أنت هنا

قراءة كتاب حياة على المتراس

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حياة على المتراس

حياة على المتراس

كتاب " حياة على المتراس " ، تأليف أرتين مادويان ترجمه إلى العربية أرادشيس قيومجيان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 3

فأرتين مادويان، الابن البار للشعب الأرمني العريق بثقافته وتقاليده الثورية، قد ورث إلى جانب هذه التقاليد، تجربة نضالية غنية من تاريخ هذا الشعب المكافح على مدى مئات السنين من أجل الوصول إلى تحقيق أهدافه القومية، وهي تجربة فيها الخطأ وفيها الصواب على مستوى القيادة التاريخية المتعاقبة، ولكنها زاخرة دائماً بالزخم الجماهيري الاستثنائي والروح الكفاحية المدهشة. وهو من موقعه الأرمني، ومن تجربته الخاصة في مقاومة اضطهاد الرجعية التركية والوقوع ضحية المجازر الرهيبة التي نفذتها ضد هذا الشعب، ومن تتبعه لتاريخ الثوريين الأرمن، والوطنيين الأرمن وكل الذين نادوا بالحقوق القومية للأرمن، ومن خلال تفانيه، هو، من أجل تحقيق هذه الحقوق... قد وجد نفسه مندفعاً نحو الماركسية، نحو أفكار ماركس وإنجلس ولينين ونظريتهم الثورية التي تحمل وحدها، في عصرنا، مفتاح حل القضية القومية على أسس سليمة، لكونها وحدها الفهم الدياليكتيكي العلمي لمدخلي هذا الحل الصحيح، ألا وهما فعل الصراع الطبقي داخل الأمة، أي موقع كل من الطبقات الاجتماعية ودوره في النضال لتحقيق الأهداف القومية، من جهة، والترابط الدياليكتيكي بين الوطنية والأممية من جهة ثانية. وإذا كان المجال الآن لا يتسع لاستفاضة حول هذا الموضوع، فيكفي القول إن تجربة نضال الشعب الأرمني من أجل حقوقه القومية، التي أرست قيام جمهورية أرمينيا الاشتراكية السو؟ياتية القاعدة الراسخة والأساس المتين لتحقيقها، إنما تؤكد بالملموس صحة ما نقول حول مفتاح الحل الصحيح للقضية القومية في عصرنا، في ضوء الماركسية ـ اللينينية، ومن خلالها.

* * *

إضافة إلى هذا العمق الذي استند إليه أرتين مادويان في شبابه، جاءت الظروف التي عاشتها الجماهير الأرمنية في لبنان، لتشكل تربة خصبة مؤاتية لنمو الأفكار الثورية التي اعتنقها أرتين مادويان ودافع عنها. في حين كانت الفئات الأرمنية الأخرى «تشكر» الشعب اللبناني، والسوري، على ضيافتهما وحسن استقبالهما للأرمن الذين نجوا من المجازر الهمجية على يد تركيا، من موقع المجاملة والعلاقات الإنسانية المحضة،... التي كانت تترجم بالنسبة إلى البورجوازية اللبنانية والسورية، والأوساط النافذة في البلدين نوعاً من «الشفقة»، تغلف بالنسبة إلى بعضهم نظرة طائفية معروفة، انطلق أرتين مادويان من منطلقات أخرى مختلفة تماماً. فهو يرفض أن تنطلق الجماهير الأرمنية من عقدة الخوف، والنقص لكونها لاجئة في بلد آخر، ذلك لأنها قد اضطرت اضطراراً إلى هذا اللجوء، ولا يمكن أن تدفع ثمن ذنب لم تقترفه. ثم إنه، من خلال نظرته الثورية أدرك عمق الرباط الذي يربطه، والذي يربط الجماهير الأرمنية أيضاً، بجماهير الشعبين اللبناني والسوري اللذين كانا يرزحان في ذلك الوقت تحت نير الانتداب الفرنسي، بعدما عانيا طويلاً نير السيطرة العثمانية. وإذا كانت الجماهير الأرمنية وجدت نفسها غريبة في هذين البلدين، فشعب البلدين هو كذلك «غريب» وإن كان على أرض وطنه، ثم إن جماهيرهما الشعبية الواسعة التي تعيش ظروفاً اجتماعية صعبة أكثر غربة داخل بلديها من بعض الغرباء عن بلدانهم، ودون أي تردد رأى أرتين مادويان أن «المصيبة تجمع» بين الجماهير الشعبية الأرمنية والجماهير الشعبية في لبنان وسوريا، بل إن «القضية تجمع» وتوحِّد وللجانبين مصلحة واحدة وقضية واحدة ولا بدَّ من النضال المشترك للوصول إلى تحقيق هذه الأهداف...

ومنذ النشأة الأولى لشبيبة «سبارتاك» في إطار حزب الهنشاق اليساري، إلى تبلور هذا التيار بقيادة أرتين مادويان على أسس إيديولوجية متكاملة نسبياً، وعلى قواعد تنظيمية مستقلة تشكل رافداً من روافد تأسيس الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان، إلى التقاء هذا الرافد الجدول المتدفق في ينابيعه الأولى على يد طليعة عمالية نقابية متمثلة بفؤاد شمالي ورفاقه، وطليعة من المثقفين الثوريين يرمز إليها يوسف يزبك وصحبه أولئك الذين التقوا في ذلك البيت المتواضع في الحدث يوم الرابع والعشرين من تشرين الأول عام 1924 ليعلنوا نشوء الحزب الشيوعي اللبناني (الحزب الشيوعي في لبنان وسوريا)،.... إلى التقاء هذين الرافدين إذاً، في احتفال الأول من أيار عام 1925 في سينما كريستال حيث استكمل الحزب عملية نشوئه،... وعرف بداية انطلاقته الجماهيرية منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا... وعلى امتداد أكثر من ستين عاماً كاملة... لم يكن من قبيل الصدفة أن أرتين مادويان، ظل في الصفوف الطليعية من النضال داعية وحدة بين الجماهير الشعبية الأرمنية والجماهير الشعبية العربية، منطلقاً من قناعة راسخة بأن الجماهير الأرمنية في لبنان وسوريا تجد حلاً لمشاكلها بمقدار ما تجد الجماهير العربية في هذين البلدين حلاً لمشاكلها هي بالذات. وبذلك كان أرتين مادويان، ورفاقه المناضلون الأرمن، وطنيين لبنانيين، ووطنيين سوريين، بل «قوميين عرباً» حقيقيين، أي مناضلين حقيقيين من أجل القضية التحررية للشعوب العربية، من أجل قضية القومية العربية. والمذكرات التي كتبها أرتين مادويان تشكل في هذا السياق واحدة من أهم الوثائق حول تاريخ الأرمن في سوريا ولبنان، وحول نضال الجماهير الشعبية الأرمنية في البلدين، ودور هذا النضال في تحرر البلدين وفي المكاسب السياسية والوطنية والاجتماعية التي حققها الشعبان اللبناني والسوري، وسائر شعوب أمتنا العربية: وهو في الحقيقة مناسبة لتكريم عشرات الشهداء الأرمن في صفوف حزبنا والحركة الوطنية لشعبنا، ممن أسهموا بدمائهم إلى جانب إسهام المئات غيرهم بعرق جبينهم وتضحياتهم الكبيرة، في بناء الصرح الشامخ لهذا الحزب، وفي تحقيق الإنجازات الهامة على الصعيد الوطني، وفي نشر أفكار الماركسية - اللينينية في ربوعنا العربية، وفي الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة والجماهير الشعبية، وفي الدفاع عن جمهورية أرمينيا السو؟ياتية، الوطن الأم للأرمن، وواحدة من الجمهوريات المكوّنة للاتحاد السو؟ياتي، وفي رفع راية الصداقة العربية - السو؟ياتية، والتضامن الأممي الحقيقي مع كل شعوب الأرض المناضلة من أجل التحرر، ومع قوى البشرية المناضلة من أجل الحرية والتقدم الاجتماعي والاشتراكية والسلام.

إن حزبنا مدين لهؤلاء الرفاق الذين يذكرهم أرتين مادويان في كتابه بدءاً من الشهيد الأول (أرتين كولبنكيان) إلى الشهيد الأخير البطل سيمون، كما هو مدين لسواهم من المناضلين الذين خدموا الحزب في أقسى الظروف وفي أصعب المهمات. إن هؤلاء لم يسهموا فقط في بناء الحزب، بل هم في ظروف معيّنة أمنوا استمراره. وهذا استحقاق كبير ننظر إليه دائماً بفخر وإعجاب.

* * *

الصفحات