كتاب " حياة على المتراس " ، تأليف أرتين مادويان ترجمه إلى العربية أرادشيس قيومجيان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب حياة على المتراس
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

حياة على المتراس
إن المؤتمر الثاني للحزب وضع الأساس الصالح كذلك للقضاء على تناقض حاد، بل على صراع داخلي كان يمزق كل رفيق مخلص في مجال العلاقات الداخلية، التنظيمية للحزب.
ففي الفترة التي سادتها «عبادة الفرد» وانتفت فيها القواعد التنظيمية اللينينية في حياة الحزب الداخلية، كان الرفاق المخلصون، والأكفاء، عرضة لأحد احتمالين إما أن يجاهروا بآرائهم، وملاحظاتهم كافة، ويوجهوا النقد للمسؤول فيتعرضوا لخطر الإبعاد عن الحزب... وإما السكوت عن النواقض والانخراط في عملية المديح المفرط للقائد، والإسهام في ضرب الرفاق الآخرين حسب مزاج المسؤول ورغبته... وبالتالي يفقدون الكثير من روح المبادرة وحرية الرأي والإسهام الخلّاق في العمل القيادي، ويصبحون جزءاً من وضع قيادي مصف للكوادر أياً كان موقفهم الشخصي من مسألة تطوير الكادر. وفي كثير من الحالات كان الرفاق الأكفاء والمخلصون يتعرضون لهذه الحالة، إضافة إلى تعرضهم الدائم للنقد اللاذع وغير الموضوعي، وإلى ما كان يسمى بعملية «الضرب» الحزبي التي تؤدي إلى إقصائهم عن مواقع القيادة موقتاً، أو كلياً، وحتى إلى إذلالهم معاشياً ومادياً...، وتنتهي «برسالة» نقد ذاتي لأهداف منها تحطيم الكادر المعني وإذلاله لتحويله إلى أداة طيعة...
عايش أرتين مادويان كل هذه المرحلة الصعبة فكان أحد ضحايا هذا الأسلوب وساهم بدوره، من خلال إخلاصه للحزب ومن موقع تعلقه بوحدة القيادة، في ممارسة هذا الأسلوب ضمن إطار الهيئات القيادية حيال الرفاق الآخرين فتألم بشكل مزدوج ووجد نفسه، في كثير من الحالات، أمام صراع داخلي حاد بين قناعاته السياسية والتنظيمية وحتى بين كرامته الشخصية من جهة، وبين ما كان يراه من قناعة مصلحة الحزب من جهة أخرى، كما فعل غيره من الرفاق القادة البارزين وفي مقدمتهم الرفيقان الكبيران فرج اللَّه الحلو ونقولا شاوي، وإن كان هذان القائدان، وخصوصاً فرج اللَّه، أكثر الذين عانوا من هذا الأسلوب وأقل الذين ساهموا فيه. هذه المعاناة المرة وجدت في المؤتمر الثاني للحزب نهاية لها. لذلك كانت فرحة أرتين مادويان بالمؤتمر كبيرة. ولذلك أيضاً، يحتل الحديث عن هذا الأسلوب في حياة الحزب قبل المؤتمر الثاني حيزاً هاماً من مذكرات أرتين مادويان، حيث يكشف أرتين مادويان وقائع، وحوادث مؤلمة حقاً تعرض في خلالها رفاق مخلصون لحملات تشكيك ولاتهامات ولانتقادات ظالمة ولإجراءات وعقوبات تصل إلى درجة الطرد من الحزب...
وقد تكون الذاكرة قد خانت أرتين مادويان فلم يذكر كل الحوادث، أو بالغ في ذكر بعضها، أو لم يتصف بعض ما ذكره بالدقة الكاملة... ولكن ألا يكفي ما يعرفه من أسلوب، ومن وقائع لإعطاء الصورة الكافية عما كان يجري، وبالتالي لإعطاء جزء من الجواب عن السؤال الذي كان يشكّل، وهو اليوم يشغل، قسماً رئيسياً من كوادر الحزب حول أسباب عدم تطور الحزب في الماضي، وبصورة متناسقة وثابتة، بمستوى ما كانت تسمح به الظروف الموضوعية المؤاتية في البلاد.
لقد وضع أرتين مادويان ما كتبه حول تلك المرحلة في تصرف قيادة الحزب، وترك لها القرار حول ملاءمة النشر أو عدم ملاءمته. وبما أن الموضوع يتعلق بمذكرات شخصية، لم يكن لقيادة الحزب الحق في أن تدقق، أو في أن تصلح، أو في أن تؤكد هذه أو تلك من الحوادث. فأرتين مادويان يتكلم عن هذه القضايا على مسؤوليته الشخصية. ومن غير المستحسن أن يشطب بعض ما كتب عن قناعة مراعاة لهذا الاعتبار أو ذاك. ولم يكن الهدف من الموافقة على النشر وقوفاً عند الماضي لمعالجته من هذه الزاوية أو تلك، بل كان الهدف أن يعي رفاقنا الجدد اليوم ما كان يجري في حزبهم من ممارسات، ليحصنوا الحزب ضدها في المستقبل من خلال التمسك بمقررات وبروح المؤتمر الوطني الثاني في هذا المجال، كي يكسب الحزب مناعة ضد الآفات والأمراض التي يلحق استشراؤها أكبر ضرر في مسيرته.
* * *
لقد تحمل أرتين مادويان الكثير. ولكن ميزة أرتين مادويان الأساسية هي هذه الروح الثورية المثابرة التي لا تعرف الكلال. إنه المناضل «البولشفي» المثالي الذي لا حدود لتفاؤله التاريخي، ولا حدود لقناعته العملية بحتمية انتصار الاشتراكية، ولا حدود لتفانيه في ميدان النضال، وخدمة قضية الطبقة العاملة والإخلاص للحزب ولا تردد في مجال القيام بواجب أو تنفيذ مهمة، وبدقة مدهشة. إنه صاحب ثقافة ماركسية عميقة، ما زال يغذيها حتى اليوم بقراءات متنوعة يحتلّ لينين فيها باستمرار، حصة أساسية تسمح له أن ينطلق دائماً من منطلق طبقي في نظرته إلى الأحداث، وروح ثورية تزداد مع السنين ولا تهمد، وحس وطني مرهف وإخلاص أممي لا حدود له. ذلك هو أرتين مادويان الذي يقارب اليوم الثانية والثمانين من العمر، وهو ما زال يعطي بكل طاقاته وإمكانياته عطاءً مهماً، كمياً ونوعياً، للحزب، وللطبقة العاملة، وللبنان والأمة العربية، وللوطن الأم أرمينيا السو؟ياتية، وللأممية. فهو، في عمر الشباب من حيث الحماسة، ومن حيث توقد الذهن، ومن حيث الثقة بما يطرح، وبما يجعله قادراً على نقل قناعاته إلى محدثه دون الكثير من العناء. فمن يحدث أرتين مادويان ويسأله رأيه في قضية ما، يلمس من جوابه فوراً الصدق، والقناعة، والإخلاص لما يعتقد وفيما يقول. ولن يجد القارئ لهذه المذكرات صعوبة في الوصول إلى هذا الاستنتاج.
* * *