كتاب " ما بعد ماركس " ، تأليف د. فالح عبد الجبار ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
مهدي، يا صديقي إليك أهدي هذه الأوراق
أنت هنا
قراءة كتاب ما بعد ماركس
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ما بعد ماركس
القسم الأول : في النظرية
ماركس والدولةالنظرية الناقصة؟
مهدي، يا صديقي إليك أهدي هذه الأوراق
هل هناك نظرية مكتملة عند ماركس عن الدولة؟ أعلم بيقين تام أن مجرد التفكير في طرح السؤال عن وجود نظرية محددة عن الدولة (لدى ماركس، أو انجلز، أو لينين) سيكون له وقع جارح، بل ربما يؤخذ بمنزلة الهرطقة.
فالدولة، عند ماركس، نقطة المبتدى ونقطة المنتهى. فانتصار نمط الإنتاج الرأسمالي، أو التشكيلة الرأسمالية التي كرس ماركس فكره لدراستها وتحليلها، يبدأ بالظفر السياسي للطبقة الرأسمالية، مثلما أن نهاية التشكيلة الرأسمالية، التي استشرف ماركس قربها الوشيك، يبدأ بتدمير الدولة الرأسمالية بالثورة الاجتماعية. لهذا السبب قلت إن الدولة هي نقطة المبتدى ونقطة المنتهى، مع كامل إدراكي أن الدولة، عند ماركس، متغير تابع، أي أنها ليست قائمة بذاتها، ولا تفسر بذاتها. بل هي نتاج التطور العضوي للرأسمالية، أنها جزء من البنية الفوقية للمجتمع، حسب تحليله.
أهمية الدولة في نظر ماركس، تكمن في أنها تمثل المنتوج النهائي للرأسمالية، إن جاز التعبير، أداة استمرارها، تنظيمها الأسمى، قوتها العاتية، ومعلم وجودها.
كما تنبع أهمية الدولة من كونها أيضاً أداة لتنظيم المجتمع الجديد، ووسيلة خلقه. أن ماركس هو منظّر التسييس بلا منازع، رغم الأهمية المركزية التي يضفيها على الاقتصاد، أي حركة نمط الإنتاج. ففي التحليل الأخير، ينبغي للطبقة العاملة أن تستولي على هذه الأداة، تحطمها، وتحل محلها أداة سياسية جديدة، كيما يتسنى إرساء الأساس لزوال المنظم الجديد (البروليتاريا) وأداته التنظيمية الجديدة (الدولة الاشتراكية)، أو اضمحلالها التدريجي.
الدولة، في تصور ماركس التاريخي تقف في نقطة النضج الحقيقي للرأسمالية، أي الظفر السياسي للطبقة الجديدة، مثلما تقف في نقطة انهيارها، وعليه فإن نمط الإنتاج الرأسمالي الناضج، مثلما رآه ماركس، يقف بين نقطتين سياسيتين: نشوء الدولة الرأسمالية من هنا، ودمارها من هناك. من هنا الأهمية الحاسمة لموضوع الدولة.
الواقع أن ماركس وضع منذ وقت مبكر، لبنات نقد وتحليل الدولة الحديثة. حسبنا في هذا الصدد الإشارة إلى: نقد فلسفة الدولة عند هيغل، ثم نقد فلسفة الحق عند هيغل (انظر مثلاً الكتابات المبكرة)، أو تحليلاته في «الايديولوجيا الألمانية»، التي تتناول تاريخية الدولة، علاقتها بالمجتمع المدني، تفاعلها مع مالكي الثروة، بل مع شتى الطبقات، إلخ.
هذه الكتابات المبكرة تفصح عن نوايا ومشاريع تتناول الدولة الحديثة. إلا أنها، كما سنرى، بدايات مشاريع.
تحوّل مركز الثقل في أعمال ماركس من تحليل الدولة إلى تحليل «المجتمع المدني» (أي المجتمع الرأسمالي) بعد المخطوطات الاقتصادية ــ الفلسفية، إلا أنه لم يتخل عن إفراد مكانة أساسية لتحليل الدولة.
ولتبيان هذه الحقيقة حسبنا الالتفات إلى خطط ماركس في مشروعه لدراسة التشكيلة الرأسمالية، على خطط كتابة «رأس المال».
هناك ما لا يقل عن 14 خطة مختلفة صيغت بين أيلول 1857 ونيسان 1868 حسب قول روسدولسكي (انظر المراجع).
الخطة الأصلية تتوخى تقسيم دراسة التشكيلة الرأسمالية كنظام عالمي (لا كدولة قومية محددة) إلى ستة مجلدات يتناول كل مجلد حقلاً محدداً على النحو التالي:
1 ــ رأس المال
2 ــ الملكية العقارية
3 ــ العمل المأجور
4 ــ الدولة
5 ــ التجارة الدولية
6 ــ السوق العالمية.
تعرضت هذه الخطة الأصلية، القديمة نسبياً، إلى التعديل. فمثلاً إنّ العمل المأجور صار فصلاً من فصول الجزء الأول من رأس المال، مثلما أن الملكية العقارية بُحثت بحثاً مستفيضاً في الجزء الثالث منه. واندمجت البنود 1 و2 و3 فيما يُعرف الآن بالمجلدات الثلاثة لرأس المال(1).
هذا التعديل اختزل التقسيم السداسي إلى تقسيم رباعي على النحو التالي: