أنت هنا

قراءة كتاب نيتشه وجذورها ما بعد الحداثة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نيتشه وجذورها ما بعد الحداثة

نيتشه وجذورها ما بعد الحداثة

كتاب " نيتشه وجذورها ما بعد الحداثة " ، تأليف د. أحمد عبد الحليم عطية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

(5)

ويبرر المترجم والناقد عملهما بالرغبة في نهضة الشرق، وهو ما وجدناه في دعوة فرح أنطون الى أفكار نيتشه، لقد استجاب فارس لرأي من أشاروا عليه بترجمة عمل نيتشه «لتسديد عزم الشبيبة في هذه المرحلة التي يتوقف على نهضتنا فيها مستقبلنا واستعادة أمجاد تاريخنا» (24). لنتتبع دوافعه الى ترجمة الكتاب يقول: «إن ما دعانا وأصحابنا الى تقرير ترجمة «زرادشت» هو أننا نظرنا الى فلسفته من الوجهة الملامسة للمبادىء الدينية والأخلاقية التي تتجه الى إحياء حضارتنا القديمة على أساسها، وقد رأينا أن هذا المؤلف الفريد في نوعه ليس من الكتب التي تنقل الى بياننا لما لها من قيمة فلسفية وأدبية فحسب، بل هو من الكتب التي يجدر بالناشئة العربية درسها كما يدرسها طلاب الجامعات في كل قطر أوروبي... (فقد) اشتمل من المبادىء على ما كان ولا يزال محور الخلاف المستحكم بين ذهنيته وذهنية الشرق العربي بوجه خاص «مما أثار معركة نقدية هامة حول قضية نهضة الشرق ودور الدين والعلم فيها» (25). ويشير فارس الى القضايا موضع الخلاف منحازاً الى الشرق والدين ويتناول الناقد ليس أفكار نيتشه فحسب بل فهم المترجم وتأويله لها.

فإذا كان نيتشه يريد خلق الإنسان المتفوق جباراً كشمشون، وشاعراً كداود، وحكيماً كسليمان، فهو يكلف الطبيعة ما لا قبل لها به. فان فارس يرى أن في الحياة مسالك خطتها الإرادة الكلية وليس للإرادة الجزئية أن تتناولها بتحوير، فمصاعد الرقي للأرواح منتصبة من كل مسلك في عالم الظاهر نحو العالم الخفي، وما خصت به العناية أقوياء الجسوم بالارتقاء (26). ويفرق بين نوعين للوصول الى الرجل المتفوق: طريق العلماء في الغرب، وطريق الدين في الشرق. وهو ينحاز للطريق الثاني يقول: «أما نحن، أبناء هذا الشرق الذي انبثق الحق فيه انصباباً من الداخل لا تلمساً من الخارج، فلنا المسلك المفتوح منفرجاً أمامنا للإعلاء والخروج الى النور بعد هذا الليل الطويل، إذا نحن أخذنا بروح ما أوحاه الحق إلينا، لا بترقية الزراعة والصناعة ولا بنشر التعليم والتهذيب ولا بجعل البلاد جنة ثراء وتنظيم، تنشأ الأمة ويخلق الشعب الحر السعيد» (27).

إن فارس يقدر نيتشه تقديراً عالياً ويرفض ـ في الوقت نفسه ـ موقفه من الدين ويريد أن يفسره تفسيراً يقربه من الدين. يقول: «إننا لم نر كفراً أقرب الى الإيمان من كفر هذا المفكر الجبار الثائر الذي ينادي بموت الإله، ثم يراه متجلياً أمامه في كل نفس تخفق بين جوانح الإنسان من نسمته الخالدة» (28). ويعطينا تأويلاً لبعض نصوص نيتشه على لسان زرادشت تجعله أقرب الى الإيمان، خاصة الفصل الذي عنوانه «بين غادتين في الصحراء» مما دفع إسماعيل أدهم الى نقد ما قدمه فارس، الذي يعده من أعلام البيان في الشرق العربي، عرفته لغة الضاد ذائداً عن حياضها أمام تيار العجمة الدخيل، وعرفه الشرق العربي رسولاً يرفع رسالة غيبيات الشرق أمام يقينيات أوروبا الجارفة.

ينتقد أدهم أفكار المترجم التي كانت تتسرب الى تفكير نيتشه فتختلط به أو تجعل كلامه ينحرف بعض الانحراف. ويعطي أمثلة لذلك بفصل «بين غادتين في الصحراء». يقول: «يرى فارس أن أسد الصحراء رمز للنبي، رمز لانبعاث الفضائل العليا وتحررها على الجحود والتضعضع في الحياة» بينما هو عند أدهم رمز للعقل الإنساني الطموح الى نيل حريته وبسط سيطرته على حياته؛ أما الصحراء فيفهمها على أنها الحياة المتحررة؛ وأما صرخة الأسد أمام غادات الصحراء فهي صرخة الإرادة في الإنسان الطموح لنيل حريته، وغادتا الصحراء، هنا هما فضائل الحياة» (29). وبينما يرى المترجم أن نيتشه يكلف الطبيعة ما لا قبل لها به ويطمح الى إيجاد جبابرة لا يصلحون لشيء في المجتمع؛ لأن الحيوية لا تنصرف من مختلف نوافذها الجسمية في آن واحد دون أن تقبض على صاحبها لتوقفه في سلم الارتقاء على مرتبة معلقة بين الاعتلاء والانحطاط؛ يرى أدهم في نقده أن هذا الاعتراض لا يصح على نيتشه؛ ذلك أنه يقيم فكرته في مجيء السوبرمان من ازدياد القوى الحيوية عن طريق ترك المجال لتنازع البقاء فيبقى القوي الأصلح (30).

وعند فكرة فارس «أن الدين الذي يهاجمه نيتشه إنما هو صورة لأصل شوهها الغرب»، وهي فكرة متكررة لديه، يرى إسماعيل أدهم أنها فكرة خاطئة. فالغرب لم يشوه الدين الذي أخذه من الشرق، وإنما كل ما فعله أنه جعله يتكافأ مع طبيعته الحيوية الإنسانية فأسبغ عليه صوراً ليست منه، ولكنها من طبيعته، فكان من ذلك صورة للدين تغاير الصورة التي هي عليها في الشرق. فالغرب كيّف الدين على حسب طبيعته حتى يقبله، وهذا التكيف هو ـ في الواقع ـ خلع للثوب الغيبي عن عقليته الآرية وعقله الإنساني المتحرر من تقاليد الماضي، وهو لم يحاول أن يجعل الإنسان يفلت من حدود إنسانيته بل عمل على أن يردّ الإنسان الى حقيقته في عالم الطبيعة بعد أن حاولت الأديان أن تفلته من حدود الطبيعة وتجعله خاضعاً لما وراء الطبيعة حتى أصبح الانسان حيواناً ميتافيزيقياً (31).

إن وقوف فارس عند الدين باعتباره المرجعية لفهم أفكار نيتشه وتأويلها ليفيد منها أبناء الشرق هو أحد الوجوه في القضية، والوجه الآخر، هو قبول أدهم بالعلم أو بنظرية التطور التي هي سبيل الرقي الإنساني، ومن هنا فهو يحدد الاختلاف بينهما في قوله: «صديقي المترجم رجل غيبي وأنا رجل ضد الغيبيات على خط مستقيم. والناحية الغيبية عند صديقي هي التي جعلته ينكر التطور كحقيقة بيولوجية. إن فليكس فارس لم يقف على حقيقة البحوث التطورية الحديثة... وهو ينكر التطور كحقيقة علمية، وهنا موضع الافتراق بيننا» (32).

الصفحات