها مذعورة وقد انهال عليها دوستويفسكي خربشة. جعلت تعدو في الحديقة بشكل دائري وكأنها قطة دائرية، بينما دوستويفسكي المتدثر يعيد ترتيب نفسه في مكانه عند مدخل البيت فوق أعلى الدرج.
ليس من الضروري أن يكون لهذه القطة أي مرور آخر طيلة هذا الكتاب، لكنها ما زالت تدور حتى اليوم. أما دوستويفسكي، فكف عن أن يكون أمام الباب متدثراً... لقد ولج عتبة البيت، والقصة هي أن جوّان البيت انفتح على برّانه بعد أن دفع دوستويفسكي باب هذا البيت بكتفه حتى بجّه عن بكرة أبيه.