كتاب " نهاية العالم على مذبح التغير المناخي " ، تأليف د. أيوب أبو دية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب نهاية العالم على مذبح التغير المناخي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نهاية العالم على مذبح التغير المناخي
3) تاريخية ظاهرة الانحباس الحراري!
انتهى العصر الجليدي الكبير قبل نحو 12000 سنة، وعاد ليظهر مرة أخرى في عصر أطلق عليه اسم «العصر الجليدي المصغر» الذي بدأ نحو نهاية القرن الحادي عشر بعد الميلاد وامتد حتى القرن التاسع عشر(أنظر الشكل الآتي) عندما شرع التلوث الصناعي بعدها في رفع درجة حرارة الأرض على نحو غير مسبوق في التاريخ الحديث للكرة الأرضية نتيجة إحراق الفحم بكميات كبيرة في القرن التاسع عشر. ونتيجة اكتشاف النفط فيما بعد وتعمق الثورة الصناعية في أوروبا واندياحها في أرجاء العالم المتقدم.
تناوب البرودة والدفء المناخي على الأرض وارتباطه بصعود الحضارات واندثارها منذ منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد
بدأ يتضح للعلماء شيئاً فشيئاً أن نشأة الحضارات القديمة والإمبراطوريات المترامية الأطراف، المنظمة تنظيماً مركزياً دقيقاً، كان بفعل تغير المناخ بصورة أساسية، حيث نزح الناس، نتيجة ارتفاع درجة الحرارة وانحسار هطول الأمطار، إلى مناطق الأنهار الكبرى، كدجلة والفرات والنيل والكونغو وغيرها من الأنهار العظيمة المنتشرة في أصقاع هذا الكوكب المميز بثراء التنوع الحيوي على سطحه.
وقد استدعت ضرورة إدارة الموارد الطبيعية المحدودة (المياه والأراضي الصالحة للزراعة) تنظيم دولة مركزية خراجية قوية تضمن للفلاحين الأمان والاستقرار والتوزيع العادل للأراضي والمياه، وبالمقابل، تأخذ منهم الخراج العيني أو النقدي لتوطيد حكمها ونفوذها وزيادة قوتها(10).
أما المناطق الجافة التي لا تمر فيها أنهار ضخمة، كالجزيرة العربية وشمال أفريقيا، فقد كانت التجارة والرعي هما نمط الإنتاج السائد لفترات طويلة؛ ولا يزال الكثير من المناطق الرعوية في العالم على حالها منذ ذاك التاريخ، باستثناء بعض التحولات البسيطة في أنماط معيشة السكان.
وبالمقابل، صعدت حضارات عملاقة في ظل ظاهرة دفء مناخي، كتوسع الحضارة الرومانية بعيد ميلاد المسيح، ومن اللافت أن القرن الخامس عشر كان شديد البرودة، فهل هناك ما يمنع القول بأن فتح أمريكا عام 1492 كان مرتبطاً بأحوال المناخ في أوروبا آنذاك، وهل هناك ما يمنع الحديث عن أن العصر الجليدي المصغر الذي اجتاح أوروبا أدى إلى بزوغ فجر العلم الحديث في القرن السابع عشر وإلى تطور ذلك صوب تطبيقات عملية للنظريات العلمية التي مهدت السبيل لإنجاز الثورة الصناعية الكبرى الأولى في نهاية القرن الثامن عشر وتعمقها في القرن التاسع عشر، إلى أن توجت بثورة صناعية كبرى ثانية في نهاية القرن التاسع عشر أدت إلى ما نحن عليه من تأزم في مناحي الحياة شتى، بما في ذلك ظاهرة الانحباس الحراري.
تعود أقدم قراءَات أدوات الرصد المناخي الحديثة إلى القرن التاسع عشر، ولكن هناك قراءات أقدم من ذلك بكثير، كعمود فيضان نهر النيل في مصر الذي بناه أبو العباس الفرغاني في الروضة على النيل في القرن العاشر للميلاد، وهناك وثائق ورسومات وأدبيات احتفظت بها الحضارات القديمة وتشير إلى التغيرات التاريخية(11).
أما اليوم فنستخدم أساليب حديثة للكشف عن التغير المناخي، مثل دراسة نظائر الأكسجين والهيدروجين في طبقات الثلج، والتي تعود إلى نحو نصف مليون عام، كذلك تستخدم الترسبات تحت البحار والمحيطات وطبقات كربونات الكالسيوم في المرجان وغيرها من الطرائق للكشف عن تاريخ المناخ القديم وتذبذب معدل درجة الحرارة وتغير نسب الغازات الدفيئة في غلافه الجوي.
التغير المناخي وزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون
ويلاحظ العلماء ارتفاع تركيز غازات ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز منذ انطلاقة الثورة الصناعية في أوروبا نحو نهاية القرن الثامن عشر. ويلاحظ من الشكل الأخير تزايد إنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون وارتباط ذلك بارتفاع درجة الحرارة. لذلك، لم يعد من مجال للشك أن الإنسان المعاصر هو سبب ظاهرة التغير المناخي بغضِّ النظر عن العوامل الطبيعية الأخرى، إذ نلاحظ تعاظم إنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون بعد الحرب العالمية الثانية وخروج العالم من الركود الاقتصادي إلى الاقتصاد الاستهلاكي شديد التلويث بالبيئة. ولكن تحولات مناخية مهمة عصفت بالأرض في الماضي، من دون أن ترتفع نسبة الغازات الدفيئة، فكيف حدث ذلك؟
أدت النشاطات الشمسية المتفاوتة الشدة في الماضي إلى تغير معدل درجات الحرارة؛ ففيما يطلق على فترة الدفء الحراري في العصور الوسطى (Medieval Warming Period) التي امتدت من مطلع القرن التاسع الميلادي لغاية نهاية القرن الثالث عشر، تدنت درجة الحرارة خلال العصر الجليدي المصغر (Little Ice Age) الذي امتد حتى مطلع القرن التاسع عشر.