أنت هنا

قراءة كتاب نهاية العالم على مذبح التغير المناخي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نهاية العالم على مذبح التغير المناخي

نهاية العالم على مذبح التغير المناخي

كتاب " نهاية العالم على مذبح التغير المناخي " ، تأليف د. أيوب أبو دية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

ويسهم كذلك غاز أكسيد النيتروز في ظاهرة الانحباس الحراري مساهمة فاعلة، وبالرغم من أنه لم تزد نسبته في الغلاف الأرضي عن نحو 15 % منذ قرنين من الزمن، بيد أن الجزيء الواحد منه يمتص الموجات الحرارية الطويلة بقدرة تزيد 310 مرات عن جزيء ثاني أكسيد الكربون كما يظهر في الجدول الآتي. وهذا الغاز ينجم عن النشاطات الزراعية واستخدام السماد، كما ينجم عن احتراق الوقود التقليدي والنشاطات الصناعية المتنوعة وغيرها من الأنشطة الطبيعية والصناعية.

الغازات

القدرة على امتصاص الموجات الحرارية

العمر في الغلاف الجوي بالسنة

CO2

1

200 – 50

CH4

21

12 – 9

N2O

310

120

HFCs

11,700 – 140

264 – 2

SF6

23,900

3,200

PFCs

9,200 – 6,500

50,000 – 3,200

الغازات الدفيئة وقدراتها على اختزان الحرارة

المصدر: US/E.P.A visited January 2nd 2012.

وهناك غازات من مركبات الكلوروفلوروكربون لم تكن موجودة أصلاً في الماضي، وهي من صناعة الإنسان المعاصر للاستخدام في أجهزة التبريد، وبعضها يدخل في صناعة الألمنيوم وصناعة مواد إطفاء الحريق وغيرها من الصناعات. ولهذه الغازات قدرة عظيمة على امتصاص الموجات الحرارية الطويلة تصل إلى آلاف المرات قدرة غاز ثاني أكسيد الكربون. فعلى سبيل المثال، هناك مركب سداسي فلوريد الكبريت SF6، حيث تكافئ قدرة امتصاص الجزيء الواحد منه 23900 مرة قدرة جزيء ثاني أكسيد الكربون على امتصاص الموجات الحرارية لأشعة الشمس(3).

وبالرغم من أن هذه المركبات توجد بنسب ضئيلة جداً في الغلاف الجوي، فإن أثرها عظيم على ظاهرة الانحباس الحراري وطبقة الأوزون. وهناك إجراءَات مهمة للحد من إنتاج هذه الغازات في العالم، لحسن الحظ، ونأمل أن تنداح هذه التوجهات مدى لتشمل الغازات الدفيئة الأخرى رحمة بهذا الكوكب الجميل الذي يحتضننا جميعاً. ولكن، ألم تسعفنا زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو خلال العصور الغابرة للخروج من العصر الجليدي، فلماذا كل هذا الخوف إذاً؟

إن عينات الجليد التي تمت دراستها من العصر الجليدي الأخير كشفت أن نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو كانت 200 جزء بالمليون حجماً؛ وإذا علمنا أن نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو كانت قبل الثورة الصناعية 280 جزءَاً بالمليون؛ أي أن زيادة 80 جزءَاً بالمليون فقط أدت إلى زيادة 160 بليون طن من ثاني أكسيد الكربون في جو الكرة الأرضية، الأمر الذي أخرجها من العصر الجليدي عبر ألوف السنين؛ وهذا يعني أيضاً أننا أضفنا نحو 200 بليون طن جديدة من ثاني أكسيد الكربون خلال المئتي سنة الأخيرة من التطور والنمو المضطرد الذي اعتمد على الوقود الأحفوري الشديد التلويث للبيئة، إذ بلغت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو اليوم نحو 380 جزءَاً بالمليون(4). وهذه الزيادة تفسر ظاهرة الانحباس الحراري المعاصرة تفسيراً علمياً كافياً.

وبناءً عليه، فإننا نتساءَل: إذا زاد معدل درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض خمس درجات سلسيوس نتيجة زيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو بعد العصر الجليدي الأخير، فلماذا لم يزد معدل درجة حرارة الأرض أكثر من درجة سلسيوس واحدة منذ الثورة الصناعية، بالرغم من زيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بقدر أعظم خلال القرنين الأخيرين؟

ربما يعود السبب في ذلك إلى تراجع حدة النشاطات الشمسية، أو ربما إلى ابتعاد الأرض عن مسارها القريب من الشمس لتتخذ مساراً أبعد قليلاً(5)! لكن، وبالرغم من مساهمة الأحوال الطبيعية في كبح جماح ارتفاع درجة الحرارة، فإن الأسباب التي أدت إلى ظاهرة التغير المناخي المعاصرة مختلفة تماماً وتتمركز حول نشاطات الإنسان نفسه!

نسبة مساهمة نشاطات الإنسان في ظاهرة الانحباس الحراري

يلاحظ من الشكل أعلاه كيف تسهم نشاطات الإنسان المختلفة في ابتعاث الغازات الدفيئة (احصاءات 2009)، إذ ينجم عن احتراق الوقود الاحفوري نحو 58% من غاز ثاني أكسيد الكربون، ثم تليه في الأهمية تدمير الغابات واطلاق غازي الميثان وأكسيد النيتروز بفعل النشاطات الزراعية والتسميد وتربية الحيوانات. ويشار اليوم في المرجع أعلاه أن قطع الغابات الاستوائية الماطرة بات يسهم في 25% من مجمل الغازات الدفيئة في العالم، سواء من خلال موت الأشجار بصورة طبيعية أو حرقها بفعل الظواهر الطبيعة، كالصواعق، أو قطعها لغايات التجارة أو تعفنها بصورة طبيعية، أو ربما حرقها بصورة متعمدة لافساح المجال أمام إقامة المشاريع الزراعية وتربية المواشي وما إلى ذلك من نشاطات.

لقد عمل الإنسان الحديث منذ ذلك العهد الصناعي (القرنان التاسع عشر والعشرين) على إحداث تغييرات هائلة في باطن الأرض وعلى سطحها وفي غطائها النباتي وثروتها الحيوانية وفي مياهها وهوائها وتربتها، فأقام المشاريع الزراعية والمائية والإنشائية والبنى التحتية، من طرق وسدود وخدمات متنوعة، ومشاريع صرف صحي وأماكن تجميع للنفايات.

كما قام الإنسان بقطع الأشجار وتجريف التربة وحرق الوقود الأحفوري واستنزاف الموارد الطبيعية، الأمر الذي أدى إلى تغيير معالم البيئة الطبيعية وتلويثها، وتهديد الموائل الطبيعية التي كانت مأهولة بالتنوع البيولوجي الهائل في الطبيعة والمستقر فيها منذ مليارات السنين، والذي أخذ يتناقص بالتدرج، حيث باتت تنقرض بعض أنواع الحياة في الطبيعة بوتيرة متسارعة.

يمكن رؤية حجم التلوث في الغلاف الحيوي المحيط بالأرض مباشرة من دون الدخول في معركة قياس محتوى الهواء من الغازات والمواد العالقة فيه؛ فظاهرة الانقلاب الحراري تعمل على منع انتشار الهواء الملوث وتحجزه بواسطة طبقة من الهواء الدافئ تقع فوقه على بعد مئات الأمتار، فتتجمع الملوثات في الهواء بتركيز عالٍ بالقرب من سطح الأرض، وبخاصة في فصل الخريف وبعد الغروب حتى الفجر حينما يكون تركيز الملوثات أعلى ما يمكن عند درجات حرارة منخفضة نسبياً.

وقد عانت مدن كثيرة من تلك الظاهرة؛ ففي لندن، يوم الرابع من شهر كانون أول لعام 1952، أدى التلوث العظيم، الذي تزامن مع وجود درجات حرارة متدنية، إلى وفاة آلاف الأشخاص، كما تكررت الحادثة في نيويورك عام 1963، وفي لوس أنجلوس عام 1997، وهي تحدث اليوم في دول جنوب أمريكا ووسطها وفي القاهرة منذ نهاية التسعينيات بفعل التلوث المتعاظم في الجو، وبخاصة في مواسم حرق القش الناجم عن زراعة الأرز وغيره من المحاصيل الزراعية كقصب السكر.

ولا يقتصر ضرر تعاظم كميات غاز ثاني أكسيد الكربون على ارتفاع درجة حرارة الأرض بفعل تشكـــل غلاف غازي كثيف حول الأرض يعكس الإشعاع الحراري إلى الداخل ويمنع جزءَاً كبيراً منه من التسرب إلى الفضاء الخارجي، إنما ينبغي التطلع إلى كمية غاز ثاني أكسيد الكربون الهائلة التي تذوب في المسطحات المائية على الأرض فتزيد من حمضية المياه، ويمكننا تخيل أثرها السلبي على التنوع البيولوجي ابتداء من الحيود المرجانية، مروراً بالطحالب والعوالق الحيوانية وانتهاء بالأسماك الضخمة، كما ينبغي التطلع إلى الضرر الناجم عن زيادة التبخر من اليابسة والبحار معاً بفعل ارتفاع درجة الحرارة وانطلاق جزيئات المياه إلى الغلاف الجوي؛ والتي تساهم مساهمة كبيرة في ظاهرة الانحباس الحراري أيضاً(6).

الصفحات