أنت هنا

قراءة كتاب في مهب العاصفة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في مهب العاصفة

في مهب العاصفة

كتاب " في مهب العاصفة " ، تأليف الفضل شلق ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

هُزمت العصابة تبقى المشكلة

انتهت مأساة نهر البارد. بدأت مأساة اخرى. عولجت التكفيرية الإسلامية بانتصار مبين. كيف تعالج التكفيرية اللبنانية. يبدو أن التكفيرية، المفترض ان تأثيرها كان محصوراً بين مقاتلي نهر البادر، تركت آثاراً واسعة على الوعي السائد. وهذا هو موجب الحديث عن هذه المأساة الأخرى، وهي مأساة أصابتنا في صميم وعينا.

تنطلق التكفيرية الإسلامية من وعي يرى تقسيم المسلمين بين مؤمنين حقاً وآخرين ارتدوا إلى جاهلية جديدة. أهل الجاهلية الجديدة تجدر هدايتهم بالقوة لا بالدعوة. فقد التكفيريون ملكة الحوار والدعوة، لجأوا إلى العنف ضد العدو الاقرب، وحل العدو الاقرب (أبناء مجتمعهم الذين لا يوافقونهم الرأي) مكان العدو الابعد، الغرب الذي يحتل بضعة بلدان عربية وإسلامية.

سمعنا من قبل كلاماً عن تقسيم اللبنانيين بين «ثقافة الموت» و«ثقافة الحياة». تجاهل أصحاب هذا التقسيم أن هناك «ثقافة القتل» الاسرائيلية الأميركية التي تنتج الاحتلالات وتبرر الحروب. تجاهل اصحاب هذا التقسيم أيضاً أن المقاومة نتيجة حتمية للاحتلال. ادانوا الضحية واهملوا ذكر القاتل.

نسمع الآن كلاماً اوسع انتشاراً بين الناس حول تصنيف السكان بين لبناني وغير لبناني. بالطبع يستند هذا التصنيف، في الأساس، إلى مواقف سياسية حادة، لكنه يجعل الموضوع جماعات بكاملها من المقيمين على الارض اللبنانية، من لبنانيين وغير لبنانيين. هناك اعداد كبيرة من اللبنانيين (ربما يشكل بعضهم طوائف بكاملها)، وهناك اعداد متزايدة من الذين خرجوا على طوائفهم، وكل من تراءى له رأي مغاير لاكثرية الطائفة. كل هؤلاء يجب اسكاتهم، حتى لو استخدمت ضدهم وسائل العنف، وهناك انتشار للسلاح يتيح استخدام العنف ضد المغايرين. من حسن الحظ ان العنف المادي لم يستخدم باتساع حتى الآن. لكن العنف الكلامي الذي يتم استحضاره، وهناك من يعمل على تأجيجه، هو ما يتسم بالخطورة. والامر سيزداد سوءا عندما تلجأ اجهزة معتمدة للتصفيات على أساس الرأي.

إن المواطنة في لبنان وفي أي بلد لا تستلزم اكثر من حمل بطاقة الهوية وطاعة القوانين ودفع الضرائب. أما الرأي فهو لا يدخل في تعريف المواطنة. فهل يحق لأحد ادإنة آخر بعدم اللبنانية، إلا إذا كان الذي يوجه الادانة ذا خلفية ايديولوجية تدفعه إلى ادانة الآخرين المخالفين وتكفيرهم واستخدام وسائل ضغط معنوية ومادية من خارج القوانين والدستور؟

ما عاد بالإمكان إجراء محادثة عادية هادئة أو حتى مؤدبة بين لبنانيين من طوائف مختلفة، أو بين لبناني وفلسطيني، أو بين لبناني غير أرمني ولبناني أرمني. العنف الكلامي يسيطر على كل محادثة. حروب أهلية يخشى من نتائجها حتى ولو لم تتطور إلى استخدام وسائل العنف. يعبِّر العنف الكلامي عن أحقاد مفتعلة وعن كره متبادل مصطنع. كل ذلك يشل الحياة السياسية، ويمنع مناقشة القضايا الأساسية الجدية. يجعل الحوار مستحيلاً، بل يجعل السياسة غير ممكنة. وكل «حوار» على برامج التلفزيون المسائية هو نوع من التراشق الذي يساهم في التشنجات.

تلعب النخب الثقافية ومن بينها جمعيات المجتمع المدني، دوراً سيئاً في هذا الجو. افترضت جمعيات المجتمع المدني وبقية النخب دوراً وسيطاً لنفسها بين المجتمع والدولة، رغم أنها غير منتخبة. لكنها اقتطعت دوراً لها في الحياة العامة وخالفت الأسس التي كانت قاعدة الدور الوسيط. صارت اطرافاً تعمل لدى افرقاء الطبقة السياسية التي تحرض وتثير وتصنع الغرائز التي تؤدي بدورها إلى ان تصير الحقائق مجرد وجهات نظر بغض النظر عن الوقائع.

إن الإعمار في مخيم نهر البارد، أو في الجنوب والضاحية وبقية المناطق مسألة تقنية.

التقنيون ينفذون ما تكلفهم به السلطة السياسية. الجانب التقني هو الامر الاسهل، سواء توفر التمويل الخارجي ام لم يتوفر. اما الجانب السياسي فهو الامر الاصعب حين يجري العمل عن سابق تصور وتصميم لإلغاء الأسس التي تقوم عليها الدولة السياسية، والدولة لا تكون الا سياسية. في غياب التواصل السياسي يصبح كل شيء صعب المنال. ويصير تحقيق اية مهمة تقنية شبه مستحيل.

هُزمت عصابة «فتح الإسلام». وكان ذلك ضرورياً. وعلينا تهنئة الجيش وكل من ساهم في ذلك. يبقى المزاج العام التكفيري الذي يدفع الانقسامات الدينية والاثنية إلى تطرف عرقي فاشي. يُفتعل هذا المزاج العام ويُغذى، وهو ما يفسر الحالة السوداوية التشاؤمية التي يعانيها الشعب اللبناني. دون معالجة هذا الامر، ودون تغيير جدي في خطاب الطبقة السياسية في لبنان، ستكون عودة السياسة إلى الحياة العامة امراً بعيد المنال، وسيكون صعباً البناء ونهوض الدولة.

7/9/2007

الصفحات