أنت هنا

قراءة كتاب سؤال الهوية الكردية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سؤال الهوية الكردية

سؤال الهوية الكردية

كتاب " سؤال الهوية الكردية " ، تأليف عبد الكريم يحيى الزيباري ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

المقدمة

لن أحاول اختصار الكتاب، لن أتطرق إلى تعداد فصولهِ، تاركاً هذه المهمة للفهرست، كما لن ألتزم بمنهجٍ محُدَّد في الكتابة، سأذهبُ حيث تأخذني الفكرة، بلا رقابة، مع حذرٍ قليل استناداً إلى ابن العربي:

واعلمْ بأنَّ ذوي الأفكارِ في عَمَهٍ

فَكُنْ من الفكرِ يا هذا على حذرِ

ولقلة حذري وقعتُ في أخطاءٍ، حتى أنني كلما راجعتُ الكتاب حذفت وعدلت حتى يوقفني الإجهاد.

ظلَّ سؤال الهوية الكردية غير مطروق فكرياً وبجدية على الأقل. إهمالٌ غير متعمَّد تكرر في انعطافات تاريخية لشعوبٍ أخرى في فترات وظروف محددة، كاليابان وألمانيا الخارجتين من الحرب العالمية الثانية بهزيمة ساحقة: هل تندمجان كليَّةً في الغرب الحديث، أم تقاومان؟ إذا اختارتا المقاومة ماذا تفعلان؟ حتى أنَّ أديباً كتوماس مان رفضَ العودة إلى ألمانيا بعد نهاية الحرب قائلاً: إنَّها مازالت محتلة، فاتهمه مثقفو الداخل بالخيانة والجبن لأنَّه فرَّ من هتلر. والسؤال هنا اليوم: هل يندمجُ الشعبُ الكردي ويذوب في الهوية العراقية التي لم تتشكَّل وتعاني صراعاً أكبر من صراع اللهجات، أم يقاوم؟ ماذا سيكسب من المقاومة؟ ماذا سيخسر؟ هل يندمج في الهوية الدينية الإسلامية رغم الجروح القديمة؟ ما فتئوا يرددون: لقد وقف العالم الإسلامي متفرجاً على مأساتنا، ولم تصدر عنه كلمة شجب أو استنكار. يقول صمويل هنتغتون (لاحظ برنارد لويس ذات يوم أنَّهُ حين يتحقق الناس أن الأمور تسير في اتجاه خاطئ فإنَّهم يسألون أحد سؤالين: الأول: ما الخطأ الذي ارتكبناه؟ والثاني: من فَعَلَ هذا بنا؟) (1). بحسب التاريخ معظم قادة الشرق الأوسط، ومعتنقي نظرية المؤامرة، من المكارثيين الجدد (2)، يرددون السؤال الثاني مع تجاهلٍ شبه تام للأول، فضلاً عن تجاهل: كيف نُصحِّحُ الخطأ؟

العراق اليوم في حالة سيئة، بينما يبدو إقليم كردستان متعافياً بعض الشيء، لكن هذا لا يعني أنَّ الأول شرطُ الثاني، كما يريد بعض المُغرضين أنْ يصوِّروا لأنفسهم باستمرار عدوَّاً وهمياً، غاب عنهم جدلٌ مهم بخصوص القبل والبعد، فالإقليم لم يتعافَ اليوم بالذات، ولا يوجد ما يدعو إلى الاعتقاد بأنَّ تدهوراً في بغداد سوف يعني ازدهاراً في أربيل، بل تذهب على العكس تماماً جميع المؤشِّرات، فالعلاقة بين أربيل وبغداد ليست علاقة نفي، بل علاقة تاريخية وطنية، تُكمِّلُ إحداهما الأخرى، كالأب والابن، فلا أحد غير حكومة بغداد بمقدورها تبرير هذا الاستقلال النسبي لإقليم كردستان، وهي التي تمنحه الشرعية الدولية. بالمقابل: يمكن للعراق الاستفادة بشكل إستراتيجي من الاستقرار النسبي في كردستان، كما إنَّ أيَّ خللٍ يصيبُ هذه العلاقة، سوف يفتحُ الأبواب مُشْرَعَةً لتدويلِ الأزمة، وتشظيها في جميع الاتجاهات، وما كان ذلك كذلك، إلا لأنَّ كردستان عانت لعقودٍ طويلة، ولم تحظَ بحوار متكافئ مع بغداد قبل 2003، رغم أنَّنا لا يمكننا تجنُّب الحديث عن أزمة، لأننا إذا فعلنا ستبدو الصورة غير مكتملة، ومصدر الأزمة هو تضارب المصالح، وافتقاد الثقة اللازمة في الدخول في حوار جاد، هو فوز بعض المتطرفين في انتخابات مجلس النواب العراقي في دورتيه الأولى والثانية، نتيجة شعارات تُضْمِرُ إلغاء حقوق الآخر على أساس الهوية المُغلقة، كما حدث في أوروبا وأميركا بعد الحادي عشر من سبتمبر.

وفي محاضرةٍ للشاعر مؤيد طيب بتاريخ 26/6/2011 في اتحاد أدباء دهوك (إنَّ بعض المسؤولين، الذين لم يتربعوا على كراسي المسؤولية، إلا بعد أنْ أقسموا على صيانة الدستور، والدفاع عنه، نجدهم بعد ساعة فقط، قد صرحوا لوسائل الإعلام تصريحات نارية، تطعن فيالدستور، وفي إحدى المرات سألت أحدهم عن هذه الازدواجية، فأجابَ مباشرةً وهو يبتسم: " نحن نقول هذا الكلام لأنَّ ناخبينا ينتظرون منا هذه التصريحات!!"، وبالتالي فإنَّ أعضاء الدورة المقبلة سوف يكونون أكثر تشدداً) (3).

السائلُ أو المسؤول عن هويته، نفسه، ذاتهُ، صار شخصاً آخر غير الذي أراد هو أن يكون، لأنَّ عضو مجلس النواب يتصرف بحسب ما ينتظره ناخبوه، هذه ثقافة تجعلني أخسر نفسي، تبحث عن مستهلكين فقط، وهي ثقافة لا إنسانية، وحين شعرَ فلاسفة البنيوية بمخاطر لا إنسانية ثقافتهم، بدأوا ببحثٍ عن حلول وتبريرات. يقول ليفي شتراوس: (إنَّ هدف العلوم الإنسانية ليس الكشف عن الإنسان بل تفكيكه) (5). ولكن علينا بحسب هيدغر (تجنُّب فهم إنسانية الإنسان على نحوٍ ضيق أكثر مما ينبغي) (4). الفهم الضيق للإنسان باعتبار هويتهِ شخصاً مختلفاً، وهو بحسب هويته الأكثر اتِّسَاعاً باعتبارهِ إنساناً، وهل غير الفهم الضيِّق لإنسانية الإنسان سبب في انحطاطِ العالم إلى واقع المجتمعات البدائية؟ حيث يأكل القوي الضعيف، ويحوِّل الغني أخاه الإنسان الذي يعمل عنده، إلى آلة حرارية تعمل في درجة حرارة 37 درجة مئوية، عامل المطعم يعمل منذ الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، لقاء أجر يومي قدره عشرة آلاف دينار فقط، صاحب المطعم قد يكسب خمسمائة ألف دينار يومياً أو أكثر، هذا العامل: متى ينام؟ متى يرى أطفاله؟ هل لديه فرصة للتفكير وللتأمُّل؟ هذا النوع من الاستغلال، يمحو الشرط الإنساني في نفوسنا، الفاصل الصامد ضد تحويلنا إلى آلات.

الصفحات