أنت هنا

قراءة كتاب حياة على المتراس

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حياة على المتراس

حياة على المتراس

كتاب " حياة على المتراس " ، تأليف أرتين مادويان ترجمه إلى العربية أرادشيس قيومجيان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 4

هل يسهُل الانتساب إلى «قوميتين» أو بالأحرى الالتزام بقضيتين قوميتين، القضية القومية الأرمنية، والقضية العربية، هل يسهل ذلك طريق الأممية؟

ربما. وهنا يكمن الوجه الثالث المتمم لشخصية أرتين مادويان، المناضل الأممي البارز، وعلى قاعدة الانسجام التام، والتعامل، والتوحد الدياليكتيكي، بين الوجوه الثلاثة لشخصية أرتين مادويان يمكن النظر إلى حياته الغنية بالنضال والمستمرة في العطاء حتى يومنا هذا. فأرتين مادويان، الأرمني، اللبناني - العربي، الأممي، هو شديد الانسجام مع نفسه في نضاله فوق هذه الساحات الثلاث، في القضية القومية الأرمنية، وفي الساحة العربية، وعلى الصعيد الأممي. إنه، ليس فقط لا يعيش أي تناقض، أو تشاد، أو تجاذب بين الجوانب الثلاثة لشخصيته، بل، على العكس من ذلك، تشكل الأركان الثلاثة لهذه الشخصية أو الأقانيم الثلاثة إذا استعرنا التعبير اللاهوتي المسيحي، باستنادها إلى المنطلق الطبقي الصلب، وحدة متكاملة تحدد على أسس سليمة العلاقة الجدلية الخلاقة بين الوطني والأممي، وهو أحد الجوانب الهامة التي يؤكد عليها دائماً حزبنا الشيوعي اللبناني، وبخاصة منذ مؤتمره الثاني التاريخي، الذي أعاد الحزب في هذا المجال إلى الأصول التي عرفها في العشرينيات والثلاثينيات، والتي كان لأرتين مادويان دور أساسي فيها.

ولا شك أن للأممية الدور الأساسي في نشوء الحزب. ليس ذلك فقط من خلال السمة العالمية والتأثير العالمي لأفكار ماركس وأنجلس ولينين، وإن كانت هذه الأفكار العلمية تحمل في طياتها إسهام كل شعوب العالم في تطور المعرفة عبر العصور، بما في ذلك إسهام الفلسفة العربية والفكر العربي، وليس فقط من خلال وهج ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى وانعكاسها في بلادنا على الأوساط العمالية الطليعية، وعلى المثقفين الثوريين آنذاك... بل كذلك في المدى التنظيمي المباشر. فمبعوثو الأممية (الكومنترن) قد أسهموا إسهاماً مباشراً في جمع أبرز هؤلاء العمال الطليعيين والمثقفين الثوريين وأمنوا نشوء الحزب الشيوعي اللبناني. ولكنهم بذلك لعبوا دور المنشط والمشجع والمسرع والمنظم لنمو هذه الشجرة ذات البذور الوطنية، التي نمت في التربة الوطنية لبلادنا فشكلت نبتتها بداية مرحلة تاريخية جديدة لنضال شعبنا من أجل تحقيق أهدافه التاريخية، في التحرر الناجز في جميع المجالات. فالحزب الشيوعي اللبناني (اللبناني - السوري) قد نشأ في رحم هذه الأرض العربية، من أب وأم وطنيين عربيين، يحمل شجرة عائلة طويلة طويلة، وعريقة عريقة، تجعله على صلة قربى مباشرة مع أول إنسان حلم في مجتمع سعيد فوق أرضنا الوطنية، ووارثاً شرعياً لأول ثوري طمح لتحقيق التحرر والتقدم لشعبنا، بل وارثاً شرعياً ومكملاً لنضال كل الثوريين في بلادنا العربية. وما دور ممثل الكومنترن في ولادة الحزب إلا دور «القابلة» وهو دور هام على كل حال.

وهكذا كان حزبنا منذ انطلاقته حزباً أممياً. غير أنه كان أممياً حقاً، لعبت أصالة نشأته دورها في جعله باحثاً عن إيجابيات انتمائه الأممي وأعطته مناعة حِيال بعض سلبيات هذا الانتماء، رغم اختلاف هذه المناعة بين فترة وأخرى، هذه السلبيات الناجمة عن الرؤية غير الصحيحة التي كانت تصدر أحياناً عن بعض مواقع «الأممية» حيال القضية الوطنية. ورغم أن بلادنا كانت تحت الانتداب الفرنسي، وفي فرنسا حزب شيوعي قومي، فإن النشوء المستقل لحزبنا جعله أكثر قدرة على الاستفادة من الدعم الإيجابي الذي قدّمه الحزب الشيوعي الفرنسي لنضاله، وأقل تأثراً بالأخطاء التي وقعت فيها أحزاب أخرى في البلدان المستعمرة والتابعة، فأهملت قضيتها الوطنية وتبنت شعارات الأحزاب في بلدان المتروبول...

كذلك لعبت الأممية دوراً إيجابياً في طرح قضية «تعريب الحزب» في الثلاثينيات، وهو توجه صحيح دون شك، وقرار ذو أهمية تاريخية يهدف إلى إعادة الحزب إلى أصالته الوطنية. وكون الرفيق أرتين مادويان قد قاد معركة التعريب بجرأة ونجاح، يؤكد من جهة مدى الوعي الأممي الحقيقي لدى الرفيق مادويان مما يجعله أكثر المتحمسين لـ «وطنية» الحزب، فهو يؤكد في المقابل أن معركة «التعريب» قد خيضت من جهة في وجه بعض ممثلي الأممية الذين جاؤوا من فلسطين، ومن أصول يهودية، ومن جهة أخرى باتجاه تقديم قيادات عربية، على مختلف المستويات، إلى جانب القيادات الأرمنية التي استوعبت موضوعياً أهمية الدور الأساسي للقيادات العربية في توسيع صفوف الحزب بين الجماهير الواسعة. غير أن معركة التعريب، التي انطلقت من منطلق صحيح، وتمت ظاهرياً بشكل ناجح، لم تصل، برأيي إلى كامل بعدها في الجوهر، فالقضية لم تكن، فقط، الهوية «القومية» لهذا المسؤول أو ذاك. إن هذا مهم جداً، غير أن القضية الأهم هي في تحديد خط الحزب من القضية القومية بشكل سليم. وهنا يمكن القول إن الزخم الذي رافق معركة التعريب في الثلاثينيات قد انعكس إيجابياً في موقف الحزب من شعار الاستقلال، ومن شعار الوحدة مع سوريا (وقد كان الحزب حزباً واحداً في لبنان وسوريا تجسيداً لهذا الشعار) وبخاصة من شعار الوحدة العربية حيث كان الحزب خلّاقاً ومبدعاً في مؤتمر زحلة عام 1934، ليس في طرح الشعار فحسب، بل في رسم بداية برنامج نضالي لتحقيقه.

إن هذا الزخم لو استمر لتغير، برأيي، كثير من المعطيات في تطور المنطقة وفي تطور الحزب، ولما كان هناك ربما مبرر لقيام حركات وأحزاب أخرى لعبت لاحقاً وما زالت تلعب دوراً هاماً، إيجابياً وسلبياً، في حياة أمتنا العربية، ولكانت «الحركة القومية» الهادفة إلى التحرر الحقيقي وإلى الوحدة قد ظلت بقيادة الحزب، فسارت بثبات ونجاح على طريق تحقيق أهدافها، وفي أحسن الحالات، إذا لم يكن من الممكن موضوعياً منع نشوء تلك القوى أصلاً؛ فمما لا شك فيه أن دورها كان قد اختلف كماً ونوعاً، لو أن الحزب الشيوعي قد قام بدوره المطلوب كاملاً. ولعل في العرض الموضوعي الذي يقدمه أرتين مادويان لتطور موقف الحزب من القضية القومية من خلال الحديث عن مواقف الحزب في حقبات تاريخية معيّنة، وحيال قضايا معيَّنة، لعل في هذا العرض معالجة أولية، من جهة، ومادة تسمح بالمعالجة العلمية من جهة أخرى، استكمالاً لما طرحه بجرأة تقرير اللجنة المركزية أمام المؤتمر الوطني الثاني التاريخي المنعقد عام 1968، الذي أعاد الاعتبار إلى الموقف الماركسي ـ اللينيني الحقيقي من القضية القومية، كما أعاد الاعتبار إلى الفهم الماركسي ـ اللينيني الحقيقي للعلاقة الجدلية بين القضية الوطنية القومية من جهة، والأممية البروليتارية من جهة أخرى. لذلك كان من الطبيعي ليس فقط أن يلعب الرفيق أرتين مادويان دوراً في انعقاد المؤتمر ونجاحه حسماً لأزمة الحزب آنذاك، إلى جانب الرفاق الآخرين ممثلي القيادة التاريخية في الحزب وفي مقدمتهم الرفيق نقولا شاوي، بل كان من الطبيعي أن يجد رفاق مناضلون قدماء ومجربون، مفعمون بالروح الأممية ومتفانون في الدفاع عن القضية الوطنية وعن مصالح الطبقة العاملة، من أمثال: نقولا شاوي وأرتين مادويان ويوسف خطّار الحلو وإلياس البواري ومصطفى العريس وسواهم من مناضلي الرعيل الأول، أن يجد هؤلاء في المؤتمر الثاني للحزب اندفاعة جديدة، ومناخاً صحياً يضع حدّاً لصراع داخلي يعانيه كل مناضل يجد نفسه في هذه الفترة أو تلك أمام تناقض مفتعل بين وطنيته وأمميته... لقد أعاد المؤتمر الثاني أصالة النشأة الوطنية إلى الحزب وأصالة الانتماء الأممي، فكان بذلك منسجماً مع القناعات الراسخة التي ميّزت شخصية الرفيق أرتين مادويان كمناضل وطني، وأممي، الأمر الذي يبرز بوضوح من مجمل ما كتبه أرتين مادويان في مذكراته.

* * *

الصفحات