كتاب " نهاية العالم على مذبح التغير المناخي " ، تأليف د. أيوب أبو دية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب نهاية العالم على مذبح التغير المناخي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نهاية العالم على مذبح التغير المناخي
4) كيف تختلف ظاهرة الانحباس الحراري المعاصرة عن سابقاتها؟
أدت الظواهر الطبيعية في الماضي إلى تغيرات مناخية مهمة أدخلت الكرة الأرضية في عصور جليدية وفترات متناوبة من الدفء المناخي. ومن هذه الظواهر الطبيعية اشتداد النشاطات الشمسية أو خفوتها، تغير محور دوران الأرض حول نفسها وتباين مسار الأرض حول الشمس، من حيث بعدها عن الشمس أو قربها منها.
وهناك عوامل طبيعية أخرى أسهمت في التغير المناخي، مثل سقوط أجرام سماوية على سطح الأرض أدت إلى إطلاق أغبرة كثيفة في الجو حجبت أشعة الشمس وأدت إلى هبوط معدل درجة الحرارة. وربما يكون قد أدى اصطدام النيازك بالأرض إلى اشتعال الغابات وانتشار الحرائق، وكذلك انتشار السخام في الجو ليحجب أشعة الشمس عن الأرض ويسهم في خفض درجة حرارة الغلاف الحيوي المحيط بها.
ومثال ذلك بركان تمبورا (Tambora) في إندونيسيا الذي انفجر عام 1815 وأدى إلى مقتل 71000 نسمة ونجمت عنه تغيرات مناخية في العالم، حيث لم تشهد له البشرية مثيلاً في العصور الحديثة، إذ حجب سخام البركان أشعة الشمس لمدة سنتين فانقضى صيف عام 1816 على العالم بطقس بارد، إذ يقال إن الانتقال من الربيع إلى الخريف تم مباشرة من دون العبور بفصل الصيف في تلك السنة.
بركان تمبورا (Tambora) في إندونيسيا الذي انفجر عام 1815
ومثال ذلك أيضاً ثوران بركن بيناتوبو (Pinatubo) في الفلبين خلال شهر حزيران 1991، الذي استمر ينفث الحمم لغاية شهر آذار عام 1992، حيث أثر ذلك على معدل درجة حرارة الغلاف الجوي، إذ انخفضت قليلاً لفترة وجيزة.
كما تتعرض الأرض بين فينة وأخرى إلى حرائق طبيعية بفعل الصواعق، على سبيل المثال، فتحترق الغابات وتطلق الغازات الدفيئة والمواد العالقة في الجو، التي بدورها تحجب أشعة الشمس أيضاً وتسهم في خفض معدل درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض؛ ناهيك بتقلص الرقعة الخضراء الناجم عن الاحتراق أو ارتطام النيازك أو انفجار البراكين التي تسهم في امتصاص سطح الأرض لكميات أكبر من الموجات الحرارية لأشعة الشمس، فضلاً عن انجرافات التربة الناجمة عن الأمطار الغزيرة والتي تؤدي إلى نقص المساحة الخضراء على الكوكب برمته وبالتالي خفض كميات ثاني أكسيد الكربون التي يستهلكها النبات، الأمر الذي يسهم في استفحال ظاهرة الانحباس الحراري.
ولكن، بعد انقضاء الحوادث الطبيعية، ما تلبث أن تعود درجة حرارة الأرض لترتفع من جديد بعد استقرار الأوضاع وترسب الأغبرة والسخام؛ إذ تؤدي الغازات التي تكون قد انطلقت في الجو إلى امتصاص الموجات الحرارية من الأشعة الشمسية، كما تغدو الأراضي الجرداء الموشحة بالسواد أعظم قدرة على امتصاص الموجات الحرارية من أشعة الشمس الساقطة عليها، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع معدل درجة حرارة الأرض من جديد.
ولكن هذه الظواهر الطبيعية تقابلها ردة فعل طبيعية من جانب الأرض، إذ تقوم الطبيعة نفسها بترميم الأضرار التي لحقتها، فتنمو الغابات من جديد على أنقاض الحرائق أو ثوران البراكين وموجات الزلازل والتسونامي أو الدمار الإعصاري العنيف، ويساعدها في تحقيق ذلك مخلفات الحرائق والنيازك والبراكين الثائرة التي تزودها بما تحتاج إليه من غذاء غني بالمعادن والنيتروجين وما إلى ذلك.
هذا في ما يتعلق بالطبيعة التي تقوم بترميم الأضرار البيئية بقواها الذاتية، ولكن هل تستطيع الأرض ترميم وإصلاح الأضرار التي أحدثها الإنسان في ثوراته الصناعية المتتالية خلال القرنين الأخيرين؟
صحيح أن الإنسان أحدث تغييرات في البيئة الطبيعية عبر تاريخه القديم أيضاً، حين اتخذ المستوطنات الدائمة مقراً له وأقام السدود والمشاريع الزراعية والمائية والرعوية وبنى السفن وصنع الأسلحة، ولكن التكنولوجيا التي توافرت لديه كانت محدودة وبدائية مقارنة بتلك التي هي بحوزتنا اليوم، لذا، فإن التغيرات الأهم في البيئة بدأت تظهر إرهاصاتها منذ الثورة العلمية الكبرى في القرن السابع عشر؛ عندما بدأ الإنسان يكتشف قوانين الطبيعة وشرع يحلم بالسيطرة على الطبيعة وتسخيرها لخدمته ورفاهيته.
وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر هيأت الاكتشافات والاختراعات العلمية مراكز مهمة في أوروبا كي تدخل عصر الثورة الصناعية الأولى، التي قامت على الفحم الحجري والخشب بأنواعه، حيث تسبب احتراق وقود قطارات سكة الحديد والمحرك البخاري الذي اخترعه جيمس واط في تلويث الهواء؛ وتعمـقت الثـورة الصـناعية الأولى بالثـورة الثـانية، الــتي اعتمدت على الصُّــلب، والكهرباء، والبترول، والمحرك ذي الاحتراق الداخلي. وساعدت الأخيرة على إنضاج الرأسمالية الاحتكارية، الأمر الذي أخذ يُعمـق من أزمة التلوث في الهواء والماء وعلى الأرض وما ينبت منها، وبات يقض مضجع الإنسان المعاصر ويهدد الكرة الأرضية بالدمار.
لم تكن الثورة الصناعية التي حدثت في القرن التاسع عشر مفيدة سوى للغرب الاستعماري، فيما أدت إلى زيادة إفقار الدول الفقيرة أصلاً وذلك نتيجة نهب المواد الخام من تلك الدول وتحويلها إلى مزارع لإنتاج المواد الخام لصناعاتها، كالقطن في مصر(19)؛ كذلك، كان أثر الثورة الصناعية المتقدمة على العالم كبيراً، فقد بات واضحاً حجم الضرر الذي لحق بالكرة الأرضية نتيجة التلوث الذي نجم عن الصناعات شديدة التلويث للبيئة، بفعل احتراق الفحم الحجري والوقود الأحفوري (النفط ومشتقاته) وإنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة التقليدية، كالوقود الأحفوري، والتوسع في الزراعة، والإفراط في استخدام السماد والمبيدات، وأيضاً التوسع في تربية المواشي على حساب الغابات.