كتاب " نيتشه وجذورها ما بعد الحداثة " ، تأليف د. أحمد عبد الحليم عطية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب نيتشه وجذورها ما بعد الحداثة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نيتشه وجذورها ما بعد الحداثة
(1)
يرجع الفضل الى فرح أنطون في تقديم فلسفة نيتشه الى العربية عام 1907 ـ حسب زعمه ـ إذ يقول في الجزء الثالث من مجلة «الجامعة» ، السنة السادسة نيسان/أبريل 1908:
«قلنا في الجزء الثاني الذي ظهر في أول شباط/فبراير ما نصه»: «نظن أن اسم الفيلسوف نيتشه الألماني لم يرد في اللغة العربية قبل الصفحة التي لخصت فيها «الجامعة» شيئاً من فلسفته السنة الماضية». (3) ويعرض في هذا الجزء أساس فلسفة نيتشه، الذي جاءت فلسفته لتقوض تلك الجهود التي بذلها الفلاسفة في أوروبا، يقول فرح أنطون: «بينما هذه العقول والنفوس الكبيرة آخذة في بناء الهيئة الاجتماعية وهي تظن أنها بلغت منتهى العلم والفكر وأن لا جديد بعد مبادئها هذه وإذا بنيتشه يقوم عليها قومة شديدة ينشر عليها ردوده». يحدد لنا أنطون مكانة وقيمة ودور فلسفة نيتشه في أوروبا وأثرها النقدي في رفض العقائد القديمة. وهو دور هام على المثقفين في الشرق القيام به؛ ومن ثم فإن التعريف بفلسفته يمكن أن يؤدي عندنا دوراً أساسياً في رفض المعتقدات والتقاليد السائدة التي أدت الى التأخر. إن نهضة الشرق تحتاج الى أفكار جديدة تدعو للحياة وليس سوى نيتشه الذي عرض له بالترجمة والتعليق في مجلة «الجامعة» من يقوم بهذا الدور، يقول: «إن ما يحدث في أوروبا مشابه لما يحدث في الشرق الذي يحتاج أبناؤه الى أفكار نيتشه»، ويضيف: «ما زلنا نعتقد بما جهرنا به من سنتين، يوم شرعنا لأول مرة في تلخيص فلسفة نيتشه، وهو أن مبادىء هذا الرجل تحتوي على كثير من الحقائق الضرورية للحياة وعلى أبناء الشرق أن يطلّعوا عليها ليشددوا نفوسهم بها» (4).
وهو يريد بهذه المبادىء تلك التي صبّ فيها نيتشه كل ما أعطي من قوة النفس وحماسها لتحبب الحياة والنشاط والقوة الى الناس، وخلقهم بهذه الصفات خلقاً جديداً أو سحق الانحطاط في النفوس والهمم والأمم. كما أنها تحتوي على كثير من المبادىء التي لا نرى الآن موضعاً لها في الشرق. ولأن أنطون يقوم بمهمة مثل تلك التي نهض بها نيتشه، لذا يقدم فلسفته أثناء نقله لكتاب رينان عن حياة المسيح وأثناء تناوله لفلسفة ابن رشد وسجاله مع الشيخ الإمام محمد عبده. وهو حذر لأسباب متعددة في الدعوة لأفكار فيلسوف القوة، وهو حذر يحرص على الإشارة إليه حين يؤكد لنا خطته في نقل فلسفة نيتشه، وهي أن يلخص منها كل ما لا يمس الأديان والعادات الحاضرة «لأن غرضنا هو استخراج لباب القوة والحماسة من كتبه والإعراض عما بقي» (5).
وهو من شدة تأثره بالفيلسوف كتب شعراً على غرار مبادىء نيتشه كما يتضح في «القصيدة على الجبل: بين نيتشه وتولستوي» (6)، وقام بتعريب زاراتوسترا ، الذي يعد كما يقول أبلغ كتب الفيلسوف وأجملها. ويجعل منه أجمل أثر أدبي في العالم؛ «وإذا جعلنا مقارنة بينه وبين سائر أعمال البشر وجدناها جميعاً دونه. وصواعقه تنقض نحو مستقبل لم يفطن إليه أحد بعد» (7). أثار نقل أنطون أو تلخيصه لعمل نيتشه وحذف بعض عباراته قلق وتعقيب القراء، وتحت عنوان «مسائل ورسائل» نشرت «المجلة» رسالة نقولا معلوف التي يقول فيها: «وددت لو أنكم تلخصون كل أقوال نيتشه (دون حذف شيء منها) وتعلقون عليها حواشي اعتراضاتكم وأفكاركم. وأن لا تحذفوا المبادىء الكثيرة التي لا ترون لها موضعاً في الشرق، ولا يمكن العمل بها، بل تتحفون قراءكم بها كلها»...، وردت «الجامعة» موضحة موقفها مؤكدة ما سبق أن أشارت إليه لكنه توضيح يكفي للدلالة على موقف صاحبه: «لقد قصدنا أن نحذف منها كل ما هو بحث ديني محض لأننا أبعد الناس عن البحث الديني الذي لا فائدة منه. وأما المواضيع المتصلة بالمباحث الاجتماعية والفلسفية فإننا نبقيها كما هي» (8). تلك هي أهداف أنطون المعلنة وهي استحضار نيتشه وصواعقه التي تنقض نحو مستقبل لم يفطن إليه أحد من أجل سحق الانحطاط في النفوس والهمم والأمم. لذا فإن على أبناء الشرق أن يطلعوا عليها.